مازالت المرأة المطلقة تُواجه عقوبات غير مكتوبة، لكنها شديدة الوطأة فبمجرد إعلان الطلاق، تدخل المرأة في دائرة من الوصم الاجتماعي و التمييز الأسري، والإقصاء المهني، وأحيانًا كثيرة تتعرض للعنف،كل هذا في ظل قوانين لا توفر الحماية اللازمة، ومؤسسات حكومية وغير حكومية عاجزة عن تأمين حياة آمنة وكريمة للنساء بعد انفصالهن الا ما ندر، ففي العراق، لا ينظر إلى الطلاق كحق شرعي و قانوني مشروع للطرفين، بل يُعامل في كثير من الحالات كـ”وصمة” خاصة على المرأة، إذ يُحمّلها المجتمع غالبًا مسؤولية فشل الزواج، سواء كانت الضحية أو حتى صاحبة قرار الانفصال.
تقول زينب الساير (22 عامًا) من محافظة كربلاء، وهي مطلقة وأم لطفلين:منذ طلاقي، لم يزرني عدد من أقاربي خاصة وان طليقي من اقربائي والاكثر مرارة من ذلك هو ما تعرضت له في مكان عملي، فقد أصبحت أسمع تعليقاتقاسية بشكل غير مباشر بالبعض من زملاء العمل يعتبرون وجودي تهديد لنساء أخريات” لم أعد اشعر باني مرحبًا بي حتى في بيت أهلي.”
عقوبات اجتماعية
تواجه المطلقات في العراق جملة من “العقوبات الاجتماعية” ابرزها التشهير أو الإشاعة وغالبا ما تنطوي على اتهامات أخلاقية تستهدف المرأة في سمعتها الشخصية بالاضافة الى الحرمان من حضانة الأطفال في بعض الحالات، أو ممارسة الضغط عليها للتخلي عنهم بمقابل حصولها على الطلاق،وهناك ايضا ما تتعرض له من تمييز سلبي في مكان العمل أو صعوبة الحصول على وظيفة ناهيك عن ما تتعرض له من عنف اسري من قبل ذويها وقد تواجه ايضا” العزل الاجتماعي” حتى من أقرب الصديقات وهناك من تمنع من السكن المستقل أو التنقل بحرية خوفًا من نظرة “الناس” وهناك ثغرات قانونية لا تحمي المراة المطلقة مثلا حضانة الأطفال تسقط عنها بمجرد زواجها من رجل آخر وتسحق اغلب المطلقات من قبل ازواجهن في سبيل الحصول على النفقة التي تاخذ وقتا طويلا بسبب التسويف والمماطلة والحيل الملتوية اضافة الى ما تتعرض له من التشهير و الإيذاء النفسي .
اثار نفسية واجتماعية
تقول الباحثة النفسية ابتسام المحنة ان عدد من النساء المطلقات يعانين من الاكتئاب واضطرابات القلق وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالذنب وهناك من تقرر الانسحاب من الحياة الاجتماعية والتعليمية ولا يخلو الامر من استغلال البعض منهن تحت غطاء المساعدة مما يفاقم اوضاعهن النفسية سوءً اضافياً
تروي نهلة قيس (28 عامًا)، من محافظة بغداد قصتها لمنصة المنار نيوز :بعد طلاقي، تلقيت عروضًا غير محترمة من رجال يستغلون وضعي المادي والنفسي “جميع من قابلتهم كانوا يعتقدون اني المرأة التي يجب ان تستغل جسدياً”حتى وصلت الى مرحلة الانهيار العصبي عندما تعرضت في احدى المرات محاولة اعتداء جنسي من قبل احد الرجال الذين خدعني بعدما اوهمني بزيارة مقر عمله لتقديم المساعدة.
وتكمل : لم استطع ان اخبر اسرتي بما تعرضت له فهم بالكاد تقبلوا امر طلاقي،وفي نفس الوقت كان الصمت والتحمل مرير بالنسبة لي فمازلت مشاهد اللمس المقززة تدور في رأسي وترهق روحي كلما تذكرتها هدمت من الداخل.
احتاجت نهلة الى مدة طويلة خضعت فيها الى علاج نفسي لتخطي الازمة النفسية التي مرت بها والتي تعرضت بسببها الى وضع صحي سيء كادت ان تفقد حياتها لولا مساعدة شقيقتها الكبرى التي احتضنتها وخففت عنها وقدمت لها الرعاية النفسية والصحية المطلوبة”لولا مساعدة شقيقتي لفقدت حياتي الى الابد”ولما استطعت تخطي الصدمة والبدء من جديد.
على الرغم من وجود بعض النصوص القانونية التي تنص على حماية المرأة، إلا أن تطبيقها ضعيف واحيانا يكون مزاجي.
فالعرف والعشيرة يؤثران بشكل اكبر من النصوص القانوينة كما ان المؤسسات الداعمة قليلة وغير ممولة بما يكفي وصلاحياتها محدودة بموجب القانون،كما تشير الباجثة في مجال حقوق المرأة فريال الكعبي.
وتقترح الكعبي التوعية بان الطلاق حق شرعي وقانوني وقد يكون بداية جديدة للطرفين ونهاية لحياة غير سعيدة يدفع ثمنها طرفي العلاقة الزوجية ولان الخيارات مطروحة امام الرجل في تعدد الزوجات فسيكون من الافضل انفصال الزوجة في حال استحالة اكمال الزواج بعد توفر الظروف التي يعتقد الطرفين بانها تستوجب الانفصال.
وتوصي ايضا بضرورة تعديل القوانين الخاصة بالنفقة والحضانة لتصبح أكثر عدالة مع ضرورة تجريم الإساءة اللفظية والتشهير بالمطلقات سواء كان من قبل الأفراد أو وسائل الاعلام المختلفة التي تحاول دائما تكريس الصورة النمطية تجاه هذه الفئة من النساء، وتؤكد الباحثة على ضرورة إنشاء مراكز دعم نفسي واجتماعي ومهني للمطلقات،منوهة الى اهمية تتجريم الخطاب التمييزي الذي يستهدف المطلقات من قبل البعض.
أن تكوني “مطلقة” في العراق، يعني أنكِ متهمة بالعصيان الزوجي حتى تثبتي العكس، ومذنبة حتى لو كنتِ ضحية،ان معاناة المرأة لا تنتهي بالانفصال عن زوجها بل تبدأ حين تنفصل، لانها ستواجه الجميع كونها المتمردة على زوجها .