لم يمضِ وقت طويل على انتهاء عدتها بعد وفاة زوجها حتى خرجت للبحث عن مصدر رزق تعيل به اطفالها الخمسة لم يكن امامها سوى ان تعمل ” خادمة” في احد البيوت ورغم بؤسها وشقائها الا ان اهل زوجها المتوفى اعترضوا واجبروها على ترك العمل خوفا من “العار” وكلام الناس , لكنهم لم يخشوا عليها ولا على اطفالها الصغار من الموت جوعا او التشرد في الطرقات ! فلم تكن سميرة ذات ال (20 عام) على قيد الحياة بل كانت تموت في كل لحظة يبكي فيها طفلها الرضيع الذي تسقيه بالماء والسكر بدلا عن الحليب !
ومع تفاقم المعاناة وصراخ اطفالها الذي تعدى جدران غرفتها المتهالكة زارتها جارتها التي نصحتها بالذهاب الى شيخ كبير في السن المعروف بانه “يخاف الله” و يوزع المساعدات المالية والعينية للارامل والمطلقات “حصرا”
لم يكن امام سميرة سوى ان تنتظر ساعة بزوغ الشمس حتى تلجأ لذلك الشيخ الذي تمعن النظر فيها طويلا وبعد صمت عميق اعطاها المال المشروط بما يسمى بزواج “متعة”
طلب منها الاستماع بجسدها الهزيل مقابل قوت اطفالها ! سيمرة ….استسلمت اخيرا بعد ان اقنعها الشيخ ذو المسبحة السوداء الطويلة بان “الاستمتاع شرع الله ” و لم تنم ليلتها من التفكير بالعرض المقرف ولكنها قررت ان تقدم جسدها قربانا للفقر الذي ينهش بقلبها وضميرها ,
ولم يكتفي ذلك الشيطان باشباع نزوته , فقد جعل منها سلعة غرائزية يبيعها لمن يدفع اكثر ! المئات من اجساد النساء المستضعفات مثل سميرة اصبحن مهنة جديدة لتجارة “المتعة” يبرر البعض ان ارتفاع معدل هذه الزيجات يعود الى العوز الاقتصادي اكثر من تعلقه بالحرية الدينية او الحاجة الجنسية خاصة بعد زيادة اعداد الارامل في العراق والتي بلغت حوالي مليون ونصف ارمله خلال السنتين الاخيرتين , مع ارتفاع نسب العاطلين عن العمل اذ يفضل عدد كبير منهم هذا النوع من الزيجات لانها غير مكلفه وغير ملزمه ماديا, كما ان مدة الزواج تحدد سلفا بحسب الحاجة وقد تكون لدقائق او لايام محدودة!
والغريب ان بعض المحسوبين على رجال الدين اعتبروا المتعة “مساعدة انسانية” للنساء !ومازلت اجهل الانسانية بالموضوع ؟حاولت كثيرا ولكني لم استطع الحصول على عدد محدد او تقريبي لهذه الزيجات فغالبا ما تتم بسرية تامة بعيدا عن اعين المجتمع , ولكن المؤشرات تؤكد نسبة عالية وشائعة مختلف شرائح المجتمع غالبا ما تتم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي اما الضحية فهي غالبا ما تكون مطلقة او ارملة و للاسف هناك فتيات تم اغوائهن بداعي الحب او من خلال الابتزاز والتهديد ,
ولكن يبقى المتسبب الرئيس لرواج وانتشار هذه المتعة هم المحسوبين على رجال الدين الذين استغلوا اسم الشريعة الاسلامية لقضاء شهواتهم الحيوانية وغالبا ما يستدرجون النساء الجميلات, ولهذا ارى ان المتعة اقرب ماتكون لجريمة انسانية لانها قائمة على الاستغلال و تدخل ضمن محور جريمة الاتجار بالبشر كون الحاجة بسب ظروف صعبة وبمقابل مادي او اي مقابل اخر وبصراحة لا اعتقد ان هناك فرق بينها وبين جهاد النكاح او البغاء وان التلبيس الشرعي لهذه الزيجات هو تلبيس خاطئ و مسيء للدين الاسلامي المبنى على احترام حقوق الانسان وكرامته ولكن للاسف فان الفوضى التي نعيشها اليوم وضعف القانون انتج تفاعل واستنشاط جهات غير معروفة استغلت الوضع خلال السنوات الاخيرة بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي لتنفيذ اجندات وسياسات خارجية ,
يؤسفني جدا ان ارى تعاظم وجود المتاجرين باجساد النساء وانتهاك قدسية الزواج من خلال الشذوذ الاخلاقي الذي يفقد المراة كرامتها وحقوقها الشرعية والقانونية ومكانتها الاجتماعية كما انه يعرضها لخطر الاصابة بامراض الايدز المنتشرة بكثرة في مجتمعنا دون أي حماية جدية من الجهات المعنية ,
ان ابسط ما تعانيه المراة الضحية بسبب هذه المتعة هي حصول حمل عند ممارسة هذه العلاقة الجنسية فقد تجبر على الاجهاض والتخلص من الجنين لاسيما وان بعض من يقدمون على الزواج غايتهم التخلص من المسؤولية الاسرية وتحقيق رغباتهم الشخصية بالتالي نجد اثارا صحية تتحملها المراة وحدها وطفولة مشردة فاقدة الحقوق وقد يلقى بهم في مكب النفايات وتشهد بذلك مشفيات العراق والمحاكم التي رصدت وسجلت الكثير من الولادات غير الشرعية التي عثر عليها بين النفايات او ابواب المدارس والجوامع ! علاوة على ذلك فان هذه المتعة او حتى الزواج الدائمي وان تم وفقا للقانون يعد باطلا في حال كان مبنيا على الاكراه و الاجبار والاستغلال فهذه الامور تبطل عقد الزواج وفقا للشريعة والقانون,
وتعتبر الشريعة الاسلامية مصدر قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959 المعدل , الذي لم يتضمن اي اشارة الى قانونية الزواج خارج اطار المحكمة وان حصل فلا يعتد به قانونا مالم يوثق في المحكمة , فالقانون اكد على ان الزواج القانوني حماية للزوجة و للاسرة, من خلال عدة ضمانات مثل ضمانه الشكوى في حال تعرضها للضرب من قبل زوجها الى جانب ضمانات حقوقها بالنفقة والمهر و الارث وغيرها .
في نهاية حجم القسوة التي خضت الحديث عنها اقول لا يمكن السكوت على هذه المشكلة الخطيرة و لابد من الاعتراف بوجودها ثم البحث في اسبابها بمنتهى الجرئة والشجاعة والعمل على محاربة كل مظاهرها خاصة مروجي وممتهني هذه التجارة غير الانسانية الخالية من الشرعية والقانونية , وعلى الدولة التي تحترم حقوق الانسان ان توقع اشد العقوبات بحق كل من تسبب او روج او توسط او تاجر باجساد النساء بغطاء ديني واعتباره مجرم يعاقب وفقا لقانون الاتجار بالبشر ’
كما ادعو منظمات المجتمع المدني المتخصصة بحقوق المراة ان تناهض هذا النوع من (العنف الجنسي) وان توعي المجتمع وخاصة النساء وعلى رجال الدين المخلصين لدينهم ان يثقفوا المجتمع ايضا على ضرورة عقد الزواج بشكل شرعي وقانوني والابتعاد عن مظاهر زواج المتعة لما له من اسباب وخيمة تهدد امن واستقرار المجتمع العراقي بأكمله.