“شعرت بالانكسار والوحدة والفراغ الكبير وضاقت بي الدنيا بما رحبت، منذ ثمانٍ سنوات وانا اسمع وابل من الشتائم والتوبيخ والكلمات الجارحة فضلاً عما اتعرض له من الاهانات وفقدان الحقوق.. عن اي ضيم يمكنني ان اتحدث” بهذه الكلمات بدأت ام احمد (وهو اسم مستعار) حديثها عن ايامها التي تلت فقدان زوجها عام 2015. انها اليوم امٌ وحيدة تربي ثلاثة اطفال بأعمار متقاربة لهم متطلبات كثيرة ولا تعد أمراً سهلاً مطلقاً بالنسبة لها.
أُم احمد ذات الـ37 عاماً من احدى قرى سنسل في قضاء المقدادية التابع لمحافظة ديالى، ارملة أستشهد زوجها ابان سيطرة داعش على قرى سنسل منذُ العام 2014 والى حين تحريرها من قبل القوات الامنية العراقية في 2016. كانت حياتها بحسب وصفها طبيعية ومستقرة، عمل زوجها شيف مطبخ في محافظة السليمانية ويوفر دخل العائلة. في عام 2015 عاد للمنطقة وانضم للحشد الشعبي مع الكثير من اقاربه واهالي القرية للدفاع عنها ضد داعش بحسب قولها. بعد أسبوعين من الالتحاق قتل زوجها سامي وهي حامل بابنتها الصغيرة .
تغيرت حياة أُم أحمد وأصبحت مسؤولة بوحدها عن ثلاثة اطفال بدون موارد تُمكّنها باعالتهم، الأمر الذي دفع بها الى اجراء معاملة الاستحصال على راتب تخصصه الدولة لذوي الشهداء وفق تسميات وقوانين الدولة العراقية. وتسرد الأُم الأرملة، “ليكون الراتب مورداً لي ولأطفالي، أتابع المعاملة منذ سبع سنوات ومع اكثر من محامي دون جدوى، فيما اعاني انا واطفالي من وضع اقتصادي صعب، ففي كل رمضان يجمع الجيران زكاة الفطرة ويعطوها لنا، انه مبلغ بسيط لكنه يساعدنا على تسيير امورنا لفترة، كما يساعدني اخ لي بمبلغ كل شهر مما يخفف عنّا الحياة اليومية”.
الموقف القانوني تجاه ارامل الحرب
حسب قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية، لكل امراة وقع زوجها شهيداً جراء العمليات العسكرية والنشاطات الإرهابية، الحق بترويج معاملة ذوي الشهداء.
يقول المحامي هشام هذال من بعقوبة ان “اي شهيد سواء كان منتسباً عسكرياً أو مواطن مدني عادي فمن حق ذويه ترويج معاملة ذوي الشهداء. لكن يجب ان يكون مذكوراً في شهادة الوفاة انه شهيد، وان يكون هنالك اصل اخبار عن حادث الاستشهاد وتفاصيل كثيرة ,هذه المعاملات تتطلب اجراءات طويلة ومعقدة تثقل كاهل زوجات الشهداء”.
اما المحامي حمزة عدنان ، محامي عام لدى محكمة استئناف ديالى فيقول ” عملت على اكثر من عشر معاملات تخص رواتب الشهداء، حتى بوجود تسهيلات فالإجراءات الروتينية تستغرق سنة ونصف الى ثلاث سنوات على الأقل، مما يثقل كاهل المرأة ويدخلها الى إجراءات مملة، ناهيك بابتزازها أحياناً ومحاولات استغلالها مقابل اكمال معاملة الحصول على مرتب زوجها الفقيد.
ذكر محامي آخر من محافظة ديالى تحفظ عن ذكر اسمه، انه يعمل منذ سنة ٢٠١٥ على معاملات ذوي الشهداء، واستوقفه اهمال ورفض الكثير من الأوراق بسبب المؤشر الأمني او المسائلة والعدالة. ويشير في حديثه الى إجراءات من شأنها إطالة عمر المعاملات دون ذكر الأسباب ووضع آليات تُمكّن ذوي الضحايا باجراء اللازم.
ابتزاز و مساومة
يقول احد المحامين الذي تواصلت معه هاتفياً وتحفظ عن ذكر اسمه الصريح علناً، “تكمن الطامة الكبرى في ان بعض الموظفين في مؤسسة الشهداء ببغداد العاصمة، يساومون النساء على شرفها في سبيل تسيير المعاملة. الكثير من النساء يرغبن بأن يكملن معاملاتهن بأنفسهن لكن بسبب ما يتعرضن له من مساومة او ابتزاز بطريقة مباشرة او غير مباشرة يفضلن اللجوء الى محامي وكيل عنهن لأكمال اجراءات المعاملة . “.
ويضيف المحامي، ” اذكر حادثة حصلت مع إحدى زوجات الشهداء من الموصل زوجها شهيد وأوراقه أصولية وكاملة على اتم وجه ولكن بسبب أن الزوجة جميلة احد الموظفين خبأ المعاملة و بقى يساومها على شرفها ” .
الضغط المجتمعي يزيد الطين بلة
ساهرة حميد (اسم مستعار) ذات الـ٢٥ عاماً ، فقدت زوجها في احدى قرى سنسل في محافظة ديالى والتي ترملت وهي في السادسة عشر من عمرها بعد سنتين من زواجها حيث تلقت خبر فقدان زوجها وهي حاملة ابنتها الرضيعة ذات الثلاثة اشهر بين يديها .
تروي ساهرة قصتها قائلة، “تزوجت من ابن عمي وكان عمري حينها ١٤ عاماً ، زوجي يعمل في بعقوبة مركز محافظة ديالى حياتنا كانت مستقرة . تم تزويجي وانا صغيرة في العمر وهذا ما يجري في العادة بمناطقنا حين يتقدم للفتاة شاب وتوافق عليه العائلة يتم الزواج فكيف ان كان ابن عمها وهنا تكون موافقة الفتاة ليست مهمة”.
ترملت وعمرها ١٦ عشر سنة وام لطفلة تبلغ من العمر ثلاثة اشهر لم تستوعب هول الصدمة ولم تعلم ما الذي عليها فعله حينها. بعد اكمال العدة ارادت العودة الى بيت أهلها، انما منعتها ام زوجها و اخبرتها بأنها منذُ ان تزوجت اصبح هذا البيت بيتها، ولن تخرج منه الا جثة وكيف تجرئ على التفكير بتفريقها عن حفيدتها. وتسرد ساهرة، “قالي أُم زوجي الفقيد عليّ ان اتزوج بأخ زوجي الاصغر منه لكي تضمن بقائي معهم او ان اوافق على البقاء هنا دون اي اعترض . وحين اخبرت عائلتي كانوا متفقين معها في الرأي ، اليوم وبعد ٦ سنوات اعيش داخل غرفة صغيرة انا وابنتي مع عائلة زوجي الشهيد بين ١٢ فرداً ,احتضن دموعي كل ليلة وانام”.
اخي و ابناء اعمامي هم من يتكفلون بمصاريف المعيشة ، يجمعوا فيما بينهم مبلغ و يجلبه لي اخي كل شهر، فيما لم تكتمل اجراءات الراتب الذي ممكن ان يغير حياتي و يزيل عني عبء المعيشة حتى لا اشعر اني بحاجة لمد يدي والعوز لأحد”.
ماذا قدمت منظمات المجتمع المدني لزوجات الشهداء؟
تقول رئيسة منظمة ريحانة المصطفى الأنسانية ، نضال القيسي لـ الانترنيوز ” هناك في محافظة ديالى عدد كبير من الانساء ترملن جراء حرب داعش والإرهاب منذ ٢٠٠٣ و الى الآن، نحن في منظمتنا قدمنا الدعم النفسي والمادي و توزيع المساعدات الاغاثية من السلات الغذائية والأدوية وغيرها. وتقديم تسهيلات لمراجعات اغلب الدوائر لغرض انجاز معاملات الرعاية من خلال تواصلنا مع هذه الدوائر، حيث تمت إحالة اغلب الأرامل الى العيادة القانونية اللي كانت تقودها منظمة الإرادة و إحالة الأرامل اللواتي يواجهن صعوبات في اكمال معاملات التقاعد لغرض تسهيل الاجراءات واكمال المعاملات”.
ورغم ذلك فأن عدد المنظمات التي عملت على مثل هذا الملف يعد قليل مقارنة بعدد الارامل ومعاناتهن وما يواجهن من تحديات ومشاكل كثيرة و ليست بالجهد المطلوب لتخفيف العبء عليهن. وتضيف دكتورة ميساء التميمي، رئيسة منظمة نساء الغد للتنمية ورعاية الارامل ، إن ” شهداء العراق كثيرون وحاولنا مد يد العون للأرامل بشكل عام من خلال الزيارات و إقامة دورات تدريبية لتمكين الارامل بتعليمهن مهن مختلفة مثل الخياطة والطبخ والاعمال اليدوية”.