تواجه الغجريات في العراق تحديات متعددة ومعقدة تجعل حياتهن محفوفة بالصعاب والمعاناة، وبالإضافة إلى التمييز المجتمعي والعنصرية التي تعاني منها هذه الأقلية بشكل عام، تجد النساء الغجريات أنفسهن في طليعة المتضررين من هذه الظاهرة، حيث يواجهن أشكالاً مضاعفة من التهميش والانتهاكات بسبب جنسهن وهويتهن العرقية”العقوبات الاجتماعية”ضدهن فاحشة ومستمرة.
تعيش الغالبية العظمى من الغجر في العراق في تجمعات سكنية مهمشة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، مثل الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم. وتنعكس هذه الظروف بشكل خاص على النساء، اللواتي غالباً ما يتحملن مسؤولية إدارة شؤون الأسرة وتربية الأطفال في ظل هذه الظروف القاسية، وتزيد الأمية والبطالة المنتشرة في صفوف الغجر من حدة المعاناة الاقتصادية للنساء، حيث تقل فرص حصولهن على عمل لائق، ويضطررن في كثير من الأحيان إلى ممارسة أعمال هامشية أو التسول لإعالة أسرهن. كما أن العادات والتقاليد الاجتماعية قد تحد من حرية حركتهن وفرص حصولهن على التعليم والتدريب المهني.
أن الصورة النمطية السلبية المنتشرة عن الغجر في المجتمع العراقي، والتي تربطهم بالفقر والجريمة والأعمال غير الأخلاقية، تزيد من وصمهن وتعيق اندماجهن في المجتمع. وتتحمل النساء الغجريات عبئاً إضافياً من هذه الصورة النمطية، حيث يتعرضن للتحرش والمضايقات بسبب جنسهن وهويتهن حيث تتعرض العديد من النساء الغجريات للعنف المنزلي والزوجي، ولا يجدن في كثير من الأحيان الحماية أو الدعم اللازمين و لا يزال الزواج المبكر منتشراً في بعض التجمعات الغجرية، مما يحرم الفتيات من حقهن في التعليم والطفولة ويجعلهن عرضة لمخاطر صحية واجتماعية كما تواجه الفتيات الغجريات عقبات إضافية في الحصول على التعليم بسبب الفقر والعادات الاجتماعية ونقص المدارس في مناطق تواجدهن.
وتبقى المشكلة الاكبر في حياة مجتمع الغجر في العراق بشكل عام والغجريات بشكل خاص هو ذكر “الغجري” في خانة اللقلب في البطاقة الوطنية وتثبيتها في القيد المدني لدى وزارة الداخلية،مما اثر بشكل كبير على انخراطهن في المجتمع والحصول على فرص عمل كريمة سواء في القطاعين العام والخاص حيث تجعل هذه “الكلمة” هوية المرأة الغجرية ظاهرة وواضحة لأي جهة تقوم بفحص هذه الوثائق، سواء كانت جهة حكومية أو خاصة. هذا يجعلها عرضة للتمييز المباشر بمجرد الكشف عن هويتها مما يفرز لدى الكثير من أفراد المجتمع ، بما في ذلك أصحاب العمل، صور نمطية سلبية عن الغجر تربطهم بالجريمة أو الأعمال غير المرغوبة ويجعل صاحب العمل أقل رغبة في توظيف هذه المرأة، خوفاً من “وصمة العار” أو تصورات غير صحيحة عن قدراتها أو سلوكها ولذلك نجد في اغلب الحالات، وبمجرد رؤية كلمة “غجري” في طلب التوظيف أو أثناء المقابلة الشخصية رفض الطلب بشكل تلقائي دون النظر في مؤهلات المرأة وخبراتها، و من غير المعقول ان تتحول الوثائق الرسمية لمواطنة عراقية بسبب عرقها الى اداة ترسخ النظرة الدونية تجاهها وتحرمها من حقها الدستوري في العمل وحقها الدستوري الاسمى “حق العيش بكرامة”.
ولهذا نجد بعض النساء الغجريات يحاولن اخفاء هويتهن عند التقدم للوظائف، ولكن وجودها في الوثائق الرسمية يجعل هذا الأمر صعباً أو مستحيلاً عند طلب تقديم هذه الوثائق التي تسبب استمرار تهميش هذه الفئة وتمنعها من الاندماج الكامل في المجتمع، و نتيجة لذلك تضطر النساء الغجريات إلى الاعتماد على أعمال هامشية أو غير مستقرة،واغلبها في التسول، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال والفقر، وتتمحور المشكلة باكملها عند ذكر كلمة “غجري” في الوثائق الرسمية العراقية كونها تمثل وصمة اجتماعية تعزز التمييز، وتعيق تجاوز الصور النمطية السلبية، وتحد من قدرة الغجريات على المنافسة في سوق العمل بشكل عادل، مما يساهم في استمرار معاناتهن وتهميشهن الاقتصادي والاجتماعي.
لذلك وبمناسبة اليوم العالمي للغجر والذي يصادف (9) نيسان من كل عام ندعو مجلس النواب العراقي لمعالجة هذه القضية من خلال تتعديل قانون الجنسية العراقي رقم (26) لسنة 2006 واصدار قرارات الى وزارة الداخلية بما يسمح برفع كل المصطلحات التمييزية والعنصرية ضد الغجر واقرار قانون حماية الاقليات العراقية .
ونجدد دعوتنا الى الحكومة العراقية بضرورة توفير الخدمات الأساسية للمناطق التي يقطنها الغجر و تحسين الظروف المعيشية في هذه المناطق وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل و مكافحة الصور النمطية السلبيةمن خلال حملات توعية تهدف إلى تغيير النظرة المجتمعية السلبية تجاه الغجر وتسليط الضوء على ثقافتهم وإسهاماتهم.
وايضا نجدد دعوتنا الى منظمات المجتمع المدني الدولية والوطنية الى ضرورة تنفيذ برامج تمكين النساء الغجريات والدفاع عن حقوقهن و إتاحة الفرصة لهن للمشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهن ومستقبلهن، إن تحقيق العدالة والمساواة للنساء الغجريات في العراق ليس مجرد واجب إنساني، بل هو ضرورة لبناء مجتمع متماسك يحترم حقوق جميع مكوناته.