علي الناصري
موسم الشتاء على الأبواب و”أم جاسم” منهمكة في تجهيز أسماك “المسموطة” المجففة تعرضها على طاولة خشبية في أحد الأسواق الشعبية وسط مدينة الناصرية.
تتنوع أسماك “أم جاسم” بين “القطان” و”السمتي” و”الحمري” و”الشلك” و”الشانك” و”الخشني” و”البياح” و”البجبج”، ويتنوع زبائنها أيضاً القادمين من مختلف المحافظات العراقية الجنوبية.
تقول أم جاسم إنها سعيدة بعملها على مدار 30 عاماً، فقد مرت على معظم أسواق المدينة متنقلة من سوق لآخر حتى صارت معروفة لدى أهالي المنطقة.
وتضيف: “استقريت مؤخراً في سوق الهرج كونه سوق شعبي مجاني لا يتطلب مني أن أدفع إيجار مكان البسطة، وترتاده أعداد كبيرة من الزبائن”.
أيقونة
مهنة تجفيف الأسماك واحدة من المهن التقليدية في أسواق الناصرية، يعرض أصحابها الأسماك على حبال وألواح تحت أشعة الشمس لتحافظ على جفافها وتكون جاذبة للمتبضعين، إلا أن أم جاسم بحسب وصف أحد الزبائن مازالت “أيقونة لبيع المسموطة” كونها تتفنن بصناعتها.
بحسب أم جاسم فإن تجفيف الأسماك ليس بالعملية السهلة فهو يمر بمراحل متعددة تتراوح مدتها من أسبوع إلى أسبوعين وتحتاج الخبرة في ذلك.
تتحدث أم جاسم عن طريقتها بالعمل قائلة: “أقوم بتنقيع الاسماك بالماء والملح ليلة كاملة بعد تنظيفها بالكامل وفي اليوم التالي أقوم بتعليقها على حبل فوق سطح المنزل بمساعدة أبنائي لتواجه أشعة الشمس وتجفّ بالكامل”، ثم تتكلم عن “لمسة” ماهرة لدى كل شخص في تقدير إن كان السمك جاهز للبيع أم لا وتطلق ضحكة تعبر عن سعادتها بإتقان “سر المهنة”.
طعم يستحق
أسعار الأسماك المعروضة لدى هذه السيدة تتراوح بين ألفي وعشرة آلاف دينار عراقي للسمكة الواحدة كونها تشكل قيمة غذائية مهمة للأهالي خلال موسم الشتاء والمناسبات الاجتماعية، لكن بحسب زبائن أم جاسم فإن “طعم المسموطة يستحق”.
صناعة وجبة طعام المسموطة تعتبر واحدة من فنون الطبخ ولغز تفك رموزه أم جاسم، فتشرح أن عملية الطهو تبدأ بـ “الفركاعة” في قدر الطبخ الواسع، لكن بعد أن يتم تنظيف السمكة ووضع الدهن والبصل وبهارات ونومي مع قليل من الكرفس والثوم، يوضع فوقها الماء حتى نضوج الطبخة لتكون جاهزة للأكل.
زبائن أم جاسم كثيرون يقومون بزيارتها بانتظام ويوصونها على أنواع من السمك المجفف مع بداية موسم الشتاء وفي المناسبات حسب الطلب فيما يواظب آخرون على التسوق منها إلى محافظات أخرى وأحياناً كهدايا إلى خارج العراق .
طقوس منزلية
هذه الشهرة في صناعة وبيع المسموطة اكتسبتها أم جاسم بالتعلم من والدتها وقريباتها منذ الصغر، ولكونها اليوم سيدة تعيل أسرة من أربعة أولاد تقول “لا يخطر ببالي مطلقاً ترك المهنة التي اعتشت عليها وربيت أولادها وبناتي بفضلها وحققت لي الكثير من المعارف والزبائن”.
الحاج أبو أحمد واحد من زبائن أم جاسم يقول إن “طعم أكلة المسموطة له ميزة عن بقية الوجبات”، وقد اعتاد على شرائها كل جمعة حيث يجري الاستعداد لها بطقوس منزلية خاصة.
علاج شعبي
توصف المسموطة كعلاج شعبي لكثير من الحالات الصحية ومنها الإسهال المعوي إذ يوصى بتناولها من أجل تنظيف المعدة والأمعاء كما هو معروف عنها بين الأهالي .
طبيب التغذية حيدر علي يقول إن “وجبة المسموطة من المواد الغنية بالبروتين التي يمكن استخدامها لمعالجة سوء التغذية لدى الأطفال بالإضافة إلى أنها تسهم في تنظيف الأمعاء ومعالجة سوء الهضم وينصح بعدم تناولها بإفراط كونها تحتوي على كمية كبيرة من الأملاح والتي يمكن لها الاضرار بالجسم”.
أم جاسم الستينية العمر والتي مازالت تحتفظ بمهنتها المحببة إلى قلبها تتطلع إلى أن يكون لها مكان دافئ لتعرض أسماكها المختلفة في فصل الشتاء، تلك الأسماك التي تصفها أم جاسم بـ “قلائد من ذهب” المعلقة على الحبال أمام بسطتها المتواضعة.
شاهد الفيديو:
تأتي هذه الحلقات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج إقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية (CFI).