حلام يوسف :
هل تحتاج المرأة الى عيد؟ الكثير منا يطرح هذا السؤال، البعض يطرحه تهكماً لأنه يجد ان المرأة اليوم، ومع كل القيود والتضييق عليها، تحتاج أولا لان تعرف حقيقة مكانتها اجتماعياً، ومن ثم يمكن ان تؤسس لها عيداً للاحتفال به.
بالمقابل هناك من يجد ان المرأة اليوم استطاعت ان تحقق تقدماً في بعض المجالات وتستحق ان تحتفل بكونها انتصرت او في الأقل الكثير منهن حقق انتصاراً بكسر القيود وفتح أبواب النجاح على مصراعيها لثقتها بقوتها واعتدادها بنفسها.
العيد بكل مسمياته وانواعه فرصة للوقوف لحظة صمت وتأمل بما حققناه على الصعيدين الشخصي والعام. المرأة تحتاج لهذا العيد كي تعلن عن نفسها كل عام، تعلن عما استطاعت تقديمه لنفسها وللمجتمع، وهنا أؤكد على “نفسها”، فالمرأة التي تشعر بغبن في حقها، والتي تستشعر القيود التي كبلت بها من قبل الرجل والمجتمع بنحو عام، لا يمكن لها ان تكون حرة، والحرية هي أساس الابداع، اذن وبما اننا نسمع عن ابداع النساء العراقيات تحديداً فاعتقد ان هذا يدل على ان المرأة العراقية استطاعت ان تأخذ حريتها بقوة وصلابة.
نعم هناك نسوة استطعن ان يكون لهن موضع قدم في كل مجالات الحياة العملية، لكن أولئك النسوة نسبياً قلة، فالمرأة في كل المناطق الشعبية وهي الأكثر والاعم في بلادنا، مكبلة ومقيدة فكرياً وجسدياً، وأحياناً من يفرض القيد عليها امرأة أخرى متمثلة بأمها او اختها او اخت زوجها، فكيف لنا ان ننهض بمثلهن؟ كيف لنا ان نخبرهن انهن أسمي وأجمل من ان يحطن انفسهن بحواجز وابواب من صوان؟
المشكلة التي تعاني منها المرأة هي بالحقيقة مشكلة عامة، اذ ان الرجل نفسه في مجتمعاتنا ليس حراً، فهو عبداً للتقاليد والموروثات الاجتماعية التي حجمت تفكيره، وفرضت عليه نظرة دونية للمرأة، هذا الرجل تربى على ان المرأة كائن اختصر دوره بإغواء الرجل لذا فعليها ان تغلف نفسها بألف قطعة قماش كي لا تغويه، وللأسف لا احد من هؤلاء الرجال يفقه ان تلك الحالة وصمة عار على جبينه هو، فهو بذا يعلن بانه كائن تسيره غريزته الحيوانية، لذا فاجد ان على الرجل ان يحترم نفسه اكثر كي يعرف كيف يحترم نساء بيته والمرأة بنحو عام.
ان الاحتفال بعيد المرأة يجب ان يكون يوماً للتعبير عن الاحترام والتقدير للمرأة الزوجة والام والاخت والابنة، وهذا الاحترام يتجلى بمنحهن الحرية، قد يقول قائل ان الحرية تؤخذ ولا تمنح، لكني أقول ان تلك الجملة اقرب الى الخيال منها الى الواقع، فالمرأة التي تربت منذ طفولتها على السجن، لا تعرف معنى واهمية الحرية، إضافة الى ان الزوجة التي تسعى لان تربي بناتها بغير ما اعتادت نساء عشيرتها، ستجابه برفض قاطع وقد تدخل بمشكلات مع زوجها وأهله او ربما أهلها، لذا فالرجل مسؤول عن تغيير حياة المرأة، بان يثقف نفسه بشأن حقيقة هذا الكائن الرقيق والقوي، الحالم والواقعي، العائلة السعيدة أساسها رب اسرة سعيد ورب الاسرة لا يمكن له ان يحظى بسعادته ان لم يمنحها الى امرأته.
اذن فهي حلقة مترابطة، الرجل الحر والمرأة الحرة، وبالتالي المجتمع. الحرية حالة تدل على مدى رقي وتحضر أي مجتمع، ولأننا ننظر بانبهار واعجاب للشعوب المتحضرة، فمن واجبنا ان نسعى لان نصف بمصافهم، كي لا نظل نعض إصبع الندم والحسرة، وتكون الحسرة هي ما نورثه الى أبنائنا واحفادنا.
في بعض الدول كالصين وروسيا وكوبا تحصل النساء على إجازة في يوم عيد المرأة، فأيننا من هذه الخطوة البسيطة والكبيرة في الوقت ذاته ، هل يمكن ان يقدم المسؤولون في العراق على مثل تلك الخطوة التي لا تحتاج سوى مسؤول يعي حجم واهمية ومعنى منصبه.
في العراق تخرج بعض المنظمات النسوية بمسيرة ترفع فيها اللافتات التي تدون عليها بعض المطالب التي ترفع بعض الحيف عن المرأة، ومطالبات بسن قوانين تضمن بها حقها اجتماعياً وقانونياً.
المرأة العراقية قد تكون أكثر النساء العربيات تشبها بطائر الفينيق اذ تخرج كل مرة من رماد القيد الى فضاء الحرية، هي ترجمة لما ذكره أبو القاسم الشابي حينما قال اذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر، فقد استطاعت الكثير منهن صنع قدرهن بأنفسهن، بنضالهن، بصبرهن، بتحديهن وقوتهن.
م/الصباح الجديد