تلفزيون المنار

بضغوط من الأزواج و بتسويات عشائرية: أكثر من 52 % من العراقيات يتنازلن عن حقوقهن للحصول على الطلاق

خلود العامري

بيد مرتعشة ووجه تعلوه قسمات الخوف وقّعت انتصار حسن شبيب (36 عاما) على ورقة كُتب عليها “حضرت الزوجة أمامنا نحن قاضي الأحوال الشخصية وأكدت استلامها كافة حقوقها” فحصلت على الطلاق لكنها في الواقع لم تستلم شيئا.

تنازلت انتصار عن المؤخر والنفقة والسكن بعد الزواج وعن الذهب الذي اشتراه لها زوجها قبل الانفصال وباعه لاحقا لشراء سيارة، لتحصل على طلاق سريع بتسوية بين محاميتها ومحامي زوجها انتهت بالطلاق.

“تم الاتفاق على تنازلي عن جميع حقوقي وطلبت مني المحامية أن لا أذكر أنني أتنازل عنها بل استلمتها لأن القاضي سيرفض تطليقي ويسألني عن سبب التنازل وفيما إذا تعرضت لضغوط، فالتزمت بالاتفاق وكذبت لأتخلص من زوج عنفني لسنوات وسبب لي ألما نفسيا بسبب الضرب” تقول انتصار .

لم يصرف زوج انتصار فلسا واحدا على أطفاله الثلاثة: علي الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة أعوام وهدير التي احتفلت بعيد ميلادها الخامس قبل أسبوعين من وقوع الطلاق، وديما التي دخلت عامها العاشر، وذلك مقابل أن لا يضايقها بعد الطلاق أو يفتعل المشكلات لها أمام الجيران.

انتصار واحدة من آلاف النساء اللواتي يتنازلن عن حقوقهن سنويا للحصول على الطلاق لأن الأزواج يماطلون في عملية الطلاق أو نتيجة لتعرضهن لضغوط من عائلات أزواجهن وعائلاتهن، مما يدفعهن إلى التنازل عن حقوقهن مقابل موافقة الزوج على إعلان الطلاق أمام القاضي أو أمام الشيخ.

هذا التنازل ينعكس لاحقا على حياتهن وحياة أطفالهن إذ يحرمون جميعا من النفقة وتضطر الأم للبحث عن فرص عمل لاحقا، قد لا تحصل عليها وتبدأ أعباء الحياة تثقل كاهلها بعدم وجود معيل لها ولأولادها، فيما تحصل مطلّقات أخريات على معونات بسيطة من المنظمات والجمعيات الخيرية ويشارك الأهل أحيانا في دعم ابنتهم المطلقة.

وفي استبيان وزعته كاتبة التحقيق على 50 محاميا في محاكم الأحوال الشخصية في بغداد في الكرخ والرصافة، تبين أن 52 % من النساء تنازلن عن جزء من حقوقهنّ أو جميعها عام 2021 للحصول على الطلاق، إذ تنازلت 925 امرأة من أصل 1765 امرأة تولى المحامون الذين شملهم الاستبيان قضاياهم.

التنازل مقابل الحرية

تنازلت أماني حميد جابر (33 عاما) عن مؤخرها البالغ كيلوين من الذهب الخالص وأثاثها ونفقتها وجميع الهدايا التي أهداها لها زوجها أثناء مدة زواجهما لثلاث سنوات مقابل موافقته على الطلاق، فلم تكن تملك حلا آخر.

“تم طلاقنا بتسوية عشائرية بين وجهاء قبيلتينا قبل دخولنا إلى المحكمة، وطلب زوجي في تلك التسوية أن أعيد له ما أنفقه عليّ في بيت الزوجية في سنوات زواجنا الماضية، لكن أحد الوجهاء اعترض وقال أن ما تنازلتُ عنه كاف لإعلان الطلاق”.

قضّت أماني خمس سنوات وهي تتردّد على محكمة الأحوال الشخصية، رفعت خلالها ثلاث قضايا: الأولى مطالبة بالنفقة وكسبتها أمام القضاء والثانية وافقت المحكمة فيها على رد قضية “الطلب إلى بيت الطاعة” التي أقامها زوجها ضدها، لكنها لم تكسب قضية الطلاق (وهي القضية الثالثة) إلا بعد أن تنازلها عن مؤخرها وباقي حقوقها. ” تزوجت ثلاث سنوات وقضيتُ ضعف المدة تقريبا في المحاكم للحصول على الطلاق لاحقا، لكني أعتبر نفسي محظوظة لأنني لم أنجب أطفالا، وإلا لما استطعت الخلاص من زوجي بشكل نهائي ولطاردني بقية عمري”، تقول الشابة وهي تتذكر تفاصيل قصتها.

كانت أماني تعيش في بيتها كالسجينة بعدما تركت العمل نزولا عند رغبة زوجها ثم اكتشفت لاحقا أن هذا الأخير أضاع كل ما يملك في صالات القمار وبدأ يضربها للتنفيس عن غضبه، إلى درجة أنها فقدت الوعي في إحدى المرات وانتهى بها الحال في المستشفى. “لم اعد قادرة على تحمل سلوكه، لقد باع كل شيء في المنزل وصرفه على القمار والملاهي، وكان الطلاق هو الحل الوحيد الذي ينقذني منه”، هكذا ختمت كلامها بحسرة.

يقول المحامي مصطفى حميد الذي تولى 30 قضية طلاق عام 2021 أن معظم موكلاته اللواتي اشترطن مؤخرا بمبالغ كبيرة أو كان المؤخر ذهبا تنازلن عنه لاحقا للحصول على الطلاق وبعضهن تنازلن عنه لأن الزوج حصل على قرار أثناء تنفيذ الحكم بتقسيط المؤخر وهذا يعني أن المرأة ستحصل على مبلغ 100 ألف دينار عراقي شهريا من مؤخرها (أي بواقع 67 دولارا) شهريا بدلا من أن تقبض المبلغ دفعة واحدة والذي يكون كبيرا عادة.

يطلق المحامون على دائرة تنفيذ الأحكام القضائية تسمية “مقبرة الأحكام” لتهاونها في تنفيذ العديد من الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم الأحوال الشخصية، إذ يتم تقسيط المؤخر للنساء اللواتي يطلبن الطلاق وهو ما يسلط ضغوطا أكبر عليهن في استحصال حقوقهن .

يسمح التنفيذ للزوج بتقسيط المؤخر على سنوات إذا أثبت أن دخله محدودا أو أن وضعه المادي لا يسمح له بدفع المؤخر مرة واحدة، فتُفضّل الزوجة التنازل عن المؤخر مقابل الحصول على الطلاق، على أن تستلم مستحقاتها بالتقسيط على امتداد سبع أو عشر سنوات وبعضها يأخذ وقتا أطول.

المحامون طرف في المشكلة

يرغب بعض المحامون والمحاميات بالإنتهاء من الدعوى سريعا للتفرغ لدعاوى أخرى، لذلك يبادرون بالقيام بتسويات مع محامي الزوج وتتنازل المرأة بموجب التسوية عن جزء من حقوقها مقابل الطلاق. في هذا الصدد، تقول المحامية علياء الحسيني أن “بعض المحامين يشجعون موكلاتهم النساء على التنازل على حقوقهن للإسراع في حسم القضية، وهو أمر مرفوض إذ يتوجب أن يتمسك المحامي بحقوق موكلته كاملة حتى لو طال أمد القضايا داخل المحاكم”. وتضيف “أول نصيحة أقدمها لموكلاتي حينما استلم الدعاوى هو عدم التنازل عن حقوقهن، ورغم أنني أستلم قضايا قليلة في مجال الطلاق لأنني أعمل في مجال القضايا الجنائية أكثر، لكنني أعتبر أنني خسرت القضية إذا تم الطلاق بتنازل المرأة عن حقوقها”.

هبه عصام (19 عاما) استمعت الى نصيحة محاميها وتنازلت بسهولة لأنها لم تكن قادرة على الصبر طويلا على مماطلات زوجها.”نصحني المحامي بتسوية نصت على تنازلي عن المؤخر مقابل الحصول على الطلاق سريعا في اليوم التالي على يد الشيخ ثم تصديق الطلاق في المحكمة وبالفعل تم ذلك”.وتضيف “لم أعد أطيق صبرا للتخلص من تلك الحياة، لذلك نفذت نصيحة المحامي”.

الضغوطات العائلية والعشائرية

عدى ضغوط الزوج للتنازل عن حقوقهن، تتعرض النساء أيضا إلى ضغوط من عائلته التي ترسل وساطات من الأهل والأقارب للضغط على الزوجة وعائلتها وقد يصل الأمر أحيانا إلى تهديد عائلة الزوجة بتشويه سمعتهم وسمعة ابنتهم واتهامها بعلاقات غير مشروعة، عند يأسهم من موافقتها على العودة الى بيت الزوجية أو التنازل عن حقوقها كشرط للطلاق. يزداد الأمر سوءا بالنسبة للفتيات القاصرات المتزوجات، حيث تواجهن أيضا ضغوطا من عائلاتهن، حيث يدفع الأب ابنته القاصر إلى التنازل عن جميع حقوقها للحصول على طلاق سريع.

حسب الباحثة النفسية والناشطة في قضايا المرأة، إيناس هادي فإن النساء اللواتي يتنازلن عن حقوقهن “يتعرضن لضغوط نفسية عالية جدا لا سيما في المدة الممتدة بين جلستين أمام المحكمة، وتتولّد لديهن أزمة ثقة بالقانون، فيلجأن إلى الحل الذي يشعرهن بالراحة المؤقتة من الضغط النفسي وهو التنازل والحصول على الطلاق”. وتضيف “للأسف هناك آثار نفسية لاحقة تترتب على هذا التنازل، لأن المرأة التي تحصل على الطلاق تشعر بعد ذلك بأنها ضحية وضعيفة بسبب تنازلها عن حقها المشروع وتضعف ثقتها بنفسها تدريجيا”.

نتائج الاستبيان كشفت أيضا أن العشائر تتدخل في حسم قضايا الطلاق خارج المحكمة، فهي تمثل إحدى الجهات التي تسلط ضغطا على النساء لاجبارهنّ على التنازل عن حقوقهنّ عن طريق عقد تسويات بين الطرفين. وفي تلك التسويات تناقش العشيرتان المستحقات والحقوق التي يجب التنازل عنها قبل موافقة الرجل على الطلاق. وبذلك تجبر المرأة على التنازل بقرار عشائري. أما في حالات الزواج خارج المحاكم ( عند رجال الدين) والمصدق لاحقا في المحاكم، يُسلّط رجال الدين ضغطا على النساء للتنازل عن حقوقهنّ مقابل الطلاق، فحينما تستشير المرأة رجل الدين ينصحها بضرورة التخلي عن المؤخر والنفقة وتسوية الموضوع كي لا يتأخر الطلاق وبذلك يتم الطلاق خارج المحكمة ويتم تصديقه بعد ذلك.

حقوق مفقودة

بحسب استمارة استبيان أجاب عليها محامون عراقيون تولوا مئات قضايا الطلاق في محاكم الأحوال الشخصية في بغداد في جانبي الكرخ والرصافة، تبين أن 96 % من النساء تنازلن عن عن المؤخر والنفقة وحق السكن دفعة واحدة للحصول على الطلاق وهي حقوق مكفولة للمرأة في قانون الأحوال الشخصية عند الانفصال عن الزوج، إذ تؤكد الفقرتان الأولى والثانية من المادة الرابعة والعشرون أن “النفقة دين في ذمة الزوج، وأنها تشمل الطعام والكسوة والسكن ولوازم المرأة وأجرة الطبيب”. كما تسمح المادة التاسعة عشر للمرأة بقبض مهرها المؤجل من زوجها بعد الدخول كاملا.

وبحسب الاستبيان، تنازلت 3% من النساء عن المقدم من المصوغات الذهبية والأثاث التي تركتها في بيت الزوجية عند مغادرتها لإقناع الزوج بتطليقها. وتنازلت 1% من النساء عن حضانة أطفالها في ظروف قصوى. في هذا الصدد، تقول المحامية هند عزيز “احدى موكلاتي هددها زوجها بالحرق مع طفليها اذا لم تتنازل عن حضانتهم بعدما رفضت تسليمهما إلى والدهما، لكنها رضخت أخيرا خوفا على حياتها وحياتهما.”

وأجمع المحامون الذين شاركوا في الاستبيان أن جميع النساء المتنازلات في القضايا التي تولوها في المحاكم وعددهن (925 ) امرأة تعرضن للضغط والتهديد بالقتل او بالحرق والتشويه لمنعهن من مواصلة حياتهن.

بصفة عامة، هناك سلسلة من القضايا التي يجب أن تُحسم في المحاكم قبل أن يتم الطلاق، تبدأ بقضية النفقة التي ترفعها الزوجة ثم قضية المطاوعة من قبل الزوج (طلب الزوجة في بيت الطاعة) بعدها قضية الاثاث والمؤخر وأخيرا التفريق. وتكون أتعاب جميع القضايا التي ترفع عند الطلاق منفصلة وتبلغ تكلفة القضية الواحدة بين (600 -1000)دولار.

الإبتزاز كطريقة للضغط

تتعدد أساليب الضغط التي يمارسها الزوج لإجبار الزوجة على التنازل عن حقوقها قبل الطلاق، ابتداءا بالمماطلة، مرورا بالتهديد بابقائها معلقة على ذمته، وصولا إلى ابتزازها باستخدام الأطفال أو صور وفيديوهات أخذها وهو معها في غرفة النوم. ويقوم بعض الازواج بتصوير زوجاتهم بالملابس الداخلية بحجة اشتياقهم إليهن ورغبتهم في وضع صورتهن على هواتفهم الخلوية ثم يستخدمونها لاحقا عند مطالبة الزوجة بالطلاق. وأحيانا تُنشر تلك الصور على الفيسبوك بأسماء وهمية بهدف فضح الزوجة.

ديما أحمد سعدون (27 عاما) هو اسم مستعار لسيدة حصلت على الطلاق قبل ثلاثة شهور تقول “كان زوجي يصورني في غرفة نومنا بملابس النوم ويحتفظ بتلك الصور على هاتفه الخلوي، وحينما طلبت الطلاق بعد خلافات كثيرة بسبب علاقاته خارج الزواج اتهمني بالخيانة وفبرك صوره معي في غرفة النوم لتبدو وكأنني مع رجل آخر وقدمها للمحكمة كدليل”. وتضيف “لحسن حظي أن المحامي الذي توكل في قضيتي كان عمي واستطاع اثبات فبركة الصور بعد إحالتها إلى التدقيق، وحصلت على الطلاق أخيرا”.

محامي ديما طلب منها الإصرار على الطلاق بعد الخطوة التي قام بها زوجها ومحاولة اتهامها بالخيانة. “قال لي حرفيا ان “الرجل الذي تسمح له نفسه باتخاذ خطوة كهذه، لن يكون أمينا على عرضه”.

ويؤكد محامون ومحاميات تولوا عشرات قضايا الطلاق عام 2021 أن الأزواج يعنفون زوجاتهم لفظيا قبل الدخول إلى المحكمة أو عند خروجهن منها ويدّعون تمسكهم بالحياة الزوجية أمام القاضي، فيلجأ المحامي أو المحامية الى تهدئة الزوج كي لا يؤثر ذلك على سير القضية. كذلك يعمد الأزواج إلى استعمال قضايا “الطاعة” للضغط على النساء.

تفاجأت عبير كامل حسن (33 عاما) برفع زوجها لقضية “طاعة” بعد شهرين من كسبها قضية الإنفاق، مدعيا أنها تركت المنزل بشكل مفاجئ منذ أربعة أشهر ولم تعد.

كانت قلقة لأنه رفع القضية ضدها في مدينة الموصل حيث كانت تعيش معه وهي تسكن في بغداد منذ أن طلقها قبل عام، واستعانت بشقيقتها لمرافقتها إلى المحكمة. دخلتا إلى الباحثة الاجتماعية التي أحيلت إليها القضية والتي فوجئت بما قالته لها عبير: “تبين أن زوجي السابق لم يذكر أنه طلقني منذ عام وأوصلني بنفسه إلى منزل شقيقتي، بل قال شيئا آخر” وتضيف “إلا أنه لم يستطع الإنكار أمام الباحثة واعترف بكل شيء بعدما واجهته بالحقائق، وحينما شعر أن القضية بدأت تتحول لصالحي بدأ يغير لهجته في الكلام”.

الباحثة أعدت تقريرها للقاضي ونصحت عبير بنقل القضية الى بغداد لاحقا كي لا تتكلف عناء السفر وحينما فعلت، لم يحضر الزوج في الجلسة اللاحقة وأُغلقت قضية الطاعة.

استخدام النفوذ الأمني

في بعض الأحيان يستخدم الزوج سلطته إذا كان منتسبا في الأجهزة الامنية أو لديه منصب في الجيش والشرطة والجهات المسلحة غير النظامية للضغط على الزوجة وعائلتها.

في 31 ديسمبر 2021 وقع حادث إبادة لعائلة كاملة في منطقة جبلة التابعة لمحافظة بابل (100 كيلو متر) جنوب بغداد راح ضحيته 20 شخصا من النساء والرجال بينهم 12 طفلا بعدما استخدم الزوج الذي ينتمي إلى الجيش سلطته لتحريك قوة عسكرية رسمية باتجاه منزل عائلة زوجته التي طلبت الطلاق ورفضت العودة إلى بيت الزوجية.

زعم الزوج أن والد زوجته يخبئ ارهابيين في منزله وتمكن من تحصيل أوامر رسمية لتحريك قوة أمنية معه هاجمت منزل عمه والد زوجته. أطلقت القوات الأمنية وابلا من الرصاص بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة أردت الرجل وبناته وجميع الأطفال في المنزل من بينهم زوجة وأطفال المنتسب المدعي، لتكتشف القوة الأمنية لاحقا أنه كان يكذب.

تحول الأمر لاحقا الى قضية رأي عام وطالب الناشطون والناشطات بمعاقبة المنتسب والقوة الامنية معه، ما أجبر محافظ بابل على الظهور في وسائل الإعلام والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيقية حول الموضوع باعتبارها جريمة جنائية، كما شكلت وزارة الداخلية لجنة أخرى أرسلتها إلى بابل.

قد تتعرض الزوجة إلى تهديدات بالقتل لإجبارها على التنازل على حقوقها قبل الطلاق. هذا ما حصل مع لمياء علي (36 عاما) وهو اسم مستعار، تزوجت من رجل يحمل رتبة عسكرية تعرفت عليه أثناء عملها، وكانت ميسورة الحال تملك مبلغا جيدا من المال في حسابها البنكي، أثار أطماع زوجها عند الطلاق. تقول:”طليقي ضابط برتبة لواء في وزارة الدفاع العراقية، تنازلت عن جميع حقوقي كي يطلقني لكنه رفض وطلب مني (20000) ألف دولار ليوافق على طلاقي، وأرسل لي شخصا يحمل سلاحا على دراجة نارية ليهددني ويجبرني على الدفع”.

اتصلت لمياء بزوجها في اليوم ذاته وأخبرته أنها ستدفع له 20 مليون دينار عراقي (أي قرابة 13600 دولار) فوافق في الحال وطلقها بعدما أخبرت القاضي أنها استلمت حقوقها كاملة منه. “لو أخبرت القاضي بالحقيقة لقتلني طليقي بعد خروجي من المحكمة ولن يحميني منه أي قانون ” تتحسّر لمياء.

كورونا تزيد من حالات الطلاق

تمت معظم عمليات الزواج والطلاق في العراق عام 2020 خارج المحكمة بسبب انتشار فيروس كورونا، حيث لم تفتح المحاكم أبوابها لاستقبال قضايا الزواج والطلاق إلا خلال ثلاثة أشهر هي يناير وتموز وتشرين الثاني.

إغلاق المحاكم ولّد أزمة مختلفة إذ أن معظم قضايا الزواج والطلاق تمت خارجها لمدة تسعة أشهر من عام 2020، بعضها تم تصديقه لاحقا والاخرى لا زالت مجهولة.

في نفس الفترة، صرّح مجلس القضاء الأعلى حول تزايد حالات الطلاق في العراق أثناء الازمة الصحية فيما أصدرت وزارة الداخلية العراقية بيانات تضمنت ارتفاع العنف الأسري في العراق ولم توثق آلاف الحالات من قضايا الزواج والطلاق في المحاكم رغم ارتفاع نسبة الطلاق في العام المذكور بسبب العنف الناتج عن الحجر المنزلي.

غادرت زينب محمد سعدون (19 عاما) بيت الزوجية بعد ليلة طويلة قضت معظمها في تعقيم أجزاء من جسدها المليئ بالكدمات بعد ضرب زوجها لها إثر خلاف حول تأخر العشاء. اتصلت بوالدها الذي فوجئ عند حضوره بما تعرضت له ابنته من عنف فأخذها معه بعدما حاول الاتصال مرارا بزوجها علي لكنه لم يجب. لم يكن علي يعمل في ذلك الوقت لأن انتشار فيروس كورونا أوقف العمل في معمل تصنيع العصائر الذي كان يشتغل به ولم يصرف المعمل أية رواتب للعاملين هناك طوال شهرين بقي خلالها علي في المنزل.رفعت زينب قضية على زوجها وطالبته بالإنفاق عليها لكنها تنازلت لاحقا عن حقوقها وأقرت باستلامها أمام القاضي من أجل الطلاق.”كلما تذكرت يوم عنفني أشعر بالألم لما حصل لي وأقول أن الحل الوحيد كان بالخلاص منه”.

نساء يرفضن التنازل

رغم استسلام العديد من النساء لضغوطات الأزواج وعائلاتهن والتنازل عن حقوقهن للحصول على الطلاق، فإن البعض منهن يرفضن التخلي عن هذه الحقوق لإيمانهن بأن قضيتهن عادلة. هذا حال آمال حسن(27 عاما) هو اسم مستعار لشابة لا تريد الكشف عن اسمها الحقيقي لحساسية قصتها، اعترضت على محاميتها التي نصحتها بالتنازل عن مؤخرها والبالغ (15 مليون) دينار عراقي (ما يعادل 10200 دولارا) بعد يومين من موافقتها على المقترح.

تقول “أعادني إلى بيت أهلي بعد زواجنا بشهرين وأنا عذراء، بعدما اكتشفت أنه يفضل الجنس مع الرجال. كرهت الزواج وبعد ثلاثة أشهر في منزل عائلتي رفعت قضية نفقة وكسبتها ثم طلبت أثاثي وملابسي وذهبت مع لجنة من المحكمة لاستلامها وهناك اكتشفت أن نصف مصوغاتي وملابسي قد سُرقت ولم أستطع اتهام أحد معين لأنني كنت أعيش مع عائلة كبيرة في منزل أهل زوجي”. وتضيف ” حملت أغراضي وعدت إلى المنزل واتصلت بالمحامية التي طلبت مني التنازل عن المؤخر للاسراع في القضية والحصول على الطلاق لأخبرها برفضي للتنازل”.

آمال تعلم أن القانون لن يحرمها حقها حتى لو حصلت عليه متأخرا. “لا يهمني إن تم تقسيط المؤخر لكنني لن أتنازل عنه وسأقوم بتوكيل محامي جديد لا يفاوض على حقوقي، خاصة وأنني متضررة ولم أكشف السبب الحقيقي لمغادرتي لبيت الزوجية أمام القاضي حفاظا على ماء وجه زوجي وعائلته”.سجا حميد علي رفضت هي أيضا التنازل عن حقوقها رغم كل الضغوطات. غادرت سجا منزلها في حزيران عام 2020 بعد اتخاذها قرار الانفصال عن زوجها الذي كان يضربها أمام طفليها أثناء الحجر المنزلي. وفي هذا الصدد تقول: “تحملت الاهانة والضرب لعشر سنوات لكن طاقتي نفذت ولم اعد قادرة على الاستمرار”.بعد خمسة شهور رفعت قضية نفقة ووافقت عليها المحكمة، فرد الزوج برفع دعوى لبيت الطاعة لإجبارها على التنازل عن النفقة. ولأنه لم يتمكن من كسب القضية، حاول الاتفاق معها على التنازل عن حقوقها مقابل أن يدفع نفقة الأطفال ويوافق على الطلاق.لا تزال القضية تُراوح مكانها منذ عام تقريبا ولم يوافق الزوج على التفريق قبل أن تتنازل سجا عن حقوقها، لكنها رفضت رغم الوساطة التي قامت بها محاميتها مع محامي زوجها وقررت أن تستمر في القضية. “قد أحتاج إلى عامين أو ثلاثة، لكنني سأستمر ولن أسمح له بمصادرة حقوقي بعد كل سنوات العذاب التي عشتها معه” تقول سجا بنبرة ألم واضحة في صوتها.

غدير فاضل (28 عاما) ترفض هي الأخرى التنازل عن حقوقها رغم وساطة محامي زوجها الذي اقترح عليها التنازل عن المؤخر للحصول على الطلاق. وتقول “لدي طفل واحد عمره عام ونصف ولن أتنازل عن حقوقه أو حقوقي مهما حدث، ولن أقبل الوساطة، الموضوع بات تحد بالنسبة لي ولن أغادر المحكمة إلا عند حصولي على جميع مستحقاتي”.

لا تستبعد غدير أن يحصل زوجها على قرار من دائرة التنفيذ بتقسيط المؤخر للضغط عليها وتؤكّد “حتى لو تم تقسيط المبلغ لا يهمني، لأنني في النهاية سأجمع المبلغ الشهري من النفقة مع المؤخر لأنفق على تربية صغيري ولن أكون عبئا على أحد بعد الطلاق”.

يشجع والد غدير تمسك ابنته بحقوقها ويقول “سأدعمها حتى آخر لحظة، لأن المطالبة بالحقوق شجاعة ولن أسمح باستغلال ابنتي مهما حدث”.

حظيت إيناس أحمد صالح (41 عاما) وهو اسم مستعار كذلك بدعم من أحد أفراد الأسرة وهو شقيقها محمد للتمسك بحقوقها. وكانت تزوجت سابقا من رجل مطلق أنجبت منه طفلا حاولت تربيته مع طفليه من زوجته الأولى ولكن سرعان ما عصفت الخلافات بزواجها حتى انتهى بها الأمر عند أبواب المحاكم.تقول إيناس “ساندني محمد شقيقي في كل خطوة منذ رفعت القضية الأولى قبل أربعة أعوام وحثني دوما على التمسك برأيي، أما بقية أفراد عائلتي فيعتقدون أنه من الأفضل التنازل عن حقوقي والحصول على الطلاق سريعا بدلا من الاستمرار في القضايا.

كسبت إيناس قضية النفقة وحصلت على أثاثها بقرار المحكمة وتنتظر حاليا البت في قضية المؤخر التي تبدو متأكدة من كسبها. وتؤكد “قضايا الطلاق تحتاج الى نفس طويل وصبر أطول لذلك أنصح النساء بعدم التنازل عن حقوقهن لأنهن سيحصلن عليها حتى لو متأخرا”.

من جهته يٌبيّن الدكتور والباحث في قضايا المجتمع، سامر الجنابي أن المجتمع العراقي شهد تحولات اجتماعية كبيرة بعد عام 2003 وبات أكثر تقبلا للطلاق وللمرأة المطلقة، كما أن العائلات لا تصمت إزاء مواجهة ابنتها أزمات كبيرة في حياتها مثل خيانة الزوج لها وعدم تحمله مسؤولية المنزل، لذلك تحول الى مجتمع “متكيف مع الملموس” وبما أن الطلاق أصبح قضية ملموسة تكيف المجتمع معه.

حلول ومعالجات

يقترح المحامون والمحاميات الذين أجابوا على الاستبيان القيام بحملات تثقيفية للنساء لتوعيتهن بحقوقهن فيما يخص قانون الأحوال الشخصية والقوانين العراقية لأن الكثيرات منهن جاهلات بهذه الحقوق، فيتنازلن عنها بحجة أن الزوج بيده كل شيء. ويمكن أن يكون ذلك من خلال إعداد برنامج تلفزيوني أو إنتاج محتوى على السوشيال ميديا لحلقات قانونية لتوعية النساء وتعزيز ثقتهن بالقانون.

من جهتها ترى هناء ادورد، رئيسة جمعية الأمل والناشطة في قضايا المرأة أن “معظم النساء لديهن جهل قانوني بحقوقهن ويجب أن نكثف جهودنا كمنظمات مجتمع مدني بالتعاون مع السلطات القضائية والتشريعية والمنظمات الدولية لنشر الوعي القانوني”. وتضيف “قمنا بحملات توعية واسعة حول المادة 57 في قانون الأحوال الشخصية والخاصة بحضانة الأطفال في وقت سابق، ونقترح إقامة مراكز توعية ملحقة بمنظمات المجتمع المدني”.

ويقول المحامي حسين الدراجي أن هناك حاجة أيضا لتوعية وتثقيف المحامين حول قضايا الطلاق لأن معظم تلك القضايا يتولاها محامون شباب ليس لديهم خبرة كافية بالقوانين أو يرغبون في الحسم السريع للقضايا لإثبات نجاحهم.

ويُؤكّد المحامي مجيد جاري، من جانبه، على ضرورة إلغاء الزواج خارج المحاكم بسن تشريع خاص للحد من زواج القاصرات لأنهن يتنازلن بسرعة عن حقوقهن عند الطلاق”.

في الأثناء، تتواصل معاناة المطلقات حتى بعد التنازل عن حقوقهن، حيث تقول انتصار حسن شبيب “أخطط للعمل مع شقيقي في الأسواق الصغيرة التي يملكها لأتمكن من إعالة أطفالي بعدما تخلى والدهم كليا عن الإنفاق عليهم”.

المصدر:مكانتي

زر الذهاب إلى الأعلى