سارة القاهر
منذ كان عمرها 11 عاماً أجادت “ماريا” إعداد أصناف متنوعة من المأكولات البغدادية، ولطالما راودها حلم بامتلاك مطعم خاص إلى أن تمكنت قبل أشهر من تحقيق هذا الحلم لوقت قصير، قبل أن تقرر أمانة بغداد إزالة المطعم.
قرار الهدم هذا كان سبباً في شهرة الصبية ذات السبعة عشر عاماً، ودفع زبائن وأصحاب مطاعم وجمعيات غير حكومية للتضامن معها كي تتابع طريقها.
مظلّة “مخالفة للقانون”
خلال السنوات الماضية اعتادت ماريا التي ما تزال طالبة في المرحلة الإعدادية، على بيع بعض الأكلات الرخيصة إلى طلبة الكليات في باب المعظم في بغداد، فكانت تنهي حصتها المدرسية الأخيرة ثم تتوجه إلى عملها.
ضيق الحال لم يكن ليسمح لفتاة من أسرة فقيرة أن تفتتح مطعماً خاصاً بها في العاصمة، حتى ولو كان بسيطاً، ومن أجل تحقيق هذا الهدف بحثت ماريا في مختلف السبل الممكنة، إلى أن قررت نصب مظلة صغيرة في سوق شعبي في بغداد تتخذ منها مكاناً لإعداد الساندويتش والوجبات الخفيفية.
استمرت ماريا على هذا الحال بضعة أشهر لكن أمانة بغداد اعتبرت نصب المظلة مخالفاً للقانون وأمرت بإزالتها، فعادت ماريا لتبحث عن سبل جديدة لمواصلة العيش.
“صرت أطبخ في المنزل وأروج لأطباقي بطرق شتى” تقول الطباخة البغدادية، وتتابع “بعد فترة تمكنت من فتح مطعم شعبي صغير لم يكلفني الكثير من المال في منطقة باب المعظم فشعرت أخيراً بأني وضعت قدمي على الطريق الصحيح”.
كانت ماريا فرحة ومسرورة بتحقيق حلمها البسيط، ولم تكن تصدق نفسها وهي ترى موائد المطعم ممتلئة والناس يتذوقون طعامها بإعجاب ويدفعون لها المال.
وبالرغم من وجود عشرات المطاعم في بغداد تديرها نساء، لكن قصة كفاح ماريا مع الفقر ولذّة الطعام الذي كانت تقدمه للزبائن إضافة الى البشاشة وحسن الاستقبال الذي تلقاهم به جعل منها واحدة من مشاهير العاصمة في وقت قياسي.
“كنت أقدم خمسة أصناف من الطعام للزبائن وقت الغداء، ولقي مطعمي إقبالاً جيداً، وكتبت عني أكثر من صحيفة وموقع إخباري”.
لم يدم هذا السرور طويلاً، إذ بعد فترة وجيزة، في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي جاءت آليات أمانة بغداد وهدمت المطعم وسط ذهول الفتاة التي رأت أحلامها تذهب أدراج الرياح.
وتوضح ماريا أن أن افتتاح مطعمها أتى بالتزامن مع حملة كبيرة أعلنت عنها أمانة بغداد لرفع التجاوزات عن الأملاك العامة وأن سبب الهدم هو أن المطعم يقع على أرض مملوكة للدولة، وتؤكد أنها لم تكن على علم بذلك. تقول: “شعرت بالمرارة الكبيرة عندما هدموا مطعمي.. وبأن لا فائدة من المزيد من المحاولات”.
وتتابع أن “الجهات الحكومية لم تطرح بدائل لإزالة التجاوزات فأمانة بغداد لم تعوض أصحاب البسطات والاكشاك والمحال الصغيرة التي قامت بهدمها، في وقت تعاني فيه العديد من طبقات المجتمع من الفاقة والفقر”.
جمعية الطهاة تعيد الأمل
لم يكن أصحاب المطاعم المجاورة يرون في ماريا منافسة لهم، بل على العكس، كانوا يعاملونها بود ويتعاونون معها قدر المستطاع.
وعلى الرغم من الانتكاسة التي حلت بالفتاة جراء هدم المطعم، إلا أن تعاون أصحاب المطاعم المجاورة والعروض الكثيرة التي قدموها لها للعمل في مطاعمهم، خففت من صدمتها وأعانتها على تجاوز الوضع بحسب قولها.
التضامن لم يقتصر فقط على هؤلاء. كان الأمر محض صدفة، حين قرر رئيس “جمعية الطهاة” وعدد من أعضاء الجمعية تناول الغداء في مطعم “ماريا”، للتعرف عليها وضمها الى هذه الجمعية المستقلة التي تعنى بالطهاة، والتي تعمل على تمويل نفسها بنفسها وبجهود ذاتية يبذلها أعضاؤها.
يقول رئيس جمعية الطهاة محمد سوادي، “كانت المفاجأة كبيرة، إذ حين وصلنا الى المطعم كانت أمانة بغداد قد سبقتنا الى هدمه”.
يؤكد سوادي، “رغم أني لا أشجع على التجاوز، ولكن من غير الممكن إزالة المطعم من دون تقديم بديل له، لهذا قررت مع أعضاء الجمعية مساعدة صاحبة المطعم بما هو ممكن”.
ويواصل سوادي “استعنت بأصحاب المطاعم المجاورة للحصول على رقم هاتف الفتاة، واتصلت بها ودعوتها للحضور الى الجمعية لتقديم المساعدة”.
وأشار إلى أنه “حين حضرت الفتاة الى الجمعية اخبرتها بانه تم توفير “بوث” متنقل وانه سيتم افتتاح “البوث” بعد اسبوعين وسيكون براند (Brand) باسم ماريا، وستطلق تسمية عليه باسم بركر ماريا”.
تقول ماريا إن التضامن الذي لاقته من أصحاب المطاعم الأخرى ومن الزبائن، وأخيراً من جمعية الطهاة، فاجأها، وجعلها تستعيد الأمل مرة أخرى بإمكانية تحقيق حلمها.
لكن أكثر ما أسعدها هو أن “الجمعية ستدخلني دورات خاصة، وستقوم بإرسالي الى الخارج للتعليم والتدريب، وهذا جزء من الواجبات والالتزامات التي تعمل الجمعية على تقديمها خدمة للطاهيات والطهاة العراقيين”.
م/منصة العراق الاعلامية