تقول كباشي :
في مواجهة جائحة كوفيد 19 للحد من مخاطر العدوى، قامت الحكومة بفرض حظر التجوال والحجر المنزلي، الأمر الذي زاد من الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية على الأسرة العراقية، انعكس في ازدياد حالات العنف، حيث تواتر ارتكاب جرائم بشعة داخل الأسرة، أغلب ضحاياها من النساء والأطفال، أثارت موجة عارمة من الإدانة في المجتمع العراقي، والمطالبة بالتسريع بإصدار قانون مناهضة العنف الأسري.
٢٠٠٥دقت منظمات المجتمع المدني جرس الإنذار لخطر تنامي مستويات العنف ضد المرأة والعنف الأسري، فشكلت الحكومة العراقية في 2010 فريقا وطنيا في إطار وزارة الدولة لشؤون المرأة ضم جهات حكومية وممثلي منظمات غير حكومية ومختصين بالقانون، تمكنوا بعد سنتين من صياغة مسودة قانون (الحماية من العنف الأسري)، التي قدمت إلى مجلس شورى الدولة، فنام في أدراجه ثم اختفى في كواليس الحكومة، حتى إحالته إلى مجلس النواب في بداية 2015، حيث تمت قراءته مرتين لكنه لم يقدم للتصويت، فضاعت فرصة أصداره أنذاك. والآن تتجدد المطالبات المجتمعية بضرورة تشريعه.
على مدى سنوات عديدة، بادرت شبكة النساء العراقيات ومنظمات المجتمع المدني بتنظيم حملات المدافعة وكسب التأييد لتشريع القانون المذكور. بالعمل مع المؤسسات الحكومية ومجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى، وممثلين للمؤسسات الدينية، ومنها المرجعية العليا في النجف الأشرف، وكذلك وسائل الاعلام، بتنظيم العديد من ورش العمل واللقاءات التي خلقت حوارات ساخنة وعميقة لنصوص مشروع القانون، تمثل في الوصول الى صيغة توافقية في أيار 2017 حملت عنوان:”مشروع قانون مناهضة العنف الأسري”، الذي استهدف توفير الحماية والتأهيل للضحايا والوقاية وعدم افلات مرتكبي جرائم العنف الأسري من العقاب.
مع بداية الدورة البرلمانية الحالية 2018- 2022، أعلن العديد من المؤسسات الرسمية مساندتها لتشريع قانون العنف الأسري، بالأخص مبادرة رئاسة الجمهورية بصياغة مشروع قانون مناهضة العنف الأسري، وإحالته الى مجلس النواب في أيلول 2019. كما قامت الأمانة العامة لمجلس الوزراء في نهاية العام الماضي بتقديم مشروع قانون الحماية من العنف الأسري لحكومة تصريف الأعمال، الذي ينتظر الموافقة عليه ورفعه إلى مجلس النواب. يمكن القول ان كلا المشروعين تضمنا العديد من نقاط القوة، وتبنيا الكثير من وجهات نظر المجتمع المدني، واقتربا كثيراً من المعايير الدولية الخاصة بقوانين العنف الأسري، مما يعكس فهماً متزايداً لخطورة هذه الجرائم على أمن واستقرار العائلة والمجتمع.
قمنا في شبكة النساء العراقيات بدراسة معمقة لمسودتي القانون، طرحنا خلاصتها في ورقة تضمنت مقترحاتنا لمشروع القانون المرتقب. أشير إلى مسألة جوهرية تتعلق بهدف القانون بالحد من جرائم العنف الأسري وحماية ضحاياها ومعاقبة مرتكبيها، وتجريم أفعاله، الأمر الذي يستلزم إدراج تعريف واضح ومحدد لأشكال العنف الأسري وصورها على سبيل المثال لا الحصر، كالعنف الجسدي والجنسي والاقتصادي والنفسي، مما يسهل تحديد العقوبة لكل جريمة منها. وتحقيق الغاية من إصدار هذا القانون وقابليته للتنفيذ، بما يتماشى مع أحكام الدستور النافذ والتزامات العراق الدولية في اتفاقيات حقوق الإنسان. نضيف إلى ذلك، ان إدراج عقوبات محددة لجرائم العنف الأسري في قانون خاص، سيفتح الباب لتعديل قانون العقوبات العراقي الذي مضى على تشريعه أكثر من نصف قرن، ويحتاج إلى مراجعة وتعديل العديد من نصوصه، التي تشكل تمييزاً فاضحاً ضد النساء.
ان مكافحة العنف الأسري هي مسؤولية جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ينبغي أن يتجسد ذلك في متن القانون، بالتأكيد على دور منظمات المجتمع المدني المعنية ووسائل الاعلام، في مشاركتها في رسم السياسات ووضع برامج التوعية والتأهيل، وفي ادارة المراكز الآمنة وتدريب وبناء قدرات العاملين على تقديم الخدمات لضحايا العنف الأسري.
نجدد اليوم دعمنا للجنة المرأة والأسرة والطفولة لإنجاز تشريع القانون، ونتطلع إلى دور موحد ونشيط لعضوات اللجنة في التنسيق والعمل المشترك مع اللجان، وبشكل خاص اللجنة القانونية ولجنة حقوق الإنسان، إضافة إلى رئاسة مجلس النواب، لكسب تأييد الكتل السياسية وأعضاء المجلس لسن القانون. أننا مدركات من خبرتنا الماضية ان العمل ليس سهلاً، لاسيما مع غلبة الفكر الذكوري لدى بعض أعضاء المجلس، إلا أن الظروف الموضوعية الراهنة الأمنية والاجتماعية والمادية خاصة والمطالبة الشعبية الواسعة تدفع نحو تشريع هذا القانون.
لقد تخلف العراق عن مجاراة محيطه العربي والإقليمي في تشريع قانون خاص لجرائم العنف الأسري، وهو ما حصل في الأردن ولبنان والبحرين والسعودية ومصر وتونس والجزائر، ناهيك أن حكومة إقليم كردستان العراق قد شرعت قانون مناهضة العنف الأسري منذ العام 2011.
وأخيراً، أن تحقيق الأمن والسلام في مجتمعنا متلازم تماماً مع مكافحة كل أشكال العنف الأسري وحماية الضحايا وإنصافهم.