أُمي ..أمراة من التاريخ

منار الزبيدي

منذ ولدت وهي تناضل من اجل ان تثبت وجودها فلم توقفها الامية التي كانت شائعة في زمانها بين النساء ولم تتردد عن دخول المدرسة التي حرم منها الكثير من اخوتها ليشتغلوا بمزرعتهم ورعاية مصالح ابائهم

دخلت المدرسة رغم ان الكتب لم تكن متوفرة فكانت تقطع مسافة كبيرة فقط لتقرا مع صديقاتها فكانت كل خمسة فتيات يقران بكتاب واحد ,ولم تقصر في واجباتها المنزلية خوفا من حرمانها من التعليم ,

اكملت دراستها ودخلت اعدادية التجارة وتخرجت منها لتتوظف في احد المؤسسات الحكومية وتبدأ قصة صبر وتحدي من نوع جديد فلم تكن العادات والتقاليد الاجتماعية لوحدها حاجزا ليوقف حياة الكثير من الفتيات في السبعينات ,تميزت  بقوة شخصيتها وعفتها التي اصبحت سمتها وعنوان شموخها وهي تجيد اللغة الانكليزية وقليلا من الفارسية والفرنسية بدات مشوارها الوظيفي المليء بالمخاطر والتحديات فقط كانت تعمل محاسبة ومسؤولة الخزينة وكانت تتقن عملها ورفضت كل انواع الترغيب او مايسمى بالهدايا للتلاعب ببعض الارقام والاوراق الامر الذي جعل بعض المتنفذين يضغطون عليها فمرة ينقلوها الى مكان عمل بعيد واحيانا يبعثون بلجنة رقابية تطيل اجرائاتها المعقدة ومرة تحرم من الاجازات الاعتيادية وغيرها من المضايقات ,لكنها وقفت كجبل شامخ لم تهزم ولم تنحني لكل تلك الفقاعات حتى اكملت مشوارها الوظيفي المشرف لتتقاعد وتتفرغ لامورها الخاصة ,

ومع كل تلك التفاصيل الكثيرة في حياتها انشئت اسرة جميلة عرفت بتماسكها الاجتماعي وسيرتها الحسنة واكملت معها دورها الاجتماعي في النصح والارشاد …

انها امي التي ربتني حتى بلغت اشدي وشجعتني كثيرا واستلهمت من حكاياتها وتجاربها الكثير من العبر التي واجهت بها جميع الصعوبات التي واجهتني ,وحكاية النضال هذه ليست حكرا لامي بل الكثير من الامهات العراقيات عاشن ظروفا اشبه بها فمنهن من واصلن طريقهن وبلغن اعلى المستويات ومنهن من غلبتهن الظروف لكنهن انتجن افرادا اصلاء قدموا للوطن الكثير ,

كل ام عراقية هي امراة من التاريخ تستحق ان نكتب عنها ونشير الى عطائها ودعمها بمنتهى الوفاء والاخلاص لانها اساس الحياة ورونقها الذي لن ينطفئ مادامت انفاسها الدافئة تملئ حياتنا سعادة وحب وسلام وكيف لا وقد قال عنهن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم “الجنة تحت اقدام الامهات” فأي منزلة عظيمة هذه لتلك الامهات اللواتي كرسن كل حياتهن ليكن مشروع تضحية وجهاد وعطاء ….

لذلك قررت ان اكتب في احدى مدوناتي عن امي المراة التاريخية الاسطورة الجندي المجهول الذي مازال يدعوا لي في غيبتي ويقف الى جانبي في السراء والضراء .

Exit mobile version