ناشزات…بين ظلم القانون و المجتمع
عديلة شاهين
حاولت نبأ حسين(٢٣ )عاماً ان تتحكم بتعابير وجهها و ان تخفي انفعالاتها التي ارتسمت على ملامح وجهها المرهق،لكنها لم تنجح بعد ان عاشت ايام مريرة ملؤها الخذلان والحرمان.
تقول”كنت اشعر بألم كبير في اللحظة التي تركت فيها منزل الزوجيةبعد ان تجرعت مرارة الذل و الإهانة من زوجي و اهله في منزل كان معبأ بالخلافات و العنف و الظلم، فطلبت الطلاق لكن زوجي رفض لجأت الى اسرتيلكنهم رفضوا مساندتي ومساعدتيخاصة عندما قررت رفع دعوى خلع،
وتكمل :لم تمض سوى ايام حتى وصلني إنذار الطاعة من زوجي ولان التفكير في العودة الى منزل الزوجية كان مستحيلا بالنسبة لي، رفضت الامتثال للطاعة، لاصبح”ناشز” بحكم القانون،و بعد عامين من المعاناةدون نفقةواكتساب الحكم درجة البتات حصلت على الطلاق.
لم تنته معاناة نبأ بعد الطلاق لتبدأ معاناة اخرى بعد ان تخلى عنها الجميع “كان التشرد والعوز ثمن التحرر من العبودية والعنف” كما تقول.
تتشابه قصة نبأ واخريات في الظروف والتداعيات المرتبطة بدعاوى المطاوعة و النشوز فالظروف الاجتماعية وضغوطاتها هي ذاتها تتحكم بمصيرهن في وقت تبحث فيه النساء عن العدالة الاجتماعية ولكن دون جدوى.
وقد اشارت الاحصائيات الرسمية لمجلس القضاء الأعلى العراقي الى ان عدد حالات التفريق بحكم قضائي لشهر كانون الثاني للعام الحالي 2023 بلغت( ١٤٢٨)من ضمنها حالات التفريق بسبب النشوز،كما اكدت جمعية نساء بغداد اننسبة حالات النشوز التي رصدتها خلال عملها وصلت الى٤٠٪ سنوياً قياساً بالقضايا الأخرى التي تخص المرأة على مستوى محافظة بغداد فقط.
نشوز بحكم القانون
يبين المحامي محمد عباس خزعل:ان النشوز يتعلق بالمرأة إذا خرجت عن طاعة زوجها ، ويعتبر النشوز نقيضاًللطاعة، ولهذا فإن أثر النشوز لا يظهر إلا من المرأة لأنها بحكم عقد الزواج مكلفة بطاعة زوجها، ومن هنا نظر المشرع القانوني لهذا الاعتبار عند تقنين دعوى الطاعة الزوجية، فترتب الأثر المباشر على عدم طاعة الزوجة لزوجها أن تكون ناشزًا و عندما يصدر حكم النشوز على الزوجة داخل محاكم الأسرة فانه يحرم الزوجة من حقوقها المترتبة بذمة زوجها ومنها النفقة التي تسقط عنها ايضا في حال عدم اعتراضها على إنذار الطاعة خلال ثلاثين يوما.
و بعد مرور سنتين من تاريخ اكتساب حكم النشوز درجة البتات على المحكمة ان تقضي بالتفريق وفي هذه الحالة يسقط المهر المؤجل , فاذا كانت الزوجة قد قبضت جميع المهر الزمت برد نصف ماقبضت و للزوج طلب التفريق بعد اكتساب حكم النشوز درجة البتات وعلى المحكمة ان تقضي بالتفريق وتلزم الزوجة برد ماقبضته من مهرها المعجل كما يسقط مهرها المؤجل اذا كان التفريق قبل الدخول اما اذا كان التفريق بعد الدخول فيسقط المؤجل وتلزم الزوجة برد نصف ماقبضته اذا كانت قد قبضت جميع المهر ،بحسب خزعل.
ويضيف: إذا عادت الزوجة الناشز إلى منزل الزوجية ودخلت في طاعة زوجها عاد حقها بالنفقة ولكن لا يعود ما سقط عنها خلال مدة نشوزها كنوع من العقوبة وعليه فالمرأة الناشز تسقط نفقتها يوماً بيوم وتبقى محتفظة بحقوقها الأخرى .
ويشير خزعل الى ان الكثير من الأحكام في سجلات المحاكم تشكل شبحاً مرعبا لأي فتاة أجبرت على رجل تستحيل عشرته في الوقت الذي يمكن له أن يتزوج وينجب مع بقائها محبوسة في ذمته بلا أي نفقه،لقد تحولت دعاوى إنذار الطاعة إلى ورقة إرهاب يستخدمها الزوج ضد الزوجة لإثنائها عن دعاوى الطلاق والخلع والنفقة التي تقيمها ضده، وكذلك لإطالة المدة الزمنية للدعاوى في المحاكم.
تحايل غير قانوني
قد يلجأ بعض الأزواج الى التحايل على القانون من خلال التحريات المغلوطة و شهود الزور و بيت طاعة لا تنطبق عليه الشروط القانونية وبعضهم يلجأ الى عمل عقد إيجار مزور خلال فترة الدعوى فقط ، ناهيك عن موضوع رشوة بعض اللجان التي تكشف على بيت الطاعة لإذلال الزوجة و دفعها لرفض الطاعة كي تصل الى النشوز لتطليقها من زوج ترفض معاشرته بعد ان تفقد حقوقها و ينتهي بها المطاف الى الخلع او الجوع او السجن داخل بيت الطاعة،كما تقول المحامية و الناشطة النسوية نادية سعد تايه من جمعية نساء بغداد، في اشارة منها الى اسلوب التحايل على القانون الذي يستخدمه بعض الازواج للضغط على زوجاتهم.
بيت الطاعة يفاقم المشكلة
بحسب ناشطات حقوقيات فان نشوز الزوجة يعتبر اتهاما جاهزا عند كل زوج متسلط للتهرب من دفع تكاليف النفقة بعد الطلاق ويصعب على النساء اللواتي يعتبرن بحكم القانون “ناشزات” تغيير اوضاعهن بسبب الوصمة الاجتماعية و التنميط الجندري، فيعشن بذلك ظروفا قاهرة وقاسية بين ظلم المجتمع والقانون على حد سواء،الناشطةالنسوية امل كباشي من جمعية الامل العراقية ترى بان “بيت الطاعة الشرعي” لا يمكن ان يكون مجرد جدرانو اثاث بقدر ما هو مكان يبث المحبة و الدفيء و الأمان،وتنتقد الناشطة النسوية نادية سعد تايه، الزوج الذي يعيش مع زوجة لا تريد العيش معه متمسكا ب“بيت الطاعة” وهو يعلم ان هذا الاجبار لا يزيد سوى الكراهية وتفاقم الرغبة في الانتقام مما يضاعف حجم المشاكلالتي تثقل كاهل النساء بشكل خاص.
وصمة عار
اغلب أفراد المجتمع ينظرون الى المرأة الناشز نظرة قاصرة دونية جعلت بعض الزوجات مستعدات لتحمل المعاناة والظلم كي لا يقال عنهن “ناشزات”وتحمل كباشيالمجتمع مسؤولية ضعف الثقافة الحقوقية للمرأة بسبب عادات خاطئة متوارثة، و تعتقد ان النظام القانوني يسهم بتكريسالنظام الابوي والقيم الذكوريةالتي تتعارض مع حقوق المراة في اختيار الشريك و تحديد مسارات الحياة وغالبا ما تدفع المرأةالثمن، و تتساءل كباشي”كيف سيكون الثمن اذا رفضت الزوجة طاعة الزوج؟.
اصلاح وتوعية
تقع الناشز بين الأحكام الغليظة لعقوبتها و بين حماية حقوق الرجل و هي بمثابةثغرات قانونية يجب أن يتم تفاديها فى مسألة طاعة الزوج، حيث أن الإنذار بالطاعة و النشوز يمثلان سيفا مسلطا على رقاب بعض النساء خاصة في أوساط محدودات الدخل، اللواتي يصعب عليهن اللجوء إلى الخلع، لذا يوصي خزعل بضرورة اصلاح بعض القوانينالتي تظلم الزوجات وتخضعهن لظروف نفسية واجتماعية واقتصادية قاسية، الامر الذي يدعو الى ضرورة تصميم واعداد برامج تتكفلها المنظمات غير الحكومية للإسهام في التخفيف من تلك الظروف التي تعيشها النساء, وكذلك اطلاق حملات مدافعة ومناصرة لتغيير السياسات والقوانين التي تحتاج الى تعديل بما يكفل ويضمن حقوق المرأة في العراق .