إيناس جبار
أثارت قضية الطفلة “بتول ” التي عثر عليها في إحدى مناطق ديالى وهي مرمية في العراء ومنهوشة الأطراف موجة سخط ضد ذويها.
كما أوجدت تعاطفاً كبيراً دفع العديد من العائلات إلى تقديم طلبات إلى المحكمة بتبنيها وضمها، ليستقر بها الحال أخيراً لدى إحدى الممرضات.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أشهر صوراً مأساوية لطفلة حديثة الولادة عاشت بأعجوبة.
في ظروف غير إنسانية بعد أن رماها ذووها قرب أحد البساتين في ديالى لتصبح فريسة للحشرات التي التهمت أناملها.
وتتحدث القاضي أسماء عبد علي رئيس محكمة أحداث ديالى عن الموضوع بالقول إن “قضية الطفلة في ديالى شكلت رأيا عاما كون حالتها مأساوية وتكشف عن غياب الرحمة، إضافة إلى أن وضعها الصحي سيئ للغاية وتعاني من تآكل احد أطرافها لبقائها فترة طويلة في العراء”.
وأضافت عبد علي في تعليق إلى “القضاء” أن “المحكمة خاطبت مستشفى البتول الذي آوى الطفلة وأجابت بأنها أودعت فيه منتصف شهر آب بعد يوم أو اثنين من رميها في العراء”،
لافتة إلى أن “المستشفى أفاد بأن حالتها غير مستقرة وتحتاج إلى البقاء في الخدّج للاعتناء بها”.
وحول التعاطف الشعبي المثار حول تبني الطفلة، قالت إن “عدد الطلبات الرسمية المقدمة للمحكمة بشأن ضم الطفلة بلغت ثمانية”،
مشيرة إلى أن “إيداعها لدى العائلات الراغبة بضمها تأخر حتى أيلول الى ان كتب لها الشفاء التام، ثم تختار المحكمة العائلة التي تتوفر فيها شروط ضمها”.
وعن المسار القانوني لضمّ الأطفال وتبنيهم توضح عبد علي أن “قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 نصّ على أن تقديم الطلب بضم الطفل يكون مشتركا بين الزوج والزوجة، ويجب ان يتمتعا بشروط تتوافق لتربيتها مثل حسن السلوك والسيرة وسلامتهم من الأمراض المعدية والقدرة على الإعالة وتوفير بيئة مناسبة”،
مؤكدة أن “المحكمة تقوم بإجراءات البحث والتقصي عن صحتهم ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي”.
وبشأن مصير الطفلة أفادت قاضية الأحداث بأنه “ضمن الطلبات الفعلية المقدمة كان هناك طلب للممرضة التي اعتنت بها في المستشفى وكون المحكمة وقانون رعاية الأحداث يضمن مصلحة الصغير فأن أي قرار للضم يجب أن يصب لصالح لطفل وبعد التحقق من الطلبات المقدمة فأن وضع الممرضة كان الأنسب من حيث العناية الصحية والمادية والسلامة والقدرة على الإعالة ولاسيما أنها لا تملك ابناء وتم تسليمها لها ولزوجها خلال شهر تشرين الأول بقرار ضم مؤقت لمدة 6 أشهر وفق المادة 39 من القانون وهو قابل للتجديد بعد ان يتحقق البحث من الرعاية الاجتماعية”.
وعن هويتها ووضعها القانوني أجابت بأن “هذه الطفلة تعتبر مجهولة النسب والقانون يمنحها جنسية عراقية بديانة مسلمة”. ولفتت إلى أن “قانون رعاية الأحداث يعطي قرارات الضم بشكل مؤقت لحين التأكد من القدرة الكاملة لرعاية الأطفال ومدى انطباق الشروط فإذا كانت هناك مخالفة لشروط القانون فيصار إلى سحب الطفل”. وحول أحقية الطفل المتبنى بالميراث قالت إن “المادة 43 من القانون تنص على انه يمكن أن ترث الانثى والولد من التركة بعد إصدار قرار الضم الدائمي”.
وترى عبد علي أن “طلبات الضم وبحث العائلات عن أيتام أو مجهولي النسب ظاهرة ايجابية تدعم التكافل الاجتماعي وتفيد بأن هذه الطلبات في تزايد لدى محاكم الإحداث”،
لافتا إلى أن “فرقا بين مصطلحي الضم والتبني، فالأخير غير موجود في القانون العراقي الذي اكتفى بمصطلح الضم ربما لأنه أكثر إنسانية ومودة من لفظة التبني”.
ولمزيد من الإيضاح القانوني حول ضم الأطفال تحدث القاضي ضاري عن أن “قانون رعاية الأحداث تضمن العديد من الالتزامات التي تترتب على طالبي الضم تجاه الطفل وهي الإنفاق على الصغير إلى أن تتزوج الأنثى أو تعمل، والى أن يصل الغلام الحد الذي يكسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علم أو عاجزا عن الكسب لعله في جسمه علة أو عاهة في عقله”.
مؤكدا أنه “في هذه الحالة يستمر الإنفاق عليه لحين حصول طالب العلم على الشهادة الإعدادية كحد أدنى او عند بلوغه السن التي تؤهله للحصول عليه، أو حتى يصبح العاجز قادرا على الكسب والإيصاء للصغير بما يساوي حصة أقل وارث، على ألا تتجاوز ثلث التركة، وتكون واجبة ولا يجوز الرجوع عنها”.
وبحسب رأي القاضي فالتبني في الإسلام “غير جائز، إذ لا يجوز التبني لمعلوم النسب، والقانون المدني العراقي لم يرد فيه نص يحدّد مفهوم التبني بشكله المعروف كما في قوانين الدول الأخرى وبالأخص الأوروبية، وسبب ذلك -كما يقول- لأن القانون المدني العراقي جاءت معظم أحكامه من الشريعة الإسلامية”.
ورأى في حديث إلى “القضاء” أن “القانون المدني العراقي عالج مسألة البنوة الشرعية والولاية وسائر الواجبات ما بين الآباء والأبناء والأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية وحالة اللقيط، وهذا كله يتعلق بمسألة الجنسية العراقية”. ويؤكد أن “التبني في الإسلام غير وارد إلا انه في الحياة الاجتماعية يلجأ بعض الناس إليه عن طريق قرار الضم الصادر من المحاكم”.