تسكن نور حسن في منطقة تقع ضمن العشوائيات في جنوب مدينة السماوة بمحافظة المثنى. تم تزويجها تعيش في سن مكبر جراء الفقر وعدم قدرة عائلتها على الإعالة واكمال التعليم، مما وضعها داخل حياة أسرية وليست لا زالت شابة. توقفت نور وهي الشقيقة الاصغر بين ثلاث شقيقات، في مرحلة الرابع الاعدادي عن الدراسة، وذلك نتيجة عدم اجتيازها أكثر من مادة مدرسية، قررت ترك الدراسة، خاصة ان عائلتها لم تكن قادرة على توفير الكسوة المدرسية ودخولها الدروس الخصوصية لتقوية ادائها الامتحاني.
عائلة نور محدودة الدخل، يعمل الوالد أعمال يومية ككاسب روق ويحصل على مدخولا أسبوعيا، بينما الأم هي ربة بيت ولا تعمل. حين بلغت نور 16 سنة من العمر، تقدمت امرأة لخطبتها لأبنها الشاب الذي يكبرها بسبع سنوات. وقد وافقت نور على الزواج وأرادت بذلك الهروب من حالة الفقر التي تعاني منها أسرتها، انما وجدت نفسها داخل بيئة اجتماعية أخرى زادت من معاناتها ومسؤولياتها دون فهم شيئ مما هي فيه.
بدأن الصدمة الأولى بعد 20 يوما من زواجها، حيث واجهت نور الشتم والسب اعتراضا على ما تقوم به من اعمالا منزلية لا تعجب والدة الزوج. وكانت تصفها بحسب قولها بــ”الطفلة الجاهلة”، ناهيك يحالة الفقر والحرمان التي عاشتها نور مع بيت اهل زوجها أيضاً.
كان يعمل زوج نور اجيرا يوميا في احدى المؤسسات الخدمية بمبلغ لا يزيد عن 5 الاف دينار. واشتدت المشاكل الاسرية وعاشت الفقر الشديد مجددا، خاصة بعدما انتقلت من بيت اهل الزوج لتسكن منزلا مؤجرا بغرفة واحدة. وتأكد لنور بعد ذلك بأن حلمها بالرفاهية تحطم.
سكنت نور برفقة زوجها وابنها الاول الذي انجبته وهي بعمر 17 سنة، وعاشت اياما عصيبة ومع ضنكة العيش ومشاكل العمل. اصبح زوجها يعاني التوتر العصبي حتى انه يفرغ طاقته العصبية بالضرب والشتيمة عليها بمجرد عودته من عمله للبيت. على رغم الفقر والحرمان، انجبت خمسة أطفال، يعيشون جميعهم اليوم على اعانة اجتماعية شهرية يستلمها الزوج من دائرة الرعاية الاجتماعية المخصصة لشريحة الفقراء العاطلين عن العمل. “وما ان يستلمها حتى يسرع الى اداء ديونه الشهرية” كما تقول. تأقلمت نور مع وضعها العائلي، لكنها تحاول جاهدة تعليم اطفالها وعدم تزويجهم مبكرا في المستقبل. تعمل من أجل حصول أطفالها على التعليم كي لا يعيشون ما تعيشه هي اليوم.
يدرس أربع من اطفالها في المراحل الابتدائية، انما تواجه مشكلات من نوع آخر من ناحية التعليم وذلك بسبب عدم القدرة على تلبية متطلبات الصغار المدرسية والشخصية. ذات يوم لم يتمكن طفلها الاصغر من حلاقة شعر رأسه وعلى اثره واجهه ضغطا نفسيا وقرر عدم الذهاب الى المدرسة لأيام، لانه لم يمتثل لأمر ادارة المدرسة من ناحية النظافة وحلاقة الرأس ولبس الملابس النظيفه. كان علي، ابن نور الاصغر في الصف الاول ابتدائي، يظن ان الملابس النظيفة هي الجديدة، ولأن اباه لم يمتلك المال الكافي لشراء الملابس وحلاقة رأسه، قرر ترك الدراسة بعد شهر من التحاقه بمقاعد التعليم. وقد أحزن هذا الأمر نور وسبب لها مشكلة نفسية، الا انها على اصرار لعودة ابنها بالعام الدراسي الجديد لمقاعد الدراسة.
المجتمع
تقول نشوة نعيم كاتبة وناشطة مدنية تقول بهذا الخصوص، “مجتمعاتنا تشجع على تزويج الفتاة القاصر وعندما يفشل زواجها يتم القاء اللوم عليها. يلوم مجتمعنا الضحية لا الجاني، تُلام الفتاة لا الزوج أو أولياء الأمور الذين زوجوها قسراً. غالباً حين ينفصل الزوجان، تعاني المطلقة الصغيرة من أحكام مجتمعية ونظرات تدمر حياتها وتعيش تحت القيود، بالإضافة إلى انعدام الفرصة في زواج صحي وجيد في المستقبل”. وتؤكد الناشطة على ان القليل من الفتيات التي تم تزويجهن في سن مبكر، استطعن مواصلة الحياة وإكمال التعليم والحصول على وظيفة، ولم يبق أمام الغالبية منهم مستقبل واضح واصبحن نساء بلا حقوق.
عواقب تزويج القاصرات
يقول رئيس مركز ذر لتنمية الشباب ماجد ابو كلل :” ظاهرة تزويج القاصرات هي مرتبطة بالعادات والتقاليد الموروثة وغالبا ما تكون في مناطق الارياف”. تزويج القاصرات تنتج عنه مشاكل اسرية واجتماعية كثيرة سيما وان كان الزوجان غير متعلمين وغير واعيين بما هما فيه، وان ادت تلك المشاكل الى الطلاق فسنكون امام مشكلة اكبر وهي طلاق القاصر “.
وحول دور منظمته يضيف أبو كلل، “نحن كمنظمات مدنية ننظم سلسلة من الندوات والتوعية عن ابرز ما يصدر من ظاهرة تزويج القاصرات فضلا عن التوعية القانونية للفتيات من قبل الزواج عن حقوقها وواجباتها”. ويشير الى واجب الحكومة في اتخاذ الاجراءات الكفيلة التي من شأنها وضع حد لتزويج القاصرات مثل توفير الدعم المادي والمعنوي للاسر المستحقة. ويمكن برأيه تقديم مساعدات غذائية او اعانات اجتماعية وتوفير مدارس غير مختلطة في المناطق التي لاترغب باختلاط الجنسين. ومن شأن ذلك ان يوصل الفتاة الى مستوى جيد من التعليم ويمكنها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.
مدراس خاصة للإناث
يؤكد رياض جاسم ال محسن واحد وجهاء عشيرة ال محسن وباحث وناشط اجتماعي على إن أغلب حالات تزويج القاصرات من الأرياف، مشيرا الى ان السبب الرئيسي هو الفقر الاقتصادي، ناهيك بافتقار مناطق الريف الى وجود مدارس تعليم للفتيات. ويشير الى ان الجميع يعلم بأن المناطق الريفية والنائية تشهد قلة المدارس، ما يؤدي الى دمج الجنسين، ولا يرضى الكثير من الاباء بذلك ومن شأن ذلك حرمان الفتاة من التعليم.
“ومن هذا المنبر نطالب نحن وجهاء العشائر توفير بيئة مناسبة للفتيات والنساء من ابنية تعليم ابنية مراكز صحية مع توفير الاعانات الاجتماعية للاباء العاطلين عن العمل، يقول رياض جاسم.
القانون وتنظيم عقود تزويج الفتيات
اكد القاضي المتقاعد من محكمة استئناف المثنى عبد الامير الشمري “إن زيادة اعداد حالات الزواج المبكر وتزويج القاصرات تكون في المناطق الريفية واطراف مركز مدينة السماوة” والسبب ان تلك المناطق يغلبها الطابع العشائري والتمسك بالعادات والتقاليد لمن سبقوهم بتجارب الحياة. ويشير الشمري الى ان قاضي الاحوال الشخصية يأذن بعقود الزواج للفتيات القاصرات في حال وجود ولي امرها وعرضها للتقارير الطبية تثبت اهليتها واستعدادها للحياة الزوجية مع التأكد اذا كانت الزوجة القاصر مجبرة او مكرهة على الزواج وهناك تتخذ اجراءات قانونية مختلفة. في حال تعرض الزوجة للعنف والطلاق يتعامل القانون على ان القاصر لها الاهلية الكاملة لنيلها حقوقها الشرعية لأن كل الحقوق مضمونه بالقانون. علما انه يشترط بتمام أهلية الزواج العقل واكمال ال18 من العمر اما في الحالات المذكورة اعلاه هو اعطاء الاذن بعد البلوغ الشرعي والقابلية البدنية بعد الاثبات بالتقرير الطبي للقاصر سواء ذكرا ام انثى.
عقود الزواج
وفي السياق ذاته يقول الناشط بمجال حقوق الانسان والمحامي حسين الخيكاني، “إن القانون العراقي لن يسمح بتنظيم عقد الزواج من فتاة قد بلغت 14 ودونه اي 14 سنة او اقل، لان ذلك يعد مخالفة قانونية. وهنا الزوج يقبل على الزواج خارج المحكمة وبعد ان يتقدم بطلب تصديقه قانونا في المحاكم تصدق المحكمة العقد مع احالة الزوج الى المحكمة لنيل جزائه قانونياً. اما الفتاة القاصر بعمر 14 زائد يوم، هنا يتم منحها العقد بعد تنظيم كتاب حجة ضرورة قصوى مع احالتها الى التقرير الطبي لبيان مقدرتها العقلية والبدنية للزواج.
يذكر زواج القاصر من عمر 15 الى 17 سنه تتم الموافقة على تنظيم عقد الزواج بالمحكمة بشرط وجود والدها او ولي امرها الشرعي. وبحسب الخيكاني ان القانون العراقي كفل حقوق المتزوجة القاصر كالمتزوجة البالغ ولها الحق بالمطالبة بحقوقها الشرعية امام المحكمة ويتم انصافها على انها بالغ الاهلية وتتمتع بكامل حقوقها .
على رغم جميع التفسيرات القانونية والدينية وقانون الأحوال الشخصية، تدفع الفتيات في المجتمعات التقليدية في العراق ضريبة التزويج القسري، حيث يتم حرمانهن للوهلة الأولى من التعليم. من هنا تصبح شابة في مقتبل عمرها الزوجة والام.