“الهبة الديموغرافية” المتوقعة في العراق فرصة تاريخية لتحقيق نمو اقتصادي محتمل .

   هل سيكون للمرأة نصيب منها؟     

منار الزبيدي

اعلنت وزارة التخطيط عن دخول العراق في مرحلة الهبة الديموغرافية والتي تعتبر فرصة مهمة من شأنها دعم الفئات العمرية الشبابية في مجال العمل، فمن المتوقع دخول مجتمع سكان العراق المرحلة الرابعة من مراحل التحولات الديمغرافية وصولاً الى دخول مرحلة الهبة الديمغرافية  وتعرف هذه المرحلة بانها الفترة التي تقل فيها معدلات الخصوبة إلى مستوى الإحلال مقابل انخفاض نسبة الفئات العمرية بعمر الإعالة مقابل زيادة نسب الفئات العمرية بسن العمل، كما بين عبد الزهرة الهنداوي المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط.

العائد الديموغرافي

و تسمى مرحلة الهبة الديموغرافية بمرحلة “العائد الديموغرافي” ليستدل منها بأنها فرصة تاريخية لتحقيق نمو اقتصادي محتمل يمكن أن يفضي الى تحولات في التركيبة العمرية للسكان بحيث تكون شريحة السكان في سن العمل أكبر من الشريحة السكانية دون سن العمل أو خارجه، وبحسب الهنداوي فان مصطلح العائد الديمغرافي يشير  إلى النمو الاقتصادي المتسارع الذي قد ينجم عن التحول الديموغرافي مما يعنى انخفاض معدلات الوفيات والخصوبة، وانخفاض نسبة العبء الديموغرافي نتيجة ارتفاع نسبة السكان في سن العمل، وانخفاض معدل وتائر النمو لدى الفئات المعتمدة بالمقارنة بالفئات المنتجة, كما تنطوي الهبة الديموغرافية في طياتها على زيادة كبيرة في حجم قوة العمل بالشكل الذي يجعلها ثقلاً على المجتمع عند ارتفاع معدلات البطالة مما يعكس اثاراً سلبية على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

ويرى المتخصص في علم الاقتصاد ، د. مهدي صالح دواي بان الهبة الديموغرافية، او النافذة السكانية تعني المزيد من ارتفاع نسب السكان في سن العمل (15- 64)والذي يعد منحة مؤقتة تستمر لفترة تتراوح ما بين 30-40 عاما يترتب على هذا التغيير في هيكلية السكان من خلق فرص مواتية للنمو الاقتصادي في الأجل القريب والمتوسط باعتماد سياسات موائمة لهذا الحدث الهام.

وطبقا لتعريفات المنظمات الأممية، فان الدخول في دائرة الهبة الديموغرافية يوجب تحقق شرطين، الأول أن تقل نسبة السكان دون 15 عاما عن نسبة  30 بالمئة من إجمالي السكان، والشرط الثاني  أن لا تزيد نسبة المسننين بعمر 65 عاما  فأكثر على 15 بالمئة  من إجمالي السكان. ووفقا لذلك فقد دشن العراق  حسب إعلان الأمم المتحدة مرحلة الهبة الديموغرافية منذ عام 2010.ويتيح اغتنام فرصة الهبة الديموغرافية، تحسين نوعية حياة المواطنين، بزيادة معدلات التشغيل وخفض معدلات البطالة، والتمتع بمستويات عالية نسبيا من التنمية، وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وبضمنة منظومات الصحة والتعليم والإسكان.

وبحسب الهنداوي، لا أحدً يستطيع أن يؤكد أو ينفي بأن مستوى الخصوبة في العراق سينخفض إلى مستوى الإحلال في المستقبل القريب المنظور، ويصل معدل النمو السكاني إلى الصفر ولكن بانخفاض معدلات الخصوبة فأن هناك افتراض للتحول الديمغرافي المتوقع، حيث أن بعضاً من الدول قد أخذت فترة طويلة من الزمن للوصول إلى هذه المرحلة ومنها ما كانت هذه التحولات في فترة زمنية قياسية استطاعت فيها الوصول لمعدلات خصوبة تقارب معدل الإحلال وحافظت على البقاء والعزم السكاني على الرغم من بلوغ معدل النمو إلى الصفر.

اما في حالة تفويت فرصة الاستفادة من الهبة الديموغرافية، فان ذلك يؤدي إلى ارتفاع نسب العاطلين عن العمل، وارتفاع معدلات الفقر لأجيال قادمة، وتدهور الخصائص السكانية من صحة وتعليم، ونمو مؤشرات اقتصادية واجتماعية سلبية، إضافة إلى تأثيرات بيئية سلبية. وكثيرا ما تناولت أدبيات النمو والتنمية ذات العلاقة بدول جنوب شرق آسيا مسألة الاستفادة القصوى من هباتها الديموغرافية، بعدما راهنت على العنصر البشري كأداة للتغيير، فوظفت نظماً تعليمية ابتكارية، وسنت تشريعات راعية، وأسست لبنى تحتية ساهمت بإطلاق العنان لمواردها البشرية ،كما يشير دواي.

 

المرأة والهبة الديمغرافية

ان هذه المرحلة تحتاج الى العديد من المتطلبات اللازمة لاستثمار هذه الفرصة و يتعلق الامر بنظام وشبكة قوانين داعمة لدمج المرأة في حلقات الانتاج ولكن لحد الان هذه المتطلبات غير متوفرة  في العراق كما تؤكد الخبيرة  الاقتصادية، د. سلام سميم، التي ترى بان التغيرات الاخيرة في العراق والتي حصلت بسبب التغيرات المناخية ادت الى نزوح الكثير من المجتمعات الريفية الى المدنية  والتي انتجت عمالة غير ماهرة واتكال اكثر على المرأة، حيث  بدأت تعمل في اعمال لا تتطلب سوى توفر المهارات الدنيا في الحياة العامة مثل اعمال التنظيف المنزلي او العمل في مهن بسيطة وهامشية.

ويستوجب الامر ان يكون المجتمع مؤهل للمضي بطريقة عالية المستوى  في سبيل زج النساء وتطويرهن في مختلف الاتجاهات ولكن للأسف هذا الامر ايضا غير متوفر في العراق، وبهذا نؤكد عدم وجود استفادة كبيرة من هذه الهبة الديمغرافية في هذه الفترة، كما تزداد الفجوة الجندرية  في العراق ضمن المحور الاقتصادي لأنها تزداد بسبب الاداء النوعي للمجتمع والاقتصاد .

حلول لابد منها

ان التأسيس لثقافة سكانية واسعة بعد  آخر تعداد سكاني عام، من دواعي النهوض بالاقتصاد العراقي، ويعتبر إنجاز التعداد السكاني بمؤشراته الكمية والنوعية الخطوة الأساسية الأولى نحو استثمار الهبة الديموغرافية اقتصاديا واجتماعيا وعلميا, إضافة للمدلولات الحضارية للتعداد، وبضمنها الانفتاح الفاعل باتجاه الأدبيات والتقارير العالمية الراصدة لكل تحوّل مجتمعي يمر به البلد، وسوف تتيح الثقافة السكانية تعاملا رشيدا وعقلانيا مع ما نملك من مقومات، فجزء كبير من استشراء أنواع الفساد والهدر والتبذير تنسب إلى عشوائية الإحصاءات المؤدية إلى تخطيط غير علمي لبرامج النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.

ويشدد دواي على اهمية تأسيس مركز متقدم للأبحاث السكانية، ضمن تشكيلات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لضمان التعاطي العلمي مع المتغيرات الديموغرافية، ونتائجها على مجمل الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية داخل المجتمع العراقي، على ان يمنح هذا المركز شهادات أكاديمية في التخصصات السكانية لتأمين الكوادر العلمية المتخصصة، اضافة الى اهمية اعادة النظر بتخصيصات الموازنة الاتحادية بشكل علمي وموضوعي لتحقيق المزيد من الدعم لشريحة الهبة الديموغرافية (15-64) عاما، كأن يصار إلى تأسيس المزيد من البنى التحتية الداعمة للإبداع الذهني والجسماني، مثل زيادة عدد المكتبات العامة والملاعب الرياضية والنوادي الأدبية والعلمية، والاهتمام بالحدائق العامة، والمسطحات المائية الاصطناعية، وأنشطة السفر السياحي والتاريخي والعلمي، فجميع تلك الإسهامات سوف تؤمن المزيد من الانصهار المجتمعي والمنافسات الايجابية، وتوفير فرص عمل نوعية.

ولا يقتصر التخطيط السكاني هنا على الأهداف الكمية فحسب، وإنما التركيز على أهداف نوعية انتقائية قادرة على مواكبة مشاكل العصر وإيقاعاته السريعة، فأجيال الهبة الديموغرافية بحاجة إلى تجاوز أشكال الأمية الأبجدية والمعرفية وتحديدا شريحتي الإناث ومستوطني الأرياف والمناطق النائية، ويقع على عاتق الدولة محاربة الأمية الأبجدية في حين تتولى هيئات ومنظمات المجتمع المدني التعاطي مع أشكال المعرفة الجديدة في ظل إشاعة منظومات اتصال مرئية وسمعية ومقروءة فائقة التطوّر.

كما يرى الهنداوي إن تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الفرصة الثمينة التي تكون لفترة زمنية محدودة، يتطلب خلق المناخ الملائم نحو دفع النمو الاقتصادي واتباع سياسات تهدف الى رفع مستوى التشغيل وخلق أسواق عمل واسعة ومرنة في القطاعين العام والخاص لتصبح قادرة على استيعاب العدد الكبير من العمالة، كما يتم تقييم إمكانيات القطاعات الاقتصادية من خلال توفير عدد كاف من فرص العمل، مع ضرورة أن تستجيب السياسات الاجتماعية والاقتصادية من خلال إدماج البعد السكاني وقضايا الفرصة السكانية في الاستراتيجيات والخطط والبرامج التنموية وتخصيص الموارد المالية اللازمة لها لضمان الاستجابة لمتطلبات الفرصة السكانية لغرض استثمارها وتفويت فرصة ضياعها ويعتقد إن الاستثمار في قضايا تنظيم الأسرة يؤدي الى خفض معدلات وفيات الأمهات ووفيات الأطفال ويؤدي بالتالي الى خفض التكاليف المدرسية وتحسين نوعية التعليم، كما إن الاستثمار الحقيقي لرأس المال البشري سيقود الى نمو اقتصادي وتنمية مستدامة.

من جانبها توصي سميم بضرورة تشجيع النساء على الانخراط في مجالات عمل كثيرة من خلال الدورات التطويرية والتعليم المهني لتصبح ضمن  الكوادر الوسطى المجتمعية في خطط التنمية الاقتصادية

لتصبح حلقة الوصل بين طبقة التقنية التكنوقراط و الطبقة  العمالية الادنى ، كما كان الحال خلال فترة الثمانيات حيث كانت النساء تعمل في المصارف والشركات والمعامل و ساهمت في تطور الحركة الاقتصادية

فالكثير منهن قد اكملن دراستهن  في المجال التجاري والصناعي وتسلحن بالمعلومات والمهارات اللازمة التي اهلتهن للانخراط في مجالات العمل التي اشرنا اليها.

واكدت سميم على ضرورة وجود  ارادة وطنية وخطة فاعلة  تسهم بإدماج  النساء اقتصاديا في  جميع الانشطة والفعاليات ضمن حلقات الاقتصاد والاستفادة  القصوى من قدراتهن وخبراتهن ومهاراتهن حيث ستتوجه النساء الى العمل والانتاج وبالتالي ستتحجم ظاهرة تأنيث الفقر وتقل الفجوة بين الجنسين  في سوق العمل.

وكانت وزارة التخطيط، قد اعلنت  في شهر تموز 2023  أن عدد سكان العراق وصل إلى 41 مليون نسمة، واشارت إلى أن العراق سيدخل مرحلة “الهِبَة الديمغرافية” التي يكون فيها المواطنون النشطون اقتصادياً أكثر من 60 بالمئة من شرائح السكان, واشارت الوزارة الى  تراجع في معدل الخصوبة من (٣.٦٦) عام ٢٠١٨، الى (٣.٣) مولود للمرأة بعمر (١٥-٤٩) خلال عام ٢٠٢٢.

Exit mobile version