عمار الصالح

على مدى سنوات قطعت حمدية جعاز موسى مسافة 10 كلم يوميا عبر نهر الفرات لتقصد دورة تعليم القرآن في قضاء المدينة بمحافظة البصرة (جنوب العراق) بعد أن رشحتها إحدى قريباتها لما وجدت فيها من حب التعلم أثمر عن حفظها للقرآن الكريم رغم بلوغها التسعين عاما.

حمدية التي تستقر مع عائلتها في منطقة الخاص بقضاء المدينة في محافظة البصرة (جنوبي العراق) حققت طموحها بعد ست سنوات من التحاقها بإحدى الدورات التي ينظمها دار القرآن الكريم في البصرة العائد للعتبة الحسينية المقدسة.

طموح يتحقق
“أنا من بداية طفولتي أحببت قراءة القرآن الكريم وأريده أن ينفعني في الدنيا والآخرة” بهذه الكلمات تبدأ الحافظة حمدية حديثها في تعلم قراءة القرآن الذي تجده مكرمة مَنَّ الله بها عليها لتتمكن من حفظه وهي في هذا العمر.

وأضافت للجزيرة نت “لم يمنعني كبر سني واعتلال صحتي من ذلك الحب الذي يسكن قلبي لحفظ القرآن وتدبر آياته والتي تحققت بفضل الله في حفظ كل القرآن الكريم ومعرفة أحكامه وأصول قراءته”.

تجد العراقية -التي لم تكمل دراستها الابتدائية لكنها تجيد القراءة والكتابة- أن العمر لا يقيد الإنسان في تحقيق هدفه بقدر ما يقيده العزم والإصرار في نيل ما يريد، وهي تعتقد أن ما حققته هو توفيق من الله لكنها ترى أن حفظ القرآن ليس بالشيء الصعب خاصة للنساء اللواتي يتعذرن بمشاغل الحياة والعمل.

تقضي الحافظة حمدية أوقات فراغها حاليا بقراءة القرآن الكريم في المنزل وتعليم أفراد أسرتها القراءة الصحيحة، وهي تتطلع أن تتحقق أمنيتها بأداء فريضة الحج.

بيئة مناسبة واهتمام خاص
من جهتها لم تدخر إخلاص قاسم -وهي قريبة الحافظة حمدية ومعلمتها في دار القرآن- جهدا في تدريبها وتعليمها كونها كانت مواظبة على درس القرآن وجادة في حفظه حسبما ذكرت.

وقالت إخلاص قاسم “تعاملت معها بأسلوب خاص كونها امرأة كبيرة في السن ولديها مشكلة في السمع لذلك كنت أمنحها اهتماما خاصا، وفي بعض الأحيان عندما لا تأتي إلى دار القرآن كنت أزورها بالمنزل وأعطيها الواجب لأجل أن تتمكن من حفظه قبل أن تأتي إلى الدورة”.

وبينما تشعر إخلاص بالفخر والاعتزاز بما حققته الحافظة حمدية، ذكرت أن المعلمين في دار القرآن الكريم إذا وجدوا الطالب جادا ومثابرا سواء كان كبيرا أم صغيرا في العمر “سيكون لنا دافع قوي وحافز لتعليمه والاهتمام به”.

حمدية تفتح الأبواب لكبار السن
بالمقابل لم يكن مشرف دار القرآن الكريم في البصرة متحمسا من فكرة وجود متدربة كبيرة في السن خوفا من أن “يؤثر مستواها على الدورة التعليمية وعلى المشاركات”.

وقال الشيخ عادل حاشوش مبارك “بعد فتح الدورة وجدت الحافظة حمدية ضمن المشاركات واعترضت على معلمتها لترشيحها كون عمرها كان 84 عاما ومن الصعب في هذه السن أن تكون مهيأة لدروس حفظ القرآن”.

وأضاف “أبلغت معلمتها في مساعدتها لتتمكن من حفظ ما تيسر من القرآن لكن وجدناها عندما تكلف بواجب تؤديه بصورة جيدة واندفاع، وهذا ما زاد من الاهتمام بها ومنحها الدعم الذي تمكنت بحمد الله من حفظ كامل القرآن الكريم وهي في التسعين عاما”.

لم يقتصر ما حققته الحافظة حمدية من حفظ القرآن الكريم على تكريمها والاحتفاء بها بل فتح الأبواب لاستقبال متدربين كبار في السن للمشاركة في دورات حفظ القرآن وتنظيم دورات أخرى لتعليم القراءة والكتابة للمشاركين الأميين منهم.

Exit mobile version