أكّد بحث جديد أعدّه المركز الدولي للصحفيين لصالح منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تزايد العنف وحملات الكراهية ضد الصحفيات عبر الإنترنت، بسبب العنصرية والتعصب الديني والتحيّز السياسي وغيره من أشكال التمييز.
وتبيّن أنّ شخصيات سياسية تقف غالبًا وراء معظم الهجمات المرفقة بعبارات كراهية ومعلومات مضللة، وتُحرّض ضد الصحفيات مستغلّة منصات التواصل الإجتماعي ومدفوعة بالشعبوية والتطرف، بحسب خلاصات البحث الذي استند إلى ثمانية اتجاهات دولية رئيسية للعنف الذي تتعرّض له الصحفيات عبر الإنترنت، وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتم فيها تحليل جميع العوامل المرتبطة بالعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي عبر الإنترنت على نطاق عالمي.
وتوثّق الدراسة التي قادتها مديرة الأبحاث العالميّة في المركز الدولي للصحفيين، الدكتورة جولي بوسيتي وعُنونت كما يلي “الاتجاهات العالمية للعنف عبر الإنترنت ضد الصحفيات“، كيف تثني الهجمات التي تُشنّ ضد الصحفيات عبر الإنترنت عن تنفيذهنّ تقاريرهنّ وتُعرّضهنّ للأذى وتُبعدهنّ عن الصحافة المستقلة. وضمّ فريق الدكتورة جولي بوسيتي باحثات شاركن في إعداد الدراسة وهنّ نبيلة شبير، ديانا مينارد، كالينا بونتشيفا ونيرمين أبوالز، وقد قُمن باستطلاع آراء أكثر من 900 صحفية في 125 دولة وعبر 5 لغات لدعم النتائج التي توصّلن إليها، كما أجرينَ أكثر من 170 مقابلة مع صحفيات وخبيرات.
وخلال الدراسة، روَت مراسلة التحقيقات في “بي بي سي”، الحائزة على جوائز صحفية، ريانا كوكسفورد تجربتها مع العنف العنصري الذي واجهته، وقالت: “لم تكن المرّة الأولى التي يناديني فيها شخص ما بكلمة عنصريّة، ولن تكون هذه هي المرة الأخيرة. فقد واجهت إساءات عنصرية وسخرية من شكلي مرات عدّة”.
وبحسب البحث، تزيد تداعيات وتأثيرات العنف عندما تنتقل الهجمات من العالم الإفتراضي إلى الواقع، فتصبح معدلات التمييز التي تتعرّض لها الصحفيات أعلى. وعن هذا الأمر، قالت أكثر من نصف الصحفيات العربيات اللواتي شاركنَ باستطلاع للرأي إنهن واجهنَ هجمات غير متصلة بالإنترنت لكنهنّ يعتقدن أنها نشأت عبر الإنترنت، مقارنة بـ 11%من النساء ذوات البشرة البيضاء، و20% من النساء اللواتي أجبنَ على الأسئلة عمومًا.
إقرأوا أيضًا: دراسة جديدة تكشف العنف الذي تعرّضت له ماريا ريسا عبر الإنترنت
من جهتها، قالت المذيعة في قناة “الجزيرة” غادة عويس: “في كلّ يوم أكون فيه على الهواء، كنتُ أتلقى تهديدًا بالقتل عبر بريدي الإلكتروني الخاص بالعمل على قناة الجزيرة، بعدما تمّ تسريبه بطريقة ما”. وكشفت عن أنّ أحد الاشخاص أرسل لها رسالة لا يمكنها أن تنسى محتواها، حيث قال لها: “سوف تنظرين إلى الكاميرا للتحدث إلى جمهورك وستستهلّين قراءة النشرة والنص التلقائي أمامك. ستلاحظين أن هناك مسدسًا ورصاصة، تلك الرصاصة ستتجه مباشرة إلى رأسك”.
كما قالت واحدة من كل خمس صحفيات شملهن الاستطلاع إنهن شعرن بعدم الأمان الجسدي بسبب العنف عبر الإنترنت. في المقابل، أشارت أكثر من واحدة من كل أربع صحفيات إلى تداعيات هذا العنف المتمثّل بالإضرار بصحتهن النفسية.
من جهتها، كشفت مراسلة موقع غريو في البيت الأبيض، إبريل رايان أنّ بعض الأشخاص أتوا إلى منزلها، وانتظروها أيضًا خارج البيت الأبيض لإساءة معاملتها مباشرة وشخصيًا. وقالت: “كنتُ أتلقى العلاج وهم يقولون إنها صدمة، وذلك ليس فقط من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ولكن من أتباعه أيضًا”، ولفتت إلى أنّها كانت تتأكد باستمرار ألا أحد يُلاحقها، واعتبرت أنّ حياتها لن تبقى كما هي.
وكان لافتًا أنّه عندما تعدّ الصحفيات التقارير المرتبطة بالنوع الاجتماعي ويتطرّقن لقضايا مثل العنف المنزلي، والحقوق الإنجابية وغيرها من المواضيع المشابهة، تزداد الهجمات التي يتعرّضن لها بشكل أكبر، كذلك أشارت أكثر من ثلث الصحفيات اللواتي شاركنَ باستطلاع الرأي إلى سياسيين كمصادر للعنف الذي تعرّضنَ له عبر الإنترنت.
كما استُهدفت الصحفية البريطانية نادين وايت التي كانت مراسلة لـ”هافنجتون بوست”، بعدما نشرت وزيرة المساواة في المملكة المتحدة لقطات شاشة على تويتر من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بها ووصفتها بأنها “مخيفة وغريبة”. وقالت وايت: “بما أنني صحفية ولدي بشرة سمراء، فقد كان الانضمام إلى هذا العمل كأقلية داخل قاعدة كبيرة، معظمها من ذوي البشرة البيضاء”.
إقرأوا أيضًا: دراسة عالميّة حول العنف الذي تواجهه الصحفيات عبر الإنترنت
وتبيّن أنّ المستهدفات واللواتي يتعرّضن لحملات عنف غالبًا ما لا يلجأن إلى منصات التواصل الاجتماعي التي ينشرنَ عليها في العادة. فعلى سبيل المثال، قالت ثلاث من كل أربع صحفيات إنهنّ يستخدمن فيسبوك وتويتر في عملهن، إلا أن 39% منهنّ فقط أبلغن عن العنف عبر فيسبوك و26% أبلغن عبر تويتر، ويرجّح البحث أن يكون عدم لجوء النساء إلى وسائل التواصل للإعلان عن العنف، يعود إلى شعورهنّ بعدم الجدوى من ذلك، خصوصًا عند الكتابة بلغة محليّة، فلن تكون استجابة المنصات فعّالة. وعن هذا الأمر، تقول الصحفية الباكستانية يسرا جابين: “لا أجد فائدة من الإبلاغ عن أي شيء لأننا نعلم أنّه لا يوجد نتيجة، كذلك فإنّ المنصات تُدار وتعمل باللغة الإنجليزية، فكيف يُمكننا أن نبلغ عن التهديدات باللغة الأردية؟”.
ووفقًا للبحث، لا يوجد ميلٌ لدى الصحفيات لإبلاغ أصحاب العمل عن الاعتداءات ونسبة اللواتي تخبرن مدرائهنّ بما تعرضنَ له لا يتجاوز الـ25%، كما أنّ نسبة اللواتي لجأن إلى الشرطة هو 11% فقط من الصحفيات. ولاحظت الباحثات أنّ الكثير من الصحفيات اللواتي شاركنَ باستطلاع الرأي شعرنَ كأنّهن منبوذات بعد إبلاغ أصحاب العمل عن تعرّضهنّ للعنف عبر الإنترنت. في المقابل، سعت صحفيات لتغيير سلوكهن وبعضهنّ غيّر مكانهنّ، وأخريات توارين عن الأنظار نتيجة تعرّضهنّ للمضايقات عبر الإنترنت. كما قالت أخريات إنّهنّ عززنَ أمنهنّ المادي تحسبًا لهجمات محتملة خارج الإنترنت أي في الواقع، فيما تخلّت بعضهنّ عن مهنة الصحافة.
وفي هذا السياق، كشفت ماريانا سبرينغ التي أبلغت “بي بي سي” عن معلومات مضللة أنّها تبقى حذرة ومنتبهة عندما تكون ذاهبة إلى العمل ولا يمكنها الإستماع إلى الموسيقى أو البودكاست عندما تمشي، إذ عليها أن تتخلّى عن بعض الحريات تجنبًا لمضايقات بعض الأشخاص.
وفي سريلانكا، فرّت الكاتبة والصحفية السابقة شارميلا السيد من بلدها الأصلي إلى الهند بعد تعرّضها لهجمات وحملات مفعمة بالكراهية من قبل مجموعات أصولية وصلت إلى حدّ الإعلان عن وفاتها بشكل مضلل على الإنترنت.
وبعد عرض أبرز النتائج التي خلصت إليها الدراسة، حثّت الباحثات للعمل والسعي إلى إنهاء التقاعس الموجود، إذ أنّ العنف يتزايد عبر الإنترنت في ظلّ تطوّر التكنولوجيا والمنصات المختلفة، ولفتنَ إلى أنّ الإفلات من العقاب يشجع الجناة، ويضعف معنويات الضحايا ويقوض أسس الصحافة ويقلّص حرية التعبير.
وفي ختام الدراسة، عرضت الصحفيات 28 توصية تهدف إلى مساعدة المنظمات الحكومية الدولية والدول والمنصات التكنولوجية الكبرى والمؤسسات الإخبارية في تحسين اتخاذ إجراءات وتنفيذ تدابير آيلة إلى مكافحة العنف عبر الإنترنت. ويتضمّن البحث أيضًا دراستي حالة للبيانات الضخمة تكشفان الهجمات التي تعرضت لها الصحفية الفلبينية الأميركية ماريا ريسا والصحفية البريطانية كارول كادوالادر عبر الإنترنت وما هي أبرز العواقب والتداعيات.
م/شبكة الصحفيين الدوليين