المنار /منار الزبيدي
بسبب مرض جلدي رافقها منذ ولادتها تعتزل الطفلة حوراء العالم ولا تراه إلا من ثقب صغير في باب دارهم الطينية الواقعة في إحدى قرى الديوانية، فهي تخشى سخرية الأطفال وهجومهم عليها فيما لو حاولت الخروج.
تعتكف حوراء مسلم التي لم تتجاوز ربيعها الثالث في غرفة مغلقة وتقضي معظم وقتها في التحدث مع دميتها في أحد أركان باحة المنزل الوسطية، إذ أن تلك الدمية هي صديقتها الوحيدة التي تلجأ إليها عندما تصيبها نوبات الحزن وعند حاجتها للعب مع الأطفال في عمرها.
يقع منزل حوراء او كما يلقبها الأطفال في الحي بسخرية “الغوريلا” في قرية واحد حزيران في قضاء الحمزة الشرقي التابع لمحافظة الديوانية (180كلم) جنوب بغداد وهو منزل طيني تقطنه عائلتها المتواضعة الفقيرة.
الطفلة التي تملك جلدا مغطى بالشعر باللون الأسود يحيط معظم رقبتها وظهرها وصدرها لا تخرج مع أقرانها لأنهم يخافون منها ويهربون وأحيانا يؤذونها وكثيرا ما تتعرض للاستهزاء ثم تعود الى المنزل حزينة باكية وهي تعتمد على شقيقتها الوحيدة رقية في الدفاع عنها.
دنوت منها وقلت لها اذهبي والعبي معهم لكنها رمقتني بنظرة غضب وهربت مهرولة الى داخل المنزل وفي لحظات خرجت شقيقتها الكبرى صارخة من عند باب الدار “من سبب الأذى لشقيقتي” وحينما تحدثنا اليها عرفت اننا لم نفعل شيئا لكن فقط طلبنا من الصغيرة ان تشارك اقرانها اللعب.
تقول رقية التي تبلغ من العمر سبع سنوات وهي طفلة طبيعية “في أكثر الأحيان ابكي ويصيبني الحزن الشديد لأني لا أستطيع اصطحاب أختي عندما اخرج للهو او لزيارة صديقاتي خوفا على مشاعرها”.
في يوم من الأيام وخلال فصل الصيف ذهبت الشقيقتان الى محل قريب لشراء المثلجات وبعد وصولهن بثوانٍ هجم عليهن بعض الأطفال بالحجارة وهم يصيحون “انها الغوريلا خرجت لتأكلنا”.
تقول رقية “أصابني الذهول ولم اعرف كيف أتصرف لكن البائع تدخل وأنقذنا في الوقت المناسب كان ذلك من اسوأ المواقف التي مررت بها ومن يومها قررت أن أحافظ على حوراء وان لا اصحبها معي إلى أي مكان”.
ولدت حوراء بشامة عملاقة عبارة عن جلد اسود وشعر كثيف قاتم السواد غطى ظهرها وكتفيها ورقبتها وجزء من صدرها وكانت تصرخ وتبكي خاصة في ايام الصيف اللاهبة من دون ان يعرف أهلها أن سبب بكائها هو الحكة الجلدية التي تسببها تلك الشامة.
وعندما بلغت عامها الثاني رافقتها والدتها الى الطبيب المختص الذي أخبرها بان طفلتها مصابة بحالة مرضية جلدية ووصف لها بعض العلاجات المهدئة المؤقتة للتخفيف من حساسية جلدها الرقيق كما اخبرها بان معالجة الطفلة تحتاج إلى إمكانيات طبية عالية خارج العراق بحسب والدة حوراء التي كانت تستدين المال لغرض المراجعات الطبية لصغيرتها.
وتكمل الأم حديثها لـ”نقاش” ان “وضعنا المادي صعب للغاية فزوجي رجل كبير في السن ووضعه الصحي حرمه من العمل بعد ان عاد من أسره خلال الحرب العراقية الإيرانية كما ان ما تتقاضاه أسرة حوراء من راتب تقاعدي لا يكفي لمعيشتهم سوى لأيام معدودة”.
ترتدي حوراء الملابس السميكة ذات الأكمام الطويلة مع حجاب مسدل بدلا عن الفساتين الجميلة الزاهية التي ترتديها الصغيرات عادةً بسبب نظرة الآخرين وأسئلتهم المزعجة.
“عندما ترافقني ابنتي الى السوق او الى مراجعة الطبيب وأي مكان آخر فإنها تصر على ارتداء الحجاب والملابس السميكة ذات الاكمام الطويلة والا فإنها تفضل البقاء في المنزل لأنها لا تشعر بالارتياح وتحاول ان تتخفى تحت عباءتي” تقول الام.
وتضيف لـ”نقاش” أن “كل من يشاهد صغيرتي يقول بسخرية واستغراب هذه غوريلا صغيرة وفي المدة الأخيرة أصيبت حوراء بالكآبة والانطواء إذ يأخذني التفكير بها بعيدا إلى اليوم الذي ستدخل فيه المدرسة وتعيش طفولتها كبقية الأطفال لكن للأسف كلما كبرت زاد الأمر سوءا”.
ويبدو أن حوراء ليست الحالة الأولى في المحافظة فهناك حالتان مشابهتان سجلتا لدى عيادة الدكتور الاختصاصي في الأمراض الجلدية نبيل الحمزاوي الذي أكد لـ”نقاش” أن حوراء مصابة باختلال خلقي ولادي وان الشامة او الخال الظاهرة في جسدها هي من النوع العملاق وتسمى بالشامة العملاقة أو “وحمة الميلامين” وهي تقع في وسط جسدها.
وأضاف أن “الطفلة بحاجة إلى إجراء عمليات جراحية متعددة ومرحلية يشرف عليها فريق طبي متخصص في الجراحة والتجميل والجملة العصبية بالإضافة إلى طبيب أطفال وجلدية وأهمها طبيب نفسي لتلافي تعرضها لازمة نفسية قبل العمليات وبعدها”.
حوراء ذات السد النحيف في مرحلة عمرية لا تسمح بإخضاعها في الوقت الحالي لعمليات جراحية مرحلية فهي لا تتحمل إجراء عمليات الترقيع الجلدي واخذ الخزع كما ان الشامة تغطي عمودها الفقري والحبل الشوكي وجزء من رأسها وهناك احتمال ظهور اورام وشامات صغيرة في مناطق اخرى متفرقة من الجسم وفقا للحمزاوي.
واضاف لـ “نقاش” ان هناك متغيرات عديدة غالبا ما ترافق نمو الشامة العملاقة بمرور الزمن أبرزها كثافة الشعر ونموه وظهور تليفات واورام جلدية في المحيط الداخلي لمنطقة الشامة وقد تشمل الأورام الأعصاب الحسية والطبقات الشحمية للجلد و لا يمكن معالجتها بالليزر لأنه لا ينفذ إلى داخل الطبقات الشحمية والخلايا التي نمت بشكل غير طبيعي والليزر قد يكون مفيدا لإزالة الشامات ذات الأحجام الصغيرة.
وبحسب الحمزاوي فان حوراء تحتاج في الوقت الحالي الى مراقبة ومتابعة وضعها الصحي خوفا من تطوره وتحوله الى (الميلانوما) سرطان الخلايا الصبغية وهو من أخطر انواع سرطانات الجلد كما أن إمكانية حصوله في هذه الحالات يشكل نسبة 5-10 بالمائة تقريباً.
وحتى تحين اللحظة التي تبلغ فيها حوراء عمرا مناسبا لإجراء العملية تبقى تنظر الى العالم الخارجي والى اقرانها وهم يلعبون من ثقب باب صغير فلا رفيق لها سوى دميتها ولا أحد يدافع عنها غير شقيقتها رقية.