سارة القاهر
“قابلة مأذونة” لوحة باتت تملأ شوارع بغداد وتستقطب الحوامل اللواتي يهربن من مستشفيات الولادة ويلجأن الى التوليد المنزلي خوفا من الإصابة بكورونا خاصة بعد شيوع إصابة الكوادر الطبية بالفيروس.
تمسك “القابلة المأذونة” ام سجاد مولودا وضعته امه للتو، وتحمل جهاز فحص الحرارة بيدها الاخرى للتأكد ما اذا كانت حرارته مرتفعة ما يثير شبهة اصابته بفيروس كورونا المستجد.
وفي الاثناء تنصح امه المرهقة بضرورة الاهتمام بالتباعد الاجتماعي وتجنّب الزيارات العائلية لحماية الطفل من انتقال عدوى الفيروس. وتصاحب مظاهر الفرح والصلوات والزغاريد الممتزجة بالقلق نقل المولود الجديد الى منزل العائلة، فيما تقوم ام سجاد اثر ذلك بحملة تعفير المكان انتظارا لحالة ولادة أخرى.
تقول القابلة سعدية غليم المعروفة بكنية “أم سجاد” وهي من اقدم القابلات المأذونات في حي الجوادين ببغداد ان وتيرة عملها بالتوليد ارتفعت خلال فترة الحظر اكثر من أي فترة اخرى منذ مزاولتها المهنة، وتشرح لمراسلة “المنصة” طبيعة عملها وزيادة لجوء النساء اليها “اصبحت أولّد عشرين امرأة في الشهر الواحد بعدما كانت حالات الولادة قبل انتشار الفيروس اقل من نصف العدد”.
وتضيف “لست المأذونة الوحيدة في المنطقة، فهناك اخريات سواي، الا ان لكل قابلة زبائنها”.
وعلى الرغم من ان خبرة “ام سجاد” في مجال التوليد لا تقل عن ثلاثين عاما، إلا انها لا تخفي حذرها من توليد نساء يأتين لها في حالات وأوضاع طارئة وفي ساعات متأخرة من الليل ومن دون موعد مسبق، اذ تصف مثل هذه الحالات بالــ”قنابل الموقوتة” لاحتمال اصابة احداهن بفيروس كورونا.
مع ذلك فهي ترى أن الظروف الراهنة بمثابة فرصة جيدة لجني الاموال بالنسبة للقابلات المأذونات، اذ ان هناك عائلات تتصل بها وتحدد موعدا للزيارة في المنزل لمراقبة ومتابعة امرأة موشكة على الولادة .
وتقول ” أن حالات الحمل لا تكون كلها طبيعية، فهناك حالات صعبة وعسيرة وبحاجة إلى متابعة مستمرّة، وفي مثل هذه الحالات يصعب نقل المرأة الحامل يومياً إلى المستشفى من اجل متابعة حالتها خشية من اصابتها بالفايروس، لذا تتم مراقبتها في المنزل من قبل قابلة متمرسة.”
وتعود مهنة القابلات ومعالجة بعض الأمراض النسائية بطب الاعشاب إلى عقود خلت قبل انتشار مستشفيات الولادة والأطباء المختصين. وما زالت بعض العائلات العراقية تفضل القابلة لاسيما بعد انتشار فيروس كورونا في العراق.
وتحصل القابلة على خبرة في توليد النساء، تكتسبها غالبا من امها بالوراثة اذ تتدرب مع والدتها منذ الصغر لكن القوانين العراقية السارية تفرض على القابلات دخول دورات تطويرية في وزارة الصحة ليتمكنن من التعامل مع الحالات الطارئة للنساء الحوامل، فيما تعمل بعض القابلات في المستشفيات أساسا بعد تخرجهن من معاهد التمريض، وأحيانا من عملها كممرضة في مستشفيات الولادة.
القابلة لمى زهير وهي احدى خريجات كلية التمريض تقول لمراسلة ” المنصة” ان “كثيرا من النساء الحوامل كن يخططن أصلا للولادة عند طبيبة نسائية متخصّصة، لكن وبسبب انتشار وباء كورونا لجأن الى القابلة المأذونة لمتابعة وضعهن، لا سيما بعدما اغلقت العيادات الطبية ابوابها بسبب الجائحة”.
وفرض الوضع الصحي الذي تمر به البلاد على الحوامل البحث عن بدائل، إذ اضطرت الشابة العشرينية، نور عماد، إلى وضع مولودها الأول في منزل القابلة برغم انها خططت قبل ذلك للإنجاب في احد المستشفيات، لكن آلام المخاض فاجأتها عند منتصف الليل، فاسرع بها زوجها إلى منزل اقرب قابلة مأذونة لتضع جنينها.
تقول نور لمراسلة ” المنصة” حول شعورها “كنت اخشى الولادة عند قابلة مأذونة لعدم توفر حقن التخدير المخففة للآلام إلا ان الظروف اجبرتني على ذلك بطريقة لم تدر بخلدي يوما. أنا سعيدة لكني أشعر بالأسف لتردي أوضاع المؤسسات الصحية وجشع المستشفيات الأهلية”
ويبدو ان الطبيبات أنفسهن اصبحن يرشدن مراجعاتهن من النساء الحوامل بالذهاب الى بعض القابلات المأذونات في سابقة لم تحصل طوال عقود من السنوات لا سيما وان العراق مازال يفرض حظر تجوال طوال ساعات الليل وأن معظم الولادات تتم أثناء ساعات الحظر.
تقول نجاة محمود أنها تواصلت مع طبيبتها الخاصة للاستشارة بأمر ولادتها فاقترحت عليها الذهاب الى قابلة من اجل الولادة. ” لقد عزت ذلك إلى ضعف مناعتي واحتمال تعرضي للإصابة بفيروس كورونا “.
بينما تفضل بعض العائلات اللجوء للقابلة لأسباب مادية، وتقول ريهام حيدر حول ذلك “فضلت الذهاب الى القابلة لانخفاض اجورها مقارنة بتكاليف المستشفيات الخاصة، كما أنه لم يعد ثمة متسع في المستشفيات الحكومية التي خصصت غرفها للحجر الصحي. لذلك يبدو الذهاب إلى تلك المستشفيات بمثابة مجازفة”
وتصف الولادة على يد القابلة على النحو التالي “تعامل جيد، كما أن المكان وأدواتها تتسم بالنظافة ولا اضطر الى دفع البغشيش لجميع الممرضات مثلما يحدث في المستشفيات”.
وتضيف “الاجور التي تتقاضاها القابلة رمزية ومناسبة لوضع اكثر العائلات قياسا مع كلفة الولادة في المستشفيات الحكومية والأهلية، فالأدوية التي تصرف للمرأة وأجور العملية تكون باهظة وتصل الى اكثر من (1200) دولار، بينما لا تزيد أجور القابلة على ( 250 ) دولارا كحد اقصى”.
وفي الوقت الذي تعطلت اغلب مفاصل الحياة في العراق، فتحت هذه الجائحة الباب لعودة مهنة القابلة إلى الواجهة بعدما تراجع الاقبال عليها بمرور الزمن لوجود المستشفيات الخاصة والإمكانيات المتطورة للولادة، وهكذا، مسح كورونا الصدأ عن اللافتات الصغيرة على واجهات بيوت القابلات في الاحياء الشعبية.