ثقافة التَّحمل

المنار / دبي/سفانة العاشور
هُنالك العديد من الثقافات وَ الأفكار التي تُحملها لَنا البيئة التي ننشأ بها،بالإضافة الى العائلة التي نَنتَمي لَها،وَ تلعب الأمهات تَحديداً دورًا كبيرًا في توريث الأفكار وَالثقافات الى أبنائها عبر السنين.
أغلبنا يُحمل نفسه ما لا يُطاق،مُتخيلًا أنه سَينجح بالوصول الى مناجم القوة التي يظن أنها تَستقر في أصغر ذَرة من أعماق روحه وَ التي لم يكتشفها بَعد،حتى تمادَينا في ذلك ، وَ كأننا أقسمنا على أنفسنا أن لا نتوقف عن هذه الثقافة لآخر قطرة قوة تستقر في قعر أرواحنا المُنهكة، وَ لا أدري من الذي أقنع تلك الأمهات بأن التّحمل مُرتبط بالمنظومة الأخلاقية وَ سِماتها ،وَ أن من يحتمل ما لا يطاق هو وحده إبن الأصل وَ الفصَل وَ باذخ القِيّم،حتى باتَ أكثرنا مقتنعًا اشد الإقتناع من أنه لو تَحمل ما لا يُطاق فَهو سَيثبت للآخرين أنه ذا خُلق.
أن تكون قويًا فهو لشئ رائع حقًا وَ لكن يَجب أن لا ينتج عن هذه القوة أثرًا سلبيًا تؤذي بِه نفسك،القوة وَ التحمل وَ المثابرة جميعها صفات النّاجحين،وَلكن يمكننا إستخدام القوة بما نحتاج فقط ،دون المزيد منها، لا أنسى مقولة بوب مارلي وَ هو يقول( لن تعرف إلى أي مدى أنت قوي ،حتى تصبح القوة خيارك الوحيد)، ينطبق على القوة ما ينطبق على التَّحمل فَقد يكون التّحمل هو خيارنا الوحيد،وَ المثابرة كذلك، لكن شرط أن لا نُقحم أنفسنا بما لا نطيق،وَ شرط أن لا يَمَس تَحملنا هذا شيئًا من كرامتنا وَ قِيمُ الفضيلة التي نشأنا بها.
لا تَقتَصر طاقة التّحمل على النَّفس البشرية فَقط،بَل حتى الجَّمادات لها طاقة تَحَمُل، لا بد أن نَقِف عندها،حتى تِلك الأبنية التي عَمَدَ لبنائها المهندسون،لو حملوا أساساتها الخرسانية فوق ما تطيق فَستهدم،وَ لن تبقى شامخة كما يجب أن تكون،لذا إن أردت أن تبقى شامخًا فلا تحمل نفسك ما لا تُطيق، وَ الأفضل أن نَتوقف عَن هذه الثقافة المُجحفة بِحَق أنفسنا وَ أن نَضع ميزانَا نَزنُ به قابليتنا الحقيقية للتَّحمل دون هَدمِ دواخلنا،بالإضافة الى تَصحيح مفاهيم المنظومة الفكرية في المجتمع حَول من لا يُطيق الظُلم أو المُعاملة السَّيئة أو التَّهميش أو الإساءة أو غيرها من الأشياء التي تؤذي النَّفس البَشرية وَ تُقنِن حقوقها أو أن يُستهزء بتلك الحقوق وَ الحاجات الإنسانية وَ اعتبارها أمرًا عاديًا لا حاجة لنا به.

لُطفًا ،أخبروا الأمهات وَ الجدات أن الأصول وَ أبناء الأصول وَ تقييمهم الأخلاقي وَ السّامي يَجب أن لا يَرتبط بِتحملهِ ما لا يُطاق.

Exit mobile version