يُعنى قرار مجلس الأمن 1325 الصادر عام 2000 بترسيخ دور المرأة في منع النزاعات وصنع السلام، والمشاركة في إعادة الإعمار وضمان حمايتها أثناء النزاعات المسلحة، حيث أن جوهر القرار يقوم على أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بالسلاح بل بالعدالة والمشاركة والمساواة، أما العسكرة فتعني هيمنة المنطق العسكري على الحياة السياسية والمجتمعية، أي أن تكون القوة والسلاح والتراتبية الأمنية أدوات لحل الخلافات وصناعة القرار بدل الحوار والمؤسسات المدنية وهنا تصبح العسكرة مع القرار 1325 في علاقة صدام إذ أن عسكرة الدولة والمجتمع تُضعف فرص تطبيق القرار وتُهمّش النساء في مجالات الأمن والسياسة.
وتؤثر العسكرة على تنفيذ القرار 1325 من ناحية تهميش النساء في مواقع صنع القرار،وقد بدء ذلك مع ازدياد هيمنة القوى العسكرية أو شبه العسكرية على الحكم حيث يتم تقييد مشاركة النساء في التفاوض والتخطيط الأمني وإعادة الإعمار، وهو ما يتناقض مع الركن الأول للقرار 1325 (المشاركة) ويعتمد القرار 1325 على مفهوم الأمن الإنساني أي حماية الناس من العنف والفقر والتهجير أما العسكرة فتركّز على أمن الحدود والسلطة مما يجعل النساء ضحايا مضاعفات العنف بدل أن يكنّ فاعلات في منعه، وتؤثر العسكرة في تزايد العنف القائم على اساس نوع الجنس حيث أن المجتمعات المُعسكرة تشهد نسب أعلى من العنف ضد النساء سواء داخل الأسر أو في الفضاء العام، لأن القوة والسلاح يصبحان وسيلة “تأديب” اجتماعي مبرّرة ثقافياً.
لقد شهد العراق بعد العام 2003 واحدة من أعلى درجات “العسكرة المجتمعية” حيث نشأت تشكيلات مسلحة متعددة الامر الذي جعل من تنفيذ القرار 1325 مهمة معقدة، لأن المشاركة النسوية في قضايا الأمن والسلام بقيت شبه رمزية كما تتعرض النساء الناشطات في بناء السلام لتهديدات مستمرة ومتنوعة لم تستطع الدولة العراقية حصر السلاح بيدها،ما أضعف مفهوم سيادة القانون الذي يعتبر حجر الأساس لتحقيق “السلام المستدام” المنصوص عليه في القرار.
فالقرار 1325 يقوم على أربعة مرتكزات أساسية( المشاركة، الحماية، الوقاية، الانعاش ) إلا أن العسكرة الواسعة التي عرفها العراق قوضت قدرة الدولة على توفير شروط هذه المرتكزات، إذ بقيت المشاركة النسوية في قضايا الأمن وصنع القرار شبه رمزية ولا تعكس حجم الدور الذي يمكن أن تؤديه النساء في دعم الاستقرار كما أن النساء الناشطات في ملف بناء السلام يتعرضن إلى تهديدات مباشرة وغير مباشرة تشمل التشهير، التخويف، الابتزاز، وإسكات الأصوات الناقدة، في ظل ضعف قدرة مؤسسات الدولة على ضمان سلامتهن أو ملاحقة الجناة.
كما أن عدم نجاح الدولة في حصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية أضعف مفهوم سيادة القانون الذي يمثل الركيزة الأساسية لتحقيق “السلام المستدام” الذي يؤكد عليه القرار 1325 فغياب الاحتكار الشرعي للقوة يجعل من أي مبادرة لتعزيز دور النساء في المصالحة، الوساطة، أو مراقبة الانتهاكات عرضة للعرقلة أو الإحباط من قبل الفاعلين المسلحين ويحد من إمكانية خلق بيئة آمنة تشجع النساء على الانخراط في الجهود الوطنية لتعزيز الأمن.
وبذلك، فإن العلاقة بين واقع العراق والقرار 1325 تبدو واضحة “كلما ازدادت العسكرة وابتعدت الدولة عن سيادة القانون، أصبحت مشاركة النساء أكثر هشاشة ورمزية، وتراجع تأثيرهن في بناء السلام المستدام” أما توفير شرط الأمن وضمان حرية العمل المدني وتمكين النساء من المشاركة الفعلية في عمليات صنع القرار فيظل المدخل الحقيقي لتحقيق الأهداف التي وضعها القرار 1325 وتبنتها الحكومات العراقية في خططها الوطنية.
ولذلك لابد من جهود فعالة تجمع ما بين الجانب الحكومي والمدني لوضع حلول واقعية وفق منظور القرار 1325 وذلك من خلال تحويل مقاربة الأمن من عسكرية إلى إنسانية بواسطة إشراك النساء في صياغة السياسات الأمنية وإعادة تعريف مفهوم الأمن ليشمل التعليم والصحة والعدالة مع ضرورة دمج منظمات المجتمع المدني النسوية في لجان السلام والأمن الوطني بشكل فعال وواقعي لا بشكل حزبي صوري، ولابد من التركيز على أهمية الحد من عسكرة الشباب والمجتمع عبر برامج إعادة التأهيل والتعليم المدني ،وبذل جهود كبيرة في زاوية تطبيق المساءلة على الانتهاكات بحق النساء ضمن النزاعات المسلحة، ويجب أن ندرك أن العسكرة لا تُنتج سلاماً بل تُكرّس الخوف وعدم المساواة، أما القرار 1325، فهو دعوة لإعادة تعريف الأمن من منظور يضع المرأة في قلب عملية بناء الدولة والسلام، لا في هامشه، وكلما تراجعت عسكرة المجتمع والدولة، كلما اقترب العراق من تنفيذ فعلي وناجح لهذا القرار الأممي والاّ فأنه سيبقى هامشياً غير ملبي للطموح بركائزه الأربعة المهمة .





