منذ سنوات عديدة يُنتِج ويصدّر العراق النفط بكميات تجلب موارد خيالية للمجتمع، بينما اهاليه يزدادون فقراً وعازةً، ويقتتلون فيما بينهم، ويستعبدون النساء، ويتسابقون بطروحات متطرفة معادية للمرأة لا يتحملها العقل ولا المنطق الحديث. وعندما يكون نصيبنا نحن الفقر والاضطهاد كنساء ومجتمع، فان ذلك يعني ان ثرواتنا ورفاهنا يتم الاستيلاء عليها من قبل آخرين ممن يكوّمون الكنوروالثراء ويبنون القصور فوق جماجم ضحايانا ويتلذذون بسماع نحيب اليتيمات والثكالى والمغتصبات والمشرّدات. وهل توجد هناك طريقةٌ أفضل لتدمير المجتمع العراقي؟ ان سحق المرأة وتحولها الى بضاعة وتحقيرها هي أكبر ضربة للمجتمع وذلك باستهداف المراة والتي على يدها يتم الحفاظ على لُحمة المجتمع بعوائله واطفاله ومسنيه ورجاله. عندما تَستهدف امرأة وتقضي عليها تكون قد قضيت على عائلة بأكملها وخلقتِ افراداً مشرّدين ومن دون أسرة ولا مرجع يتكئون عليه.
وهل هو من قبيل الصدفة ان تقوم قوات الاحتلال بتسليم مفاتيح العراق لدواعش الداخل والخارج وان تطلق يد رجال الدين وشيوخ العشائر في بث سمومهم في كراهية المرأة وفي تدمير المجتمع؟ ليس ذلك صدفةً بل حاجةً لكل من خطط حصل على حصة من ثرواتنا ونفطنا، وسلب من المجتمع انسانيته وطلب منه اضطهاد المراة والتعامل معها كشيطان رجيم او كغنائم حرب او سبايا العدو.
عانت المرأة ما عانته من جرائم ابادة نسوية في ظل داعش، وكذلك تحت رحمة الميليشيات الاسلامية والبطش العشائري، ولعل اقسى ما تعانيه المراة في العراق خلال هذه الفترة هو ما يحصل في المنطقة الغربية ما بين بيجي وتكريت وتلعفر والحويجة والموصل، حيث ان تحرُّر المدن من داعش لم يجلب الحرية للمرأة، بل هي تمر بفاصل جديد من الرعب والمطاردة من قبل عشائرها التي تريد اثبات ’رجولتها‘ بقتل النساء اللواتي انتهكتهن الدواعش، وذلك بعد ان فشلوا في حمايتهن اثناء الضعف والتقهقر.
ان قضية المرأة العراقية ليست قضيتها هي بوحدها، بل هي قضية مجتمع بأكمله إستلبت انسانيته وقام بالتنكيل بالنساء كمحاولة لا يمكن تفسيرها سوى بكراهية الذات. عندما يتحول آلاف الاطفال الى يتامى، وينكسر آلاف الرجال لمرأى جئة الزوجة او الاخت الضحية، ويتحطم المسنّون لفقدانهم أحب الاشخاص اليهم، ويتحول المجتمع الى مجتمع جريح لا يستطيع النهضة او النظر الى قضاياه الملحة؛ من هو المستفيد من ذلك غير المنقضين على ثرواتنا لنهبها، مغتنمين فرصة تمزّق النسيج الاجتماعي وتقسيم المجتمع على أساس جندري وقومي وطائفي وديني.
ولقد تخلل اشهر عامنا الماضي رعبٌ من نوع جديد، الا وهو رعب الانقسام القومي، اذ اختار شيخ برجوازية اربيل ان يُغامر بادعاء استقلال كردستان، وبالطبع تحت مشيخته وسيطرته هو وعشيرته، مما اضرم النار وتسبّب بانشقاقات اخذت مديات في العنف والاستفزاز مما لم يتوقعه احد. لم يكن ينقص المجتمع خلق جبهة جديدة تمتد على نصف العراق، وتحوّل العشرات من مجتمعاته الى ضحايا و’أقليات‘ لكونهم يتحدثون لغات اخرى او ينتمون الى اديان وقوميات أصغر حجماً وأقل سيطرة. وبالرغم من كون الاستقلال وحق تقرير المصير حقاً شرعياً ومعترفاً به في كثير من الحالات، بيد ان هذه الحالة كانت تعبيرا عن مطامع برزانية بمشيخة وثروات لا يُحاسب عليها. ولقد انسحبت القوات الامنية (الاسايش) من كركوك مع معداتها وغنائمها واخذت معها عنوةً عدداً كبيراً من السجناء والسجينات النساء ممن تم القبض عليهن بجريرة ازواجهن الهاربين، ولم تكن حكومة بغداد افضل من ذلك بكثير عند التلاعب بمصير ملايين من الجماهير في كردستان بتأخير الدعم المالي والرواتب المطوبة من خزينة الدولة، فارضةً الفقر والمعاناة على الملايين من العراقيين.
لعل اكثر ما هو اشراقاً خلال عامنا هذا هو نهضة المقاومة النسوية في العراق والعالم اجمع: بالضد من التعديلات الجعفرية لقانون الاحوال الشخصية، وبالضد من انتخاب الرئيس الامريكي المعادي للنساء، وبالضد من التحرش الجنسي وبحملة عالمية تحت تسمية ’انا ايضاً‘، وبالضد من الهجمة الداعشية التركية في عفرين من قبل المقاتلات التحرريات. نحن في منظمة حرية المراة نقف وقفة اعتراض ومقاومة نسوية بالضد من كل تجاوزات المؤسسة العشائرية والدينية الاسلامية بالضد من المراة وندعو نساء العراق للنضال دفاعاً عن انفسهن ومجتمعهن وثرواتهن، علماً منا بان بدء القتال يكون في ساحات الحقوق المدنية والعلمانية والنسوية، الا ان النضال يستمر لاستعادة ثروات المجتمع وجعلها للعراقيين وليس للمستعمرين المخفيين وراء الكواليس ولا لممثليهم من الجالسين في المنطقة الخضراء.
عاشت حرية المراة ومساواتها بالرجل
عاش الثامن من مارس رمزا لنضالات المراة
ينار محمد
منظمة حرية المراة في العراق 6 آذار 2018