شهد العراق مؤخرا تأسيس فرق نسوية لإزالة الألغام والمخلفات الحربية؛ من بينها فريق في مدينة الموصل (شمال) وآخر في مدينة البصرة (جنوب)، في مبادرة تعد فريدة من نوعها في البلاد.
ورغم خطورة المهمة التي تضطلع بها هؤلاء النسوة، والمتمثلة في إزالة المتفجرات لم تكن هذه العقبة الوحيدة أمامهم؛ لكن رفض المجتمع قيام المرأة بمثل هذه المهام كان تحديا آخر.
الفريق النسوي في الموصل جاء بمبادرة مدعومة من هولندا، حيث اجتاز أعضاء الفريق الدورة التدريبية الخاصة بإزالة الألغام.
دور المرأة
وعن فريق إزالة الألغام في الموصل، يقول مدير برنامج العراق في “المؤسسة السويسرية لشؤون الألغام” (FSD)، بيتر سميثر، إن السيدات عضوات الفريق متفانيات لعملهن، ويعملن في إزالة الألغام والطبابة، وقائدات فرق، وتحديد المناطق الخطرة والتوعية بالإضافة إلى الأدوار الداعمة مثل مساعد عمليات.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشاد سميثر بدور الفريق النسوي، مشيرا إلى أنه قام بتطهير مساحات كبيرة من الأراضي، التي كانت ملوثة سابقا وغير صالحة للاستخدام من السكان، وباتت هذه الأراضي اليوم تُستخدم للزراعة، ويمكن للسكان المحليين الآن أن يعيشوا حياتهم بدون خوف من الموت أو الإصابة من الذخائر المتفجرة.
من جانبه، يقول مدير إدارة شركة عين الصقر المتخصصة بإزالة الألغام في كركوك قصي السعيدي إن شركات العمل بمجال إزالة الألغام تحاول المساواة بين الجنسين باعتباره أحد أهداف التنمية المستدامة.
وينوه للجزيرة نت بأن المجتمع الشرقي يقلل من الثقة بالمرأة وأدائها للعمل بصورة جيدة في مجال الألغام والمجالات الأخرى.
ويتابع السعدي أن النساء دخلن هذا المجال عن طريق التوعية والمسح التقني والاتصال المجتمعي، وكانت تجربة ناجحة بالتعاقد مع مكتب الأمم المتحدة لشؤون الألغام، وشاركت المرأة بأعمال كبيرة في الموصل.
ويشدد خبير الألغام على أهمية التنوع ووجود العنصر النسوي في مجال التوعية بالألغام؛ لأن ساعات العمل صباحية، وعادة تكون فقط النساء في المنازل، فتكون التوعية والتثقيف عن طريق النساء.
تحديات ومخاطر
العمل في مجال إزالة الألغام خطير جدا، وهناك تحديات تواجهها المرأة في هذا المجال حيث إن المجتمع يقلل من قدرة المرأة على العمل في نزع الألغام والمخلفات الحربية، كما تقول جنان عبد الرزاق سلطان العاملة في إحدى شركات إزالة الألغام.
وتضيف للجزيرة نت، أنها بدأت العمل في مجال الألغام سنة 2006، وما زالت مستمرة في العمل بهذا المجال مع العديد من المنظمات والشركات المعنية.
وتشير إلى أن المجتمع أخذ مع مرور الوقت يتقبل نوعا ما عمل المرأة في هذا المجال، وذلك مع تزايد أعداد النساء اللواتي اقتحمن هذا المجال.
وتصف العمل في هذا المجال بمثابة مواجهة مباشرة مع الموت؛ لأن الألغام لا تقبل أي خطأ، ولا تعطي فرصة ثانية.
ويؤيد ذلك إسماعيل أحمد سعيد، المدير الوطني لعمليات منظمة المؤسسة السويسرية لشؤون الألغام، مؤكدا أن إزالة الألغام تعتبر واحدة من أخطر 10 أعمال في العالم.
ويوضح للجزيرة نت بأن عمليات إزالة الألغام ليست سهلة؛ لأنها تكون مدفونة وتقنيتها غير معروفة؛ مما يتطلب خبرات وقدرات لإنجاز هذا العمل.
ويتحدث عن مخاطر أخرى غير مباشرة بسبب الظروف المناخية الصعبة في العراق؛ مما يعرض العاملين لضربات الشمس وحروق البشرة وجفاف العيون في فصل الصيف، رغم وجود تدابير لتقليل تلك المخاطر.
دوافع إنسانية
وترى سلطان أن الذي يدفع المرأة للعمل في هكذا مجال، هو الإنسانية أولا؛ لأن المرأة نصف المجتمع، وهي ترى حالات الوفاة والبتر المؤدي إلى الإعاقة، وهذا يحفز مشاعرها الإنسانية، ويدفعها للمساهمة في التخلص من هذه المشكلة.
فيما يعتقد سعيد بأن حاجة المرأة إلى مورد مالي يدفعها للعمل في هذا المجال، فهي إما المعيل الوحيد للعائلة بسبب وفاة زوجها، أو أنها تريد زيادة الدخل الأسري وإثبات ذاتها، وهذا مهم لبناء شخصيتها، وحتى تكون لها مشاركة في الحياة.
ويروي قصة لإحدى العاملات، وهي في 28 من عمرها، مطلقة ومسؤولة عن طفلة لا تتجاوز 4 سنوات، وتعرض منزلها للقصف أثناء العمليات العسكرية؛ مما أدى لوفاة والدها المعيل الوحيد لأسرتها، وهنا لم تجد سوى خيار واحد، وهو البحث عن العمل، لإعالة أسرتها المكونة من طفلتها وأخيها المعاق ووالدتها المسنة.
واضطرت للعمل في مجالات عديدة بأجور منخفضة حتى حالفها الحظ، وحصلت على فرصة عمل في مجال إزالة الألغام لتوفير دخل جيد لأسرتها.
مشكلة الألغام
بدوره، رحب قائمقام الموصل، زهير الأعرجي، بأي جهد لمكافحة الألغام سواء كان من الفريق النسوي أو المنظمات الدولية والمحلية الأخرى، مؤكدا أن الجهات الحكومية المختصة تواصل عملها الميداني لرفع الألغام.
ويبيّن للجزيرة نت وجود الكثير من المخلفات الحربية، ومنها الألغام المزروعة في مناطق حول مدينة الموصل، وفي الأراضي الزراعية والأقضية والنواحي، ولم يجرِ مسحا ميدانيا شاملا سوى على المناطق سالكة الطريق والقريبة.
ويكشف عن حصول أكثر من 10 حالات تعرض فيها المدنيون لانفجار هذه المخلفات في مناطق متفرقة في الموصل، ما أدى إلى خسائر بشرية ومادية.
من جانبه، يقول العميد الحقوقي حسام خليل، مدير دفاع مدني نينوى والمشرف العام على شعبة معالجة القنابل غير المنفلقة، أن حجم المخلفات الحربية في نينوى كبير جدا، ولا توجد هناك إحصائية دقيقة لهذه المخلفات.
ويتحدث خليل للجزيرة نت عن خسائر بشرية، ومادية كبيرة، وخسائر اقتصادية متمثلة بعدم استصلاح الأراضي الزراعية نتيجة لتلك المخلفات.
وقد نفّذ الدفاع المدني -وفق خليل- 755 واجبا، وتم معالجة ورفع أكثر من 8590 مخلفا حربيا، و33 قنبلة طائرة مختلفة الأحجام.
ويشيد خليل بالدعم، الذي تقدمه دائرة شؤون الألغام في وزارة الصحة والبيئة، والمنظمات الطوعية معتبرا أن أي جهد يضاف إلى الجهد الموجود حاليا هو إيجابي للإسراع في التخلص من المخلفات الحربية وديمومة الحياة في تلك المناطق.
فريق في البصرة
وفي جنوب العراق وتحديدا في البصرة، تشكل مؤخرا أول فريق إزالة ألغام نسائي من 14 امرأة بدعم من شركة محلية تعمل في إزالة الألغام.
وتم تدريب أعضاء الفريق على مدار 40 يوما، مع تزويده بالأدوات والمعرفة حول كيفية العثور على أنواع مختلفة من الألغام وإزالتها بأمان.
وتقول إحدى عضوات الفريق، هند علي، إن أهلها والمجتمع لا يتقبلان عمل النساء في هذا المجال.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة البرق لإزالة الألغام، وليد الفارس، إن دوافع الانضمام للفريق متنوعة، فبينما يبحث البعض عن فرص عمل، والبعض الآخر مدفوع بأهداف إنسانية، بينما اعتبر البعض المهمة بمثابة تحد شخصي.
على مدى السنوات الماضية، قتلت الألغام وجرحت عشرات العراقيين في شرق وغرب المدينة، وفي البصرة، ما زالت آلاف الكيلومترات مليئة بالألغام، نتيجة الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج.