في بلدٍ يواجه تحديات سياسية واقتصادية وأمنية معقدة، لم تكن المعركة من أجل حقوق النساء سهلة أبدًا. إلا أن الأمور اتخذت منحىً أكثر خطورة في العراق، حيث تعرّضت ناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان، وأكاديميات متخصصات في قضايا النوع الاجتماعي، إلى تهديدات جدية، وصلت إلى التشهير والتحريض والملاحقة، وذلك بقبل وبعد وقت قصير من صدور قرارات بحظر “مصطلح النوع الاجتماعي” في العراق.
النوع الاجتماعي في دائرة الاستهداف
في السنوات الأخيرة، عملت منظمات المجتمع المدني والجامعات العراقية على تعزيز مفهوم “النوع الاجتماعي” (الجندر) كمنهج علمي وأداة تحليل للتمييز وعدم المساواة، وليس كأيديولوجيا سياسية أو تهديد ثقافي. إلا أن تصاعد حملات التحريض الإعلامي والديني والسياسي، جعل من المصطلح ذاته محل شبهة، وتم تصويره كتهديد لـ”الثوابت الاجتماعية والدينية،وبينما لم تكن هناك أي قوانين تحظر هذا المجال سابقًا، فإن البيئة السياسية أصبحت أكثر عدائية تجاه كل من يدافع عن المساواة أو يُطالب بحقوق المرأة في التشريع والسياسة والتنمية.
مدافعات تحت التهديد شهادات من الميدان
تقول “د. ن”، وهي أكاديمية تعمل في احد جامعات بغداد طلبت عدم الكشف عن اسمها:تلقيت رسالة تهديد على بريدي الجامعي بعد مشاركتي في ورشة تدريبية عن النوع الاجتماعي والتمكين السياسي للمرأة. الرسالة احتوت على ألفاظ مهينة وتحذير من “الترويج لأفكار غربية”. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أتجنب الحديث عن الموضوع داخل الجامعة.”
أما “ر.ج”، ناشطة مجتمعية في محافظة النجف، فتم استدعاؤها من قبل جهات لم تسمها للاستجواب بعد مشاركتها في فعالية عن التمكين الاقتصادي للنساء واهمية النوع الاجتماعي،“اتهموني بأنني أنشر أفكارًا تفسد النساء وتحرّضهن على أدوار غير طبيعية… رغم أنني كنت أوزع منشورات تتعلق بريادة الأعمال فقط.”
من التهديد إلى الحظر
بدأت تظهر أصوات برلمانية تطالب بـ”تجريم خطاب النوع الاجتماعي”، بدعوى أنه “يهدد الهوية العراقية”. ومع غياب تعريف واضح للمصطلح في الخطاب الرسمي، أصبح كل من يعمل على قضايا المساواة، أو يدافع عن حقوق النساء، عرضة للاتهام أو المضايقة.
واصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في 27/7/2023، إعماما متضمنا التوجيه باستعمال مفردتي “الرجل والمرأة”، انسجاما مع الدستور والقيم الدينية والأخلاقية لمجتمعنا العراقي، ومنع استخدام مصطلح النوع الاجتماعي.
وجرى لاحقًا تجميد العديد من البرامج التدريبية التي كانت تنفذها منظمات نسوية بالشراكة مع الجامعات والمؤسسات الدولية. كما توقفت بعض الجامعات عن استخدام المصطلح في المحاضرات والأبحاث، خوفًا من العقاب الإداري أو المجتمعي.
الخوف يُجبر النساء على الصمت
تشير منظمة حقوقية محلية إلى أن أكثر من 70% من المدافعات العراقيات اللواتي كنّ يعملن على ملفات النوع الاجتماعي، قمن بـحذف حساباتهن أو أرشفة منشورات سابقة وبعضهن إلغن أنشطة أو ندوات كان من المقرر تنفيذها.
واخريات غادرن البلاد ،تقول “س. ع”، وهي مدافعة معروفة “لم أعد أشعر بالأمان حتى وأنا أتكلم في ورشة مغلقة. هناك تحريض علني على المدافعات. باتت حياتنا مهددة لمجرد أننا نطالب بالمساواة.”
الباحثة في قضايا الحريات ،س ,ي لا تعتقد ان استهداف خطاب النوع الاجتماعي يتعلق بالمصطلح، بل بمنظومة كاملة من الحقوق، مثل حماية النساء من العنف، ومشاركتهن السياسية، وحق التنظيم المجتمعي… وهذا تقويض واضح للحريات.”
دعوات للحماية والتضامن
منظمات دولية، من بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، أعربت عن قلقها إزاء ما سمته “استهداف ممنهج للمدافعات عن حقوق النساء في العراق”، وطالبت الحكومة العراقية بحماية النشطاء والمدافعات من التهديد والملاحقة. وضمان حرية البحث الأكاديمي والعمل المدني والتراجع عن أي قرارات تُجرّم العمل في مجال النوع الاجتماعي أو التوعية بالمساواة.
ناشطات اخريات تعرضن الى حملة تهديد ممنهجة عبر قنوات التليكرام واضطررن لحذف منشوراتهن على صفحاتهن الشخصية لكن كان يضعب عليهن طلب حذف الاخبار من المواقع الحكومية التي كانت تشارك وتحتضن بعض الانشطة والفعاليات المتعلقة بالنوع الاجتماعي.
“تركونا في مرمى النار دون حماية”وانتقدت عدد من الناشطات والمدافعات والعاملات في مجال النوع الاجتماعي ضعف الاجراءات الحكومية التي سارعت الى استبدال اسم دائرة تمكين المراة الى اس الدائرة الوطنية للمراة ومنعت استخدام كلمة تمكين وغيرت اسماء الاقسام في المحافظات والغت محدات النوع الاجتماعي في المحافظات والتشكيلات الحكومية .
كما ن الموقف الخجول للمنظمات الدولية والمحلية التي طالما صدعتنا بحقوق المراة لم تكن بالمستوى المطلوب ولم تتضامن بشكل يتناسب مع قوة وشراسة الهجمة لذلك وجدنا انفسنا “وحيدات” نواجه مصيرنا المحتم، ففي بلد ما زال يشق طريقه بصعوبة نحو الديمقراطية، لا يمكن بناء مجتمع عادل من دون حماية النساء والمدافعات عن حقوقهن. فالمساواة ليست ترفًا غربيًا، بل شرطٌ أساسي للتنمية والاستقرار وإذا استمرت موجة القمع ضد من يعملن من أجل مجتمع أكثر عدالة، فإن الخسارة لن تكون فقط لهن، بل للوطن كله.