رأي نسوي خارج السرب

إضراب المعلمين/ات صرخة حق بوجه الظلم

دعاء الزبيدي

في أرض الحضارات ومهد العلم، يقف المعلم العراقي صامدًا في محراب رسالته النبيلة، يحمل على عاتقه أمانة بناء الأجيال وتنوير العقول. هو السراج الذي يضيء دروب المتعلمين، والقدوة الحسنة التي تغرس بذور المعرفة والقيم في نفوسهم. لكن خلف هذا الدور المحوري والتفاني اللامحدود، تتصاعد صرخات مكتومة تعبر عن معاناة متفاقمة تتجسد في قلة الرواتب وتأخرها، وتجاهل الحقوق المشروعة التي تكفل له حياة كريمة تحفظ كرامته وتصون جهده.
إن الحديث عن المعلم العراقي اليوم هو حديث عن قصة صبر وعزيمة في وجه تحديات جمة. فبالرغم من الأهمية القصوى لدوره في بناء مستقبل البلاد وتقدمها، يجد نفسه يكابد صعوبات معيشية تهدد استقراره النفسي والاجتماعي. فقضية تدني الرواتب أصبحت شبحًا يلاحقه في تفاصيل حياته اليومية، حيث يجد صعوبة بالغة في توفير أبسط الاحتياجات الأساسية لأسرته من غذاء وسكن وعلاج وتعليم للأبناء. هذا الوضع يضطره للبحث عن مصادر دخل إضافية، مما يرهق كاهله ويشتت ذهنه عن مهمته الأساسية .
إن قلة الرواتب ليست مجرد مشكلة اقتصادية عابرة، بل هي قضية تمس صميم كرامة المعلم وحقه في حياة كريمة. كيف يمكن لشخص مؤتمن على أغلى ما نملك – أبنائنا ومستقبلهم – أن يعيش تحت وطأة الضغوط المادية والقلق الدائم بشأن تأمين لقمة العيش؟ إن هذا الوضع يولد شعورًا بالإحباط والتهميش، ويقلل من دافعيته للعطاء والإبداع في عمله، مما ينعكس سلبًا على جودة العملية التعليمية برمتها.
إلى جانب قلة الرواتب، يعاني المعلم العراقي من جملة من المشاكل الأخرى المتعلقة بضمان حقوقه المشروعة. ففي كثير من الأحيان، يفتقر إلى بيئة عمل محفزة وآمنة، ويعاني من نقص في الموارد التعليمية والتجهيزات اللازمة لأداء مهامه بكفاءة. كما يواجه تحديات تتعلق بالتطوير المهني والتدريب المستمر، الذي يعتبر ضروريًا لمواكبة التطورات الحديثة في مجال التعليم. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يغيب التقدير المعنوي لدوره وجهوده، مما يزيد من شعوره بالإهمال وعدم الاكتراث.
إن ضمان حقوق المعلم العراقي ليس مجرد مطلب فئوي، بل هو ضرورة وطنية وأولوية قصوى لبناء عراق مزدهر ومستقبل مشرق. يجب على الحكومة العراقية والمؤسسات المعنية أن تدرك أن الاستثمار الحقيقي يكمن في الإنسان، وأن المعلم هو حجر الزاوية في بناء هذا الإنسان المتعلم والواعي. لذلك، لا بد من اتخاذ خطوات جادة وملموسة لإنصاف المعلم وتوفير البيئة المناسبة له لأداء رسالته السامية.
تتضمن هذه الخطوات ضرورة إقرار زيادات جوهرية في رواتب المعلمين تتناسب مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وتضمن لهم مستوى معيشي لائقًا. كما يجب وضع آليات واضحة وفعالة لضمان صرف الرواتب في مواعيدها المحددة دون تأخير. بالإضافة إلى ذلك، يتعين توفير التأمين الصحي والاجتماعي للمعلمين وعائلاتهم، وتوفير فرص التطوير المهني والتدريب المستمر لرفع كفاءتهم وقدراتهم.
إن توفير بيئة عمل آمنة ومحفزة للمعلمين، وتزويدهم بالموارد التعليمية اللازمة، وتقدير جهودهم وتكريمهم بشكل لائق، هي أمور لا تقل أهمية عن الجانب المادي. يجب أن يشعر المعلم بأنه عنصر فاعل ومحترم في المجتمع، وأن جهوده وتضحياته محل تقدير واعتزاز.
وما صرخة المعلم العراقي الاّ صرخة من أجل مستقبل العراق كله ..
إنها دعوة صادقة للالتفات إلى هذه الشريحة الأساسية في المجتمع وإنصافها وتمكينها من أداء دورها الحيوي في بناء الوطن. فلنستمع إلى هذه الصرخة بقلوب واعية وعقول مستنيرة، ولنتكاتف جميعًا من أجل ضمان حقوق المعلم العراقي وتوفير الحياة الكريمة التي يستحقها، لأنه ببساطة، لا يمكن بناء أمة عظيمة دون معلم مُكَرَّم.

زر الذهاب إلى الأعلى