في خطوةٍ وُصفت بأنها ذات بُعد إنساني وحقوقي، وافق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اليوم الخميس 10 نيسان 2025 على استثناء النساء الإيزيديات من شرطَي المعدل والعمر للقبول في الجامعات والدراسات العليا، من خلال منحهن امتيازاً يصل إلى عشر درجات أو أكثر فوق المعدل المطلوب. هذا القرار جاء في سياق استجابة الدولة للظروف الاستثنائية التي مرت بها النساء الإيزيديات بعد نكبة سيطرة تنظيم داعش على مناطق سكنهن، وما خلّفه ذلك من كوارث إنسانية وأضرار اجتماعية ونفسية ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم، لويحمل هذا القرار ابعاد انسانية واجتماعية بعدما تعرضت النساء الإيزيديات لانتهاكات ممنهجة ترقى إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية، من اختطاف واغتصاب واستعباد جنسي ونزوح قسري ،وآلاف الفتيات خرجن من مسار التعليم، وفُقدت أعوامٌ من أعمارهن في صراع لا ذنب لهن فيه ولذلك فان هذا القرار بمثابة محاولة لإعادة دمجهن في الحياة الأكاديمية والمهنية، وتوفير بيئة تعويضية تضمن لهن استعادة ما فُقد من فرص.
وللقرار ايضا ابعاد قانونية ودستورية حيث ينص الدستور العراقي في المادة (14) على أن “العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز”. ويكفل الدستور أيضًا، في المواد (22) و(34)، الحق في التعليم والعمل، والعدالة في توزيع الفرص و من هذا المنطلق،يمكننا القول إن منح استثناءات مبنية على أساس “الضرر الفعلي الواقع” لا يتعارض مع مبدأ المساواة، بل يندرج ضمن ما يُعرف بـ”التمييز الإيجابي”، وهو إجراء مقبول دوليًا ودستوريًا طالما أنه مؤقت، موجّه، ومبرّر بهدف معالجة خلل بنيوي أو عدم عدالة تاريخية،لكنّ التحدي يكمن في ضمان عدم تحوّل هذه الاستثناءات إلى أدوات للمحاباة أو فقدان المعايير الأكاديمية، أو خلق شعور باللاعدالة لدى فئات اجتماعية أخرى لم تنل امتيازًا مشابهًا رغم معاناتها.
وإذا اردنا ان نقيس ابعاد القرار ضمن اطار العدالة الانتقالية، فهو يعتبر خطوة نحو التمكين لا التعويض. لان منح الناجيات فرصة التعليم العالي، تتيح لهن أدوات الفعل والمشاركة وإعادة تشكيل مصيرهن. ومع ذلك، فان العدالة لا تكتمل إلا إذا رافق القرار دعم نفسي واجتماعي داخل المؤسسات الأكاديمية بالاضافة الى برامج تمكين بعد التخرج تضمن تكافؤ الفرص في سوق العمل و “توسيع القرار ليشمل فئات أخرى تضررت من الإرهاب، كالناجيات التركمانيات والشيعيات من تلعفر، أو نساء الموصل وسنجار عامة” وقد وضعت هذه الملاحظة بين قوسي اقتباس للضرورة والاشارة الى وجود فئة من النساء المتضررات بنفس القدر بحاجة الى هكذا قرارات تضيء في نفوسهن الامل .
وبذلك يمكن القول ان قرار السوداني يحمل بُعدًا إيجابيًا واضحًا، وهو يعكس تحوّلاً في طريقة تعاطي الدولة مع الفئات المتضررة من النزاعات. لكنه في الوقت ذاته اختبار لجدية الدولة في ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والانصاف. فالمسألة لا تتوقف عند “رفع درجات” بل تتعلق بإعادة الاعتبار، وتأسيس سياسات شاملة قادرة على معالجة الجراح كما ان التمييز الإيجابي، إذا حُسن استخدامه، لا يُضعف العدالة بل يعززها. لكن إن لم يُحَط بآليات رقابة وتنفيذ عادلة، فإنه قد يفتح الباب أمام تعقيدات جديدة في نسيج مجتمعي هش، يتوق للعدالة لا الامتيازات المؤقتة.
ورغم ان المظهر الخارجي للقرار يبدو إنسانيًا بحتًا إلا أن توقيته يفتح بابًا واسعًا للتساؤل عن وجود حسابات سياسية وانتخابية تقف خلفه ،فقد جاء في وقت يزداد فيه الحديث عن الانتخابات النيابية القادمة، ومحاولة القوى السياسية تعزيز قواعدها الجماهيرية، خاصة في المناطق المتنازع عليها أو تلك التي تعرضت للنكبات مثل سنجار و هذا يجعل أي خطوة إنسانية تتقاطع أيضًا مع الحسابات الانتخابية كما ان السوداني يسعى إلى تقديم نفسه كـ”رجل دولة” يتبنى سياسة الشمول الوطني، ويرمم العلاقة مع الأقليات المهمشة، ومنها الإيزيديين فان دعمهم في هذا التوقيت قد يُكسبه رصيدًا أخلاقيًا وسياسيًا، داخليًا ودوليًا، خصوصًا أن المجتمع الدولي يراقب عن كثب ملف العدالة للناجيات الإيزيديات.
من المعروف ايضا أن مناطق مثل سنجار وسهل نينوى تشهد صراع نفوذ بين قوى مختلفة، ولذلك فان اي مبادرة لصالح الإيزيديين قد تُقرأ كنوع من كسب الولاء الشعبي في تلك المناطق، أو إعادة تشكيل موازين القوى الانتخابية فيها وهذا تصب ايضا في صالح الوزيرة ايفان فائق جابرو التي قدمت له مقترح القرار ،كما ن السلطة التنفيذية العراقية تواجه انتقادات في متعددة في عدة ملفات ابرزها ملف الخدمات وبذلك فان إظهار اهتمام حقيقي بالضحايا، خصوصًا النساء الناجيات من داعش، قد يُستخدم لتحسين صورة الحكومة .
لكن مع ذلك فان المصلحة الانتخابية لا تنفي قيمة القرار فهناك الكثير من السياسات الجيدة تصدر بدافع تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية لكن المهم هو أن تصب فعليًا في مصلحة الناس، وتُنفذ بعدالة، وتُستمر على المدى البعيد وليس فقط كورقة انتخابية عابرة.