في مجتمعات ما زالت تتقاذفها أمواج التقليد والجهل لا تزال المرأة تدفع أثماناً باهظة لأدوار بيولوجية لا تملك فيها حولاً ولا قوة ومن بين هذه الأثمان تبرز “وصمة الاناث” وهي ظاهرة اجتماعية قاسية تحول نعمة الإنجاب إلى نقمة وتُلقي بظلالها على حياة نساء كثيرات خاصة في مناطق مثل العراق حيث تتعرض الأم للعنف الجسدي واللفظي لمجرد أنها أنجبت انثى بدلاً من الذكور هذا المقال يسبر أغوار هذه الظاهرة محاولاً الإجابة على السؤال المؤلم: لماذا تُعنّف النساء جسدياً ولفظياً بسبب إنجاب الاناث.
تكمن جذور المشكلة بنظرة تاريخية واجتماعية،حيث تعتبر انعكاساً لموروثات ثقافية عميقة الجذور تُعلي من شأن الذكر وتقلل من قيمة الأنثى ففي العديد من المجتمعات بما فيها العراق ينظر الى الولد على انه السند والعزوة والقوة الاقتصادية والمركز الاجتماعي في المقابل تنظر إلى الأنثى على أنها “عبء” اقتصادي هذه التصورات الخاطئة والتمييزية والتي تتجذر في تفسيرات خاطئة للدين أو العادات والتقاليد البالية تشكل أرضا خصبة للعنف ضد المرأة.
وتتخذ وصمة البنات أشكالاً متعددة من العنف لا تقتصر على الضرب والإيذاء الجسدي بل تمتد لتشمل الإيذاء النفسي واللفظي الذي قد يكون أشد فتكاً،حيث توجه إلى المرأة سيل من الاتهامات والتوبيخات والشتائم التي تُحمّلها مسؤولية إنجاب الاناث وعبارات تحفر في نفس المرأة وتدمر ثقتها بنفسها وتُشعرها بالذنب والعار وفي بعض الحالات يتجاوز الأمر حدود اللفظ ليتحول إلى ضرب مبرح أو حرمان من الطعام أو الإهمال الصحي أو حتى الطرد من المنزل وهذا العنف يُخلف جروحاً ظاهرة ومخفية وقد يُهدد حياة المرأة في بعض الأحيان.
وتعاني المرأة من العنف النفسي والاجتماعي حيث تعيش تحت ضغط نفسي هائل خوفاً من المزيد من العنف أو الطلاق وتُعاني من العزلة الاجتماعية في بعض الأحيان حيث قد تنتقل إليها “وصمة” عدم إنجاب الذكور من المحيطين بها وقد يصل الأمر إلى الزواج بامرأة ثانية أو ثالثة بحثاً عن “الولد”، مما يُشكل عبئاً إضافياً على الزوجة الأولى وكرامتها.
إن تداعيات هذا العنف لا تقتصر على المرأة المعنفة ووحدها بل تمتد لتُصيب نسيج الأسرة ويعيق تقدم المجتمع ككل.
ولكسر حلقة “وصمة الاناث” يتطلب جهود مُتضافرة من جميع أطراف المجتمع ويجب تعزيز الوعي بأن نوع المولود تحدده العوامل الوراثية لدى الرجل وليس للمرأة أي دخل في ذلك كما يجب نشر الوعي بالحقوق الأساسية للمرأة وأنها كائن مكرم بغض النظر عن جنسها وكذلك يجب أن تكون هناك قوانين رادعة تُجرّم العنف الأسري بكافة أشكاله وان تساهم منظمات المجتمع المدني دوراً حيوياً في توفير الملاذ الآمن للنساء المعنفات وتقديم الدعم النفسي والقانوني لهن.
كما يجب أن يُسهم الإعلام في تسليط الضوء على هذه الظاهرة بشكل مسؤول وتقديم النماذج الإيجابية للآباء الذين يُقدرون بناتهم، وتعزيز ثقافة الاحترام والمساواة.
“إنهاء “وصمة الاناث” ليس مجرد قضية حقوق للمرأة بل هو ضرورة مجتمعية وإنسانية لبناء أسر متماسكة ومجتمعات مزدهرة تعيش في سلام وعدل حيث تُقدّر كل نفس بشرية بقيمتها الحقيقية بعيدًا عن جنسها أو نوعها”.