منار الزبيدي
لم يخطر في بال الطالبة العراقية مارسيل السلطاني ذات الـ 23 عاماً أن رحلة كفاحها الطويلة مع إعاقتها الجسدية ومع تنمّر المجتمع سوف تنتهي أخيراً بحصولها على تكريم خاص من جامعتها لتميّزها وتفوقها العلمي.
ففي مسابقة شاركت فيها 63 جامعة حكومية أهلية ضمن فعاليات “الملتقى الوطني العراقي” التي جرت قبل أيام حصلت مارسيل على تكريم من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالإضافة الى تكريم رئاسة جامعة القادسية بعد أن شاركت بفاعلية ضمن منتخب الجامعة وساعدته على الحصول على المركز الأول في محور التاريخ والتراث.
مارسيل الى جانب عدد من زملائها شاركت في إعداد فيلم وثائقي عن تراث وتاريخ العراق نال التقدير من لجنة التحكيم، وخلال حفل تكريمها الرسمي وصفها رئيس جامعة القادسية الدكتور كاظم الجبوري بانها “مثال وأنموذج يحتذى به على مستوى العراق والوطن العربي فقد كانت موفقة في نقل صورة مشرّفة عن حضارة العراق وشخصية المرأة العراقية”.
تقيم السلطاني في محافظة الديوانية وهي طالبة في المرحلة الاخيرة في كلية التربية، قسم العلوم التربوية والنفسية، تقول إن صديقتها المقربة شجعتها على الانخراط في هذا التخصص الدراسي لكن الداعم الاول والاساسي كان والدها وهو مهندس مدني متقاعد بالإضافة الى تشجيع والدتها واخوتها، ورغم ذلك واجهتها تحديات عديدة وظروفاً قاسية.
عندما كانت مارسيل طفلة أصيبت بضمور العضلات الولادي وخضعت لثماني عمليات جراحية دون جدوى. وعندما التحقت بالمدرسة الابتدائية كانت تسأل أهلها عن سبب اختلافها عن بقية التلميذات، “كنت اتحسس كثيراً لأني لا أتحرك مثلهنّ ولا يمكنني المشي”.
رغم المعاملة اللطيفة من زميلاتها التلميذات كما قالت، الا ان مارسيل قررت ان تترك المدرسة عندما وصلت الى مرحلة الصف الرابع الابتدائي. “كانت رغبتي شديدة بان اكون مثل زميلاتي فطلبت من أهلي أن أترك المدرسة لكن ضغط والدي وإصرارهما حال دون ذلك”.
مع كل سنة نجاح كان أمل مارسيل يكبر خاصة عندما انتقلت إلى المرحلة الدراسية المتوسطة إلا أنها بدأت تواجه تنمراً في مدرستها إلى وصلت إلى الجامعة، “كان بعض الطلاب يعاملني بشفقة أو بشكل مختلف عن الآخرين وبعضهم يستغرب وجودي معه في نفس المكان، لكني لم أتأثر وأكملت مسيرتي العلمية”.
وتتابع: “في كل مرة كنت أسمع فيها عبارات التنمر كنت أقول لنفسي أن صعوبات الحياة أمر طبيعي، واستذكر جهودي والديّ وما قدماه لي من دعم ورعاية فاستجمع قواي وأجتاز المحنة”.
لم تواجه مارسيل التنمر بأن تنكفئ على ذاتها بل استثمرت دراستها الجامعية في مجال العلوم النفسية لتقديم الدعم النفسي والمعنوي للأشخاص المقربين منها وزملائها الذين يشعرون بعدم الثقة بالنفس.
وبسبب تميزها العلمي في مادة الإحصاء أنشأت قناةً على موقع يوتيوب لتساعد زملائها في شرح هذه المادة ، “كانت اضافة معنوية كبيرة بالنسبة لي جعلتني أحظى بتقدير زملائي والطلبة الذين يتابعون القناة”.
وهي تسعى لإنشاء قناة أخرى تقدم من خلالها الارشاد والدعم النفسي والاجتماعي للفتيات من ذوي الهمم “أريد ان أقدم الدعم لهن وأن أصل لكل فتاة في العراق والعالم العربي”.
بالنسبة لمارسيل فان تكريمها من قبل رئيس الجامعة يعني لها الكثير، فقد أثر في نفسها ايجابا وزاد عندها الرغبة في تحقيق إنجازات أكثر بحسب تعبيرها.
مدير قسم النشاطات الطلابية في جامعة القادسية الأستاذ المساعد الدكتور عماد عوده العامري قال للمنصة ان لجنة التحكيم والتقييم المشرفة على المسابقة الوطنية ضمّت حكاماً من العالم العربي ا ضافة الى حكام عراقيين من وزارتي التعليم العالي والتربية اختاروا جامعة القادسية في المرتبة الأولى ضمن محور التاريخ والحضارة.
وضمت المسابقة خمسة محاور وهي محور التنمية المستدامة ومحور خدمة البيئة ومحور تقنية المعلومات ومحور الحوار من أجل السلام ومحور التاريخ والتراث.
وحول تكريم اللجنة لمارسيل يقول العامري ان “اختيارها جاء وفق قناعة تامة بجهودها وتميزها العلمي، فهي شخصية اجتماعية من ذوي الهمم جابهت اصعب الظروف من اجل ان تكمل تعليمها كما أنها تحملت الكثير من الصعوبات في فترة الاستعداد للمسابقة” مضيفاً أن مشاركتها وتكريمها “هو تكريم للمرأة الديوانية والعراقية التي تعمل من أجل خدمة المجتمع والوطن”.
تطمح مارسيل لان تكمل الدراسات العليا في جامعتها لأنها مرتبطة بها روحياً بحسب وصفها، تقول: “أحب الاساتذة والطلبة في القسم لأنهم دعموني كثيراً”.
وتنصح اقرانها من ذوي الهمم، خاصة النساء، بأن “يتقبلن ذاتهن ويبحثن عن مكامن الابداع في داخلهن ويصنعن من أنفسن أملاً يضيء حياة غيرهن”.
م/منصة العراق الاعلامية