المنار/خلود العامري
تجارب مختلفة أثبتت قدرة شابات عراقيات على المشاركة في عملية التنمية تم تسليط الضوء عليها من قبل مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الإعلام المحلي التقليدي، فتنوعت القصص المختلفة تماماً عما هو سائد في المجتمع وإن كان بعضها متوقعاً.
إحدى تلك التجارب لفلاحة عراقية شابة تدعى حليمة مطشر سوادي التي واصلت عملها بالزراعة بعدما هجرها زوجها وبقيت مع ولدها الصغير، فاستطاعت تطوير إنتاجها من خلال اعتماد الزراعة المحمية وقامت بإنتاج «دايات الخضر» من خلال براعم النبات الزائدة عن الحاجة بهدف الاقتصاد في كمية البذور المستخدمة واختصار الوقت وضمان استمرار الزراعة في شكل متواصل مع ضمان توافر المحصول شتاءً وصيفاً.
أجرت حليمة الفلاحة البسيطة الشابة التجربة على براعم الطماطم من بذور هولندية متسلقة بهدف زيادة المساحة المزروعة في البيوت المحمية على رغم عدم امتلاكها أرضاً خاصة بها، واقتطعت جزءاً صغيراً من مزرعة أخيها وبدأت تجاربها في بيت بلاستيكي، وهي الفلاحة الوحيدة التي تنفذ عملها بنفسها في الديوانية بحسب مديرية زراعة الديوانية. قامت بزراعة الخضروات في بيت بلاستيكي بالاعتماد على الأسمدة العضوية التي تشمل مخلفات الثروة الحيوانية كالأبقار والأغنام والدواجن بدلاً من الأسمدة الكيماوية، معتبرة أن هذا الإجراء يساعد في تنمية المحصول أكثر مع التوفير في استهلاك الأسمدة الكيماوية. كذلك استثمرت أواني الفلين الزائدة عن الحاجة واستخدمتها للزراعة اقتصاداً في كمية التربة التي ترى أننا يتوجب أن نقتصد في استهلاكها وتوفيرها لأجيال مقبلة.
قسم شؤون المرأة في المحافظة ساعدها في الحصول على قطعة أرض ومن ثم الحصول على قرض كي توسع زراعتها فيما منحتها مديرية الزراعة في مدينتها الصغيرة بيتاً بلاستيكياً تشجيعاً لها على عملها الذي طورته حتى باتت حديث أهالي المدينة ومثالاً لفلاحيها الذين بدأ بعضهم يغار من إصرارها ويحذو حذوها.
تجربة أخرى أثبتت فيها شابة عراقية من البصرة إمكاناتها، تدعى سوزان حميد مجيد وتشغل منصب مدير عام شركة. قصة سوزان بدأت حينما دفعت للتخلي عن طفولتها لتتزوج وتصبح أماً وهي في عمر الـ14.
تقول سوزان إنها حينما قامت بتسجيل ابنتها الكبرى في المدرسة وملأت استمارة المعلومات الخاصة بها كتبت في خانة شهادات الأبوين أن الأب يحمل شهادة الدكتوراه والأم شهادة السادس الابتدائي فقالت لها ابنتها: «بعد ست سنوات سأصبح مثلك يا أمي»، وهكذا كان هذا الموقف بمثابة صرخة التغيير في حياتها.
درست الشابة الأم في المنزل وشاركت في امتحانات الطلاب الخارجيين وهي الامتحانات التي يشارك فيها الطلاب الذين فاتتهم سنوات الدراسة ويريدون إكمال دراستهم والحصول على شهادة، وحينما أجرت الامتحانات النهائية في الثانوية كانت حاملاً بابنتها الرابعة ولكنها تمكنت على رغم ذلك من تجاوز الامتحان بنجاح ودخول كلية التربية لتدرس في قسم اللغة الإنكليزية.
عملت سوزان بعد تخرجها في الجامعة مدربة في مجال التنمية البشرية، مستوحية العبر من تجربتها الخاصة. وركزت على تدريب النساء حتى تمكنت من فتح شركة خاصة بها تعمل في مجال التنمية البشرية، لا سيما تنمية المرأة. وكان شعارها الدائم «لا تيأس ولا تقف في مكان معين»، وتوصي سوزان النساء بالاهتمام بتنمية عائلاتهن أولاً والاستفادة من دعم العائلة في تنمية الذات واكتساب مهارات جديدة لاحقاً.
مواقع عدة ووسائل إعلام تقليدية تناقلت قصة امرأة أخرى، لكن هذه المرة الوضع يختلف قليلاً. أماني الموصلية اعتبرها الأهالي نموذجاً رائعاً في تنمية السلم المجتمعي وتعزيزه، تلك الشابة ارتبطت بصداقة وثيقة مع شاب من النجف يدعى أحمد وغابت عنه أخبارها بعد شهور من سيطرة تنظيم «داعش» المتشدد على المدينة ومنعه النساء من الخروج من المنازل.
تواصلت أماني لمدة ستة أشهر مع أحمد قبل أن تنقطع أخبارها لأكثر من عامين، لكن أحمد كان يرسل لها الرسائل ويعدها بأن الأمر سينتهي يوماً وستخرج هي إلى النور مجدداً.
غادرت الشابة الموصلية إلى النجف مع مجموعة من الشبان والشابات لتقدم شكرها على مبادرة أقرانها من النجف الذين زاروا الموصل في العيد ليقولوا لأهلها «كل عام وانتم بخير»، وكان أحمد من بينهم إذ التقاها في الموصل بعد تحريرها من «داعش». وقررت هي أن تكون جزءاً من مبادرة صنع السلام بين المدينتين.
معظم تلك القصص تداولتها مواقع السوشال ميديا أكثر من الإعلام التقليدي وحظيت بمعدل قراءات عالية كشفت أن التركيز على دور المرأة في التنمية المستدامة في تلك المواقع يحظى بالمتابعة أكثر مما لو تم تناولها في الإعلام التقليدي بسبب سرعة التفاعل وإمكانية التعليق على تلك التجارب، على النقيض مما لو ظهرت في تقارير تلفزيونية أو تقارير مكتوبة في المطبوعات.
صفحة «العراق الجديد» هي واحدة من أهم الصفحات على موقع «فايسبوك» التي تهتم بقصص نساء كان لهن دور بارز في التنمية البشرية والتنمية المستدامة، بعضهن بدأ من الصفر وأخريات طورن مهاراتهن تحت ضغط الظروف الصعبة وتمكن من النجاح.
وأطلق الموقع حملة (# عراقيات) التي تلقي الضوء على قصص نساء من مدن عراقية مختلفة وتعرض حكايات لا يتناولها الإعلام التقليدي كثيراً، لكنها باتت محط إعجاب متابعي «فايسبوك»، إذ يحظى الموقع بمتابعة أكثر من مليون و861 ألف متابع بعضهم من الصحافيين والناشطين في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان أو باحثين عن قصص فريدة ومختلفة. التركيز الحكومي على دعم تجارب النساء الشابات يكاد يكون معدوماً، فالأوضاع السياسية والأمنية تطغى على المشهد لدرجة أن مناقشة أية قضية تخص الموضوع كانت لفترة من الفترات بمثابة البطر، وعلى رغم ذلك تبدو تلك التجارب أعمق من أن تختفي.