أخبار ومقالات

ضعف الرعاية الصحية لفتيات الريف خلال الدورة الشهرية

اجبار على الأعمال القسرية في المنازل والحقول

دعاء الزبيدي

تعاني الفتيات في المناطق الريفية من نقص حاد في الخدمات الصحية الأساسية، بما في ذلك التوعية الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية،و غالبأً ما تفتقر هذه المجتمعات إلى الكوادر الطبية المتخصصة والمستلزمات الصحية الضرورية، مثل الفوط الصحية، والمرافق الملائمة التي تضمن الخصوصية والنظافة. ويؤدي هذا النقص إلى ممارسات صحية خاطئة، حيث تلجأ العديد من الفتيات إلى استخدام مواد غير آمنة للتعامل مع الدورة الشهرية، مما يعرضهن لخطر الإصابة بالالتهابات المهبلية والأمراض التناسلية الأخرى.

كما تعاني كثير من الفتيات من آلام شديدة أثناء الدورة الشهرية دون الحصول على الرعاية الطبية اللازمة أو المسكنات المناسبة، ما يضاعف من معاناتهن في صمت، ويؤثر سلبًا على قدرتهن على التركيز، والتعلم، وأداء الأنشطة اليومية.

ولا تزال الدورة الشهرية في بعض المجتمعات الريفية محاطة بالكثير من التابوهات والمفاهيم المغلوطة، حيث تُعتبر أمراً معيباً  ووصمة اجتماعية. هذا الوضع يمنع الفتيات من التحدث بصراحة عن مشاكلهن أو طلب المساعدة، ويعزز فيهن مشاعر الخجل والعزلة، ويُعد العمل القسري عبئًا مضاعفًا يُنهك أجساد الفتيات الصغيرة، إذ تُجبر العديد منهن على أداء أعمال شاقة في المنازل أو الحقول، في ظل ضعف الرعاية الصحية،وبدلاً من التركيز على صحتهن وتعليمهن، يتحملن أعباءً لا تتناسب مع أعمارهن أو حالتهن الصحي،ولهذا العمل القسري تداعيات صحية خطيرة، إذ يؤدي الجهد البدني أثناء الدورة الشهرية إلى تفاقم الآلام والنزيف، ويزيد من خطر الإصابة بالإرهاق، والضعف العام، وفقر الدم (الأنيميا). كما أن التعرض لظروف العمل القاسية كدرجات الحرارة المرتفعة أو البرودة الشديدة يزيد من سوء حالتهن الصحية.

و تضطر  العديد من الفتيات إلى التغيب عن المدرسة أثناء الدورة الشهرية، إما بسبب الألم، أو عدم توفر المستلزمات الصحية، أو لانشغالهن بأعمال قسرية ويؤثر ذلك على تحصيلهن الدراسي ويزيد من احتمالية تسربهن من التعليم، ويُعد العمل القسري انتهاكاً  صارخاً لحقوق الفتيات الأساسية في الصحة والتعليم والحماية من الاستغلال، فهو يحرمهن من طفولتهن ويقضي على فرصهن في بناء مستقبل أفضل، بالاضافة الى ذلك يؤدي إلى تداعيات اجتماعية واقتصادية بعيدة المدى ولا تقتصر آثار هذه المشكلة على الصحة الجسدية والنفسية للفتيات، بل تمتد لتشمل عوائق اجتماعية واقتصادية.

كما يؤدي حرمان الفتيات من التعليم والفرص المناسبة الى تكريس التخلف واعاقة التنمية المجتمعية على اعتبار أن صحة وتعليم الفتيات يمثلان حجر الزاوية في بناء مجتمعات قوية ومزدهرة، كما تعكس هذه الممارسات تمييزاً  عميقاً حسب نوع الجنس حيث يُنظر إلى الفتيات كقوة عاملة رخيصة، بدلاً من اعتبارهن أفراداً لهن حقوق كاملة وفرص مستقبلية،ولمعالجة هذه المشكلة المعقدة، لا بد من تضافر الجهود وتكامل الأدوار من مختلف الأطراف ففي القطاع الصحي ، ينبغي على الحكومات والمنظمات الصحية تعزيز توفير الرعاية الصحية الشاملة للفتيات في المناطق الريفية، بما في ذلك حملات التوعية حول صحة الدورة الشهرية، وتوفير المستلزمات الصحية بأسعار معقولة أو مجاناً وتدريب الكوادر الطبية والمجتمعية.
اما في القطاع التعليمي ، فيجب على المدارس أن تهيء بيئة آمنة وداعمة للفتيات خلال فترة الدورة الشهرية، من خلال توفير مرافق صحية نظيفة، وتضمين التربية الصحية في المناهج، والعمل الجاد على منع التسرب المدرسي، وفي مجال الحماية الاجتماعية ،يجب على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تكثيف الجهود لمكافحة العمل القسري، وتطبيق القوانين التي تحمي حقوق الطفل، وتوفير الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة للحد من استغلال الفتيات .

و على صعيد التوعية المجتمعية ،فيتوجب على قادة المجتمعات والمنظمات المحلية العمل على تغيير المفاهيم المغلوطة، والتصدي للوصمة الاجتماعية المرتبطة بالدورة الشهرية، وتعزيز الوعي بأهمية احترام كرامة الفتيات والاهتمام بصحتهن.

اخيرا يجب إن يعرف الجميع بان صحة وكرامة فتيات الريف ليست مسؤولية فردية، بل هي قضية إنسانية ومجتمعية، تتطلب تضافر الجهود لضمان مستقبل أفضل لهن ولمجتمعاتهن و لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية ما لم تُمنح كل فتاة، في كل مكان، الحق في حياة كريمة خالية من الاستغلال، مليئة بالصحة والتعليم والأمل.

زر الذهاب إلى الأعلى