في مجتمعاتنا تعد الولادة رحلة مقدسة وتجربة فريدة تمر بها النساء لكنها للأسف قد تتحول إلى كابوس حقيقي بسبب الإهمال والعنف الذي تتعرض له بعض الأمهات خاصة الشابات منهن خلال هذه اللحظات الحاسمة.ان صرخات الألم التي تُطلقها المرأة أثناء المخاض غالباً ما تختلط بصرخات صامتة أخرى ناتجة عن التعامل غير الإنساني وغياب الرعاية الكافية مما يترك ندوباً عميقة لا تُشفى بسهولة في أجسادهن ونفوسهن.
تُشير العديد من التقارير إلى أنَّ ظاهرة العنف أثناء الولادة لا تزال قائمة في العديد من المؤسسات الصحية وهي تتجلى في صور متعددة بدءاً من الإهمال في الرعاية وصولاً إلى المعاملة القاسية والتحقير ومروراً بالتدخلات الطبية غير المبررة أو التي تتم دون موافقة الأم المستنيرة وغالباً ما تكون الفتيات الصغيرات أو اللواتي يفتقرن إلى الدعم الاجتماعي أو “الواسطة” هنَّ الأكثر عرضة لهذه الممارسات.
قصة مؤلمة ،مريم الفتاة التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها وجدت نفسها على أعتاب تجربة الأمومة قبل أوانها :دخلت مريم صالة الولادة تحمل في أحشائها طفلاً وفي قلبها خوفاً مضاعفاً خوف المخاض وخوف المجهول كانت وحيدة بلا سند أو دعم لا تعرف ما الذي يجب أن تفعله أو تتوقعه ”
مع اشتداد المخاض ،كانت مريم تتألم بصمت تنتظر كلمة طيبة أو يداً حانية.لكن ما واجهته داخل صالة الولادة كان صمتاً مطبقاً تارة وصيحات غاضبة تارة أخرى لم تُعط الاهتمام الكافي، ولم تُركب لها قسطرة لتصريف البول فتجمع البول في مثانتها بشكل خطير وبينما كانت آلام الولادة تبلغ ذروتها دخلت الطبيبة على عجل وبدلاً من تقديم الرعاية والدعم، انهالت عليها بالصياح واللوم بسبب امتلاء مثانتها وكأن الفتاة المنهكة هي المسؤولة عن هذا الإهمال الطبي الذي قد يؤدي إلى انفجار المثانة.
لم يكن هذا هو الجزء الوحيد من محنة مريم ففي ظل رغبة الممرضة في تسريع عملية الولادة ودون اي مراعاة لحالة الأم الجسدية والنفسية يتم اللجوء احياناً الى اجراء بضع الفرج أو “الشق الداخلي” بشكل روتيني وغير ضروري وهو إجراء مؤلم وله تبعات صحية ونفسية على المدى الطويل ويتم غالباً دون صبر كافً على الأم ومنحها الوقت الطبيعي لتقدم المخاض مريم كغيرها ربما تعرضت لهذا التدخل دون أن تُسأل أو تُفهم عواقبه فقط لتسريع عملية الولادة و مازلت حتى الآن أعاني من ألم في منطقة المثانة سبب تقلص في بطانه المثانة وظهور التهابات مزمنة .
إنّ قصصاً مثل قصة مريم تُسلط الضوء على ضرورة إحداث تغيير جذري في كيفية التعامل مع النساء أثناء الولادة حيث يجب أن تكون غرف الولادة أماكن للرعاية والرحمة والاحترام لا ساحات للعنف والإهمال ويتطلب ذلك تدريب الكوادر الطبية على أهمية التعاطف والاحترام وتطبيق البروتوكولات الطبية الصحيحة التي تراعي كرامة المريضة وحقوقها وتوفير الدعم النفسي للأمهات خاصة الشابات ومن يفتقرن للدعم الأسري ومساعدتهن على فهم مجريات الولادة واتخاذ قرارات مستنيرة.
ومن هنا يجب ان نذكر بضرورة أن يكون هناك صبراً على تقدم المخاض الطبيعي “ثقافة الصبر والانتظار” وتجنب التدخلات غير الضرورية التي تسبب آلاماً ومضاعفات للمرأة، وايضا التوعية بحقوق المريضات لتمكين النساء من المطالبة بحقوقهن في الحصول على رعاية صحية كريمة، كما إنَّ نجاة الجسد من الموت لا تعني بالضرورة شفاء الروح من آثار العنف فصرخات الولادة قد تتلاشى لكن صدى الإهمال والقسوة يبقى يتردد في أعماق الناجيات مما يستدعي منا جميعاً العمل على ضمان أن تكون تجربة الولادة آمنة وكريمة لكل امرأة.