في زمنٍ تتسارع فيه الأزمات البيئية ويشتد فيه لهيب الصراعات الجيوسياسية تجد البشرية نفسها أمام تحدً مزدوج حرب مناخية لا ترحم وصراعات دامية تبتلع الطاقات وتبدد الجهود. وبينما ينشغل العالم بتقلبات الجغرافيا السياسية تقف أزمة المناخ رهينة الحروب يدفع ثمنها في صمت كوكب الأرض وأجياله القادمة.
حيث تعدّ الحروب من أبرز العوامل التي تسهم في تدهور البيئة وتسريع وتيرة التغير المناخي فخلال النزاعات تُستنزف الموارد الطبيعية بشكل غير مستدام سواء عبر التدمير المباشر للغابات والبنية التحتية أو عبر الاستغلال المفرط للموارد لدعم الآلة العسكرية وتنطلق كميات هائلة من الغازات الدفيئة نتيجة تحركات الجيوش واستخدام المعدات الثقيلة والتفجيرات ما يزيد من انبعاثات الكربون و تهمل الاتفاقيات البيئية وتُجمّد الاستثمارات في الطاقة النظيفة حيث توجه الميزانيات نحو التسليح بدلاً من تمويل الحلول المناخية وهكذا تصبح البيئة وقضية المناخ رهينة الحروب تُدفع إلى الهامش بينما تتصدر أولويات الدول حسابات البقاء العسكري والاقتصادي، كما وان النزاعات لها تأثير عميق على الأجيال القادمة حيث ان الحروب لا تقتصر على دمار اللحظة بل تترك آثاراً عميقة وعابرة للزمن حيث تولد بيئة ملوثه وان أطفال اليوم يُولدون في بيئات متدهورة حيث تلوث المياه والتربة والهواء وكلها تؤثر على صحتهم ونموهم العقلي والبدني.
ان غياب العدالة المناخية في البلدان التي تشهد نزاعات غالباً ما تكون الأقل إسهاماً في انبعاثات الكربون لكنها الأكثر تضرراً من تغير المناخ مما يزرع شعوراً بالظلم لدى الأجيال القادمة وتؤدي ذلك الى فقدان فرص التعليم والتنمية بسبب تهدم المدارس واغلاق الجامعات مما يؤدي إلى نشوء أجيال غير مهيأة لمواجهة التحديات المناخية أو التعامل مع أدوات التنمية المستدامة،كما تولد نزوح وتشريد مناخي ومسلّح إلى جانب الكوارث البيئية تؤدي الحروب إلى هجرات جماعية تخلق مجتمعات مهمشة ومضطربة غالباً ما تعاني من الفقر والعنف وضعف فرص النمو .
ولتفكيك العلاقة بين الحرب والمناخ “الحاجة الى تغيير الاولويات “لابد من وجود إرادة سياسية جماعية تقلب المعادلة وتحول الاهتمام من التدمير إلى البناء ومن الصراع إلى التعاون من خلال تفعيل دور المنظمات الدولية لضمان أن تكون الحماية البيئية بنداً أساسياً في مفاوضات وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وكذلك توجيه ميزانيات الدفاع نحو مشاريع خضراء كأن تسثمر جزء من الميزانيات العسكرية في الطاقة المتجددة والتعليم البيئي وإعادة تأهيل الأراضي المتضررة وإشراك الشباب في صنع السياسات المناخية بما يضمن أن صوت الأجيال القادمة يُؤخذ في الحسبان
أن حرب المناخ ليست صراعاً منفصلاً عن الحروب الأخرى بل هي جبهة موازية إن لم تكن الأ خطورة وفي عالمً يوشك أن يختنق من دخان المدافع ودخان المصانع فإنّ مسؤوليتنا الأخلاقية والتاريخية تفرض علينا كسر هذا الترابط الكارثي بين الحرب والبيئة فالمستقبل ليس ملكاً لنا وحدنا، بل هو أمانة في أعناقنا تجاه من لم يُولد بعد.