تعرّضت شابة، ١٤ عام، في احدى المناطق العشوائية بأطراف العاصمة بغداد لاغتصاب جنسي من قبل عمها. أبلغت الفتاة امها وجدتها بما تعرضت له، لكنها لم تحصل على أية حماية ولم تستطع والدتها فعل شيء، خاصة ان الجاني يمتلك السلاح ويشكل مصدر تهديد دائم لابنة أخيه المتوفي وزوجته. بعد تدهور الوضع الصحي للفتاة المغتصبة بدأت الأم بعلاجها في عيادة طبيبة شجعتها على تقديم شكوى بحق المعتدي.
تروي الراصدة في مجال انتهاكات حقوق المرأة بنين الياس، قصة مشابهة حول الاعتداء الجنسي على الفتيات الصغيرات ومن قبل الأقارب. في العام ٢٠٢١، تلقت بنين اتصالاً من احدى الامهات كانت تستنجد وتطلب المساعدة لإنقاذ ابنتها الشابة (15 عام) للتخلص من حملها غير الشرعي. تعرضت الفتاة الى اغتصاب من قبل عمها أيضاً في احدى محافظات الجنوب، كانت الام وابنتها تعيشان في بيت العم بعد وفاة الاب، على رغم استنجاد الام بالأهل والاقارب، انما لم يسعفها أحد ولم تتجرأ على تقديم شكوى بسبب الخوف من القتل او التشرد.
تحصل مثل هذه الاعتداءات الجنسية وتتنامى في المجتمع العراقي، وبشكل داخل الاسر حيث تربط الجاني بالضحايا “صلة الدم”، الأمر الذي يبقى قصص الاغتصاب طي الكتمان. وترتبط هذه الجرائم برأي بنين بعوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية تجبر الضحايا على العيش مع اقاربهن، ناهيك بالعادات والتقاليد او العوز المالي او السطوة الاسرية الابوية التي تفرض عليهن البقاء بعد موت الاب. وتشير الناشطة الى ان الامر لا يرتبط في كل الأحوال بالوضع الاقتصادي او المجتمعي والتعليمي، فهناك جرائم تحصل في بيئات اجتماعية تتميز بمستوى عال من الناحية الاقتصادية والتعليمية.
وعادة ما يكون السكوت تجاه هكذا قضايا بسبب الخوف من الجاني وسطوته، اضافة الى خوفها من وصمة العار المجتمعية التي تلاحق الضحية، مما يدفعها الى اخفاء الاعتداء. كما ان اغلب الامهات في هذه الاوضاع لا يستطعن الدفاع عن بناتهن او على الاقل حمايتهن من المعتدي.
تشير تمارا عامر مديرة منظمة ساندها لحقوق المرأة بان المنظمة اجرت استطلاع راي عبر منصة حقوق المرأة العراقية في شهر حزيران للعام الحالي، 2022، شملت من خلالها (1873) عينة من كل مناطق العراق. واظهر الاستطلاع بان 59 بالمئة بين المشاركات من الفتيات بعمر6-13 سنة تعرضن للتحرش اول مرة و 22.5 بالمئة منهن تعرضن للتحرش من الاقارب و30 بالمئة تعرضن للتحرش في المنزل. وبيّن الاستطلاع بأن العاصمة بغداد كانت الاعلى ثم المحافظات الجنوبية وبعدها الوسطى ثم المحافظات الشمالية.
وحول جنس المتحرش فقط اظهر الاستطلاع بان 69.5 بالمئة من الرجال و 22.5 بالمئة كانوا من الأقارب وتضيف عامر بان74 بالمئة من العينة تم التحرش بهن جسديا واعتبرت بان هذا المؤشر ليس الاول من نوعه وفقاً لاستطلاع راي اجرته المنظمة في العام 2020 وحينها ايضا كانت نسبة التحرش الجسدي عالية جداً. وكانت اولى حالات العنف الجنسي التي استقبلتها ساندها لحقوق المرأة في عام 2015 وقامت بإحالتها الى منظمة حرية المرأة في العراق ونجحت المنظمتان بمساعدة العديد من الناجيات “بعضهن أكملن دراستهن الجامعية واسسن اسرة وحصلن على عمل مناسب “.
وتشير معلومات تعود الى الشرطة المجتمعية الى سكوت بعض الصغيرات وعدم الإفصاح عن الاسباب الحقيقية التي جعلتهن يهربن من منازلهن. لقد هربت طفلة اسمها نور (15 عام) من منزل اسرتها بعد ان تعرضت للتحرش الجنسي من قبل والدها، ولم تستطع مواجهته. انها تكملة للقصص التي بدأنا بها هذا التقرير الصحفي، انما حالت أوضاع تلك الفتيات وسطوة محيطهن الاجتماعي دون تتبع مصيرة كل واحدة منهن. كما ان مثل هذه الضحية لا تفصح عن السبب الحقيقي الذي اجبرها على الهرب من المنزل، وتُعد اعادتها البيئة التي تعرضت فيها للاعتداء، مساهمة في تكرار الاعتداء حيث ولا ينفع معها اخذ تعهدات من المعتدين او زيارات ميدانية تنفذها الشرطة المجتمعية في مكان حصول الاعتداء.
وتؤكد الشرطة المجتمعية على زيادة عدد الفتيات الهاربات من ذويهن، اذ لجأت بينهم الى الشرطة واخريات تم العثور عليهن في اماكن مشبوهة او تائهات في الشوارع. واشارت مصار من الشرطة المجتمعية الى انها اعادت مئات الفتيات الى اسرهن، فخلال عامي 21-20 تم اعادة(188) فتاة هاربة الى ذويهن بشكل طوعي، كما تمت اعادة اكثر من (140) فتاة الى اسرتها اغلبهن غير متعلمات تتراوح اعمارهن بين 14-18 سنة هذا العام (2002).
دور المنظمات النسّوية
لا تسمح البيئة القانونية في العراق للمنظمات غير الحكومية بفتح دور ايواء للناجيات من العنف ولم تعالج السلطات العراقية هذا الموضوع من خلال تشريع قانون مناهضة العنف الاسري ولم تفتح دور ايواء على الاقل للفتيات القاصرات واكتفت الحكومة بـ”دور المشردات” في بغداد حصرا وهي تأوي الفتيات الصغيرات و تقدم خدمات رديئة ولا تحقق احتياجات ومتطلبات الصغيرات الهاربات كما تغيب عنها الرقابة والمسائلة والمعايير الآمنة التي يجب ان تتوفر.
ان توفير دور ايواء يتطلب تدخل السلطات الحكومية وتوفير موارد مالية وبشرية وفق معايير دقيقة واشراك المنظمات النسوية المهنية ويقع على عاتق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مسؤولية هذا الموضوع فهي مخولة بفتح مثل هذه الدور في المحافظات كما هو الحال مع دور رعاية المسنين والايتام وذوي الاحتياجات الخاصة.
مع كل ذلك تمكنت منظمة حرية المرأة في العراق بفتح دور ايواء للناجيات من العنف وقدمت لهن برامج تأهيل متكاملة وقد استقبلت المنظمة خلال 6 الاشهر الاولى من العام الحالي2022، (60) حالة عنف اسري منها (8) فتيات ضحايا اعتداء جنسي بينهن (4) تحرش جنسي من قبل الأعمام والاخوال و(4) حالات اغتصاب من قبل الاب والاخ.
وتضيف جنات الغزي مديرة قسم التمكين في منظمة حرية المرأة في العراق بان اغلب الضحايا من مناطق جنوب العراق وتتعامل حرية المرأة مع تشكيلات وزارة الداخلية لاستقبال ضحايا العنف الجنسي بواسطة الاحالة، والبعض الاخر استغاثوا بالمنظمة عبر منصات الاعلام الاجتماعي.
وتقوم المنظمة بضمان الحق القانوني للضحايا من خلال تقديم الشكاوى في حال لم تقم بذلك تشكيلات وزارة الداخلية من خلال تنظيم التقارير الطبية لإثبات الوضع الصحي للضحية ثم تقديم شكوى ضد الجناة لدى الجهات المختصة ويختلف الامر بين التحرش والاغتصاب، كما قالت الغزي.
وتؤكد الغزي بان اغلب ضحايا العنف الجنسي من الفتيات ينحدرن من اسر فقيرة ومفككة وعادةً ما يكون الاب والام منفصلين عن بعضهما ويعشيان بمعزل عن الاخر ودائما يكون أحد افراد الاسرة متعاطي للمخدرات او مدمن كحول وهذا ما ثبت لدينا مع الحالات الاربعة من الفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب من قبل الاب والاخ.
وتقدم حرية المرأة برامج متخصصة تساعد الضحايا على تجاوز الازمة وفقا لرغباتهن التي تساعدهن بتجاوز الازمة وتركز بشكل خاص على برنامج اعادتهن الى مقاعد الدراسة فجميع الناجيات تركن الدراسة في مرحلة الابتدائية باستثناء ضحية واحدة كانت طالبة جامعية.
كما تقوم المنظمة بتوفير كل الادوات التي تساعد الضحايا وتسهم بتطوير حياتهن وتخطي الازمة في بعض الاحيان تتواصل مع أحد افراد الاسرة الذي تشعر معه الضحية بالأمان فيتم تقديم الدعم المالي او المعنوي وأحيانا توفير مسكن ملائم، وهذا يتوقف مع كل حالة حسب ظروفها “دراسة الحالة” تحدد ذلك.
وحول مصير الناجيات تشير الغزي الى ان الامر يتوقف على رغبة الضحية فهي التي تقرر العودة الى الدراسة والبقاء في المنظمة او تذهب للعيش مع أحد افراد الاسرة الذي تشعر معه بالأمان وهنا ايضا نقدم الدعم اللازم ولضمان سلامتها مئة بالمئة يبقى فريق المنظمة يتواصل معها باستمرار للاطمئنان عليها.
تعاون حكومي و مخاطر عشائرية
ورغم ان حرية المرأة تساعد الناجيات من العنف الجنسي بالتعاون مع وزارة الداخلية الا انها تتعرض لمخاطر عشائرية، مما يجبر المنظمة على الاستعانة بمراكز الشرطة القريبة ومديرية حماية الاسرة والشرطة المجتمعية لتوفير الحماية لها في مواجهة تهديدات العشائر.
كما حصلت المنظمة على دعم من خلال التعاون مع عدد من القضاة الذين يقدمون المساعدة لقضايا الناجيات واعتبرت الغزي بان التعاون مع الجهات الحكومية له أثر ايجابي على عملهم في استقبال ناجيات اكثر والمساهمة الفعالة والمضاعفة في حل المشاكل التي تتعرض لها النساء و خاصة في موضوع العنف الجنسي. وتتحرك المنظمة وفق السياق القانوني بعد ان كان القانون يمثل تحدي بالنسبة لها في التعامل مع الناجيات من العنف وخاصة الجنسي.
الوضع النفسي للضحية
تعيش ضحية التحرش الجنسي او الاغتصاب ظروف نفسية صعبة، خاصة عندما تكون فتاة صغيرة وتعيش تحت سطوة اسرية قاسية، فهي تشعر بالضعف والخوف وقد تتعرض لتحرش مستمر او اغتصاب متكرر فشعورها بالصدمة والعجز عن حماية نفسها والدفاع عنها يولد عندها عقد نفسية تبدأ اثارها الخارجية بالظهور كالاكتئاب وارتعاش الاطراف والخوف المستمر وفقدان الرغبة في كل شيء.
وحينها تكون الضحية امام خيارين اما الهروب من المنزل للخلاص من الوضع البائس او الانتحار، وأقدم الضحية على الهروب من المنزل وهذه مشكلة كبيرة لان العالم الخارجي اكثر وحشية مما عاشته داخل اسرتها حيث تنتشر عصابات الاتجار الجنسي والمتصيدين للفتيات الصغيرات اللواتي يتم استغلالهن في الدعارة والملاهي الليلية وتجارة المخدرات وهنا تكون الضحية مجبرة على هذه البيئة التي تعتبرها ارحم من منزلها، كما تقول الباحثة النفسية والاجتماعية شيماء عبد السادة.
العلاج المتكامل ضرورة
تؤكد عبد السادة على ضرورة وضع برامج علاجية متكاملة من قبل السلطات العراقية والمنظمات النسوية غير الحكومية واهمها العلاج والتأهيل النفسي والصحي والاجتماعي وتوفير بيئة آمنة للضحية تساعدها على الشفاء التدريجي بالإضافة الى ضرورة توفير فرص تعليم وعمل لمساعدة الضحية على اعادة الاندماج مع نفسها اولا والشعور بالأمان النفسي والتخلص من مشاعر الخوف والاكتئاب وغيرها من الاثار النفسية التي عاشتها خلال فترة تعرضها للاغتصاب او التحرش الجنسي وايضا يساهم هذا البرنامج بإعادة اندماجها بالوسط الاجتماعي الذي فقدت الثقة به، بعض الضحايا بحاجة الى فترة علاج طويلة لاستعادة ما فقدته خلال فترة تعرضها للعنف الجنسي وهذا يتوقف على الظروف التي عاشتها ونوع العنف الجنسي الذي تعرضت له.
المواجهة والابلاغ
ترى الناشطة ضحى الخفاجي بان مواجهة المجرمين وايقافهم عند حدهم هو الحل لان الضحية التي تخشى حماية نفسها ومواجهة المجرم ستبقى ضحية الى الابد خاصة عندما لا يوجد من يحميها او يدافع عنها داخل اسرتها، ان سكوت الضحية عادة بسبب قرب المتحرش منها وهي تعتقد ان البوح بالجريمة سيعرضها الى لوم اسرتها واتهامها بانها السبب وغالبا ما تُكذب ومن السهولة اتهامها بشرفها مما يعطي للمتحرش دافع قوي للتحرش مرة اخرى وتضطر الضحية الى الهرب من المنزل والكثير منهن يهربن بسبب عدم وجود الامان.
لذلك فان اغلب الضحايا يشعرن بالخوف وهن بحاجة الى توعية عبر مختلف وسائل الاعلام حول كيفية الدفاع عن النفس و التشجيع على ابلاغ الجهات الامنية ولهذا لابد من تفعيل موضوع الابلاغ الالكتروني الذي يسمح للضحايا بالإبلاغ عن طريق الانترنت او الاتصال دون الحاجة الى الذهاب الى مراكز الشرطة والا فانه يعتبر عقبة كبيرة بالنسبة للضحايا ويسهم بشكل كبير على حماية المجرمين واستمرار الجريمة وتفاقمها لذلك يجب ان نركز على اهمية وضرورة تغيير وتبسيط اجراءات الشكاوى ومراعاة الضحية على الاقل في هذا النوع من الجرائم الخطيرة، كما تقول الخفاجي.
قانون و ملاذات آمنة
ودعت الشمري الى ضرورة تفعيل دور الإيواء الحكومية “ملاذات آمنة” بشرط ان تكون دور تأهيلية وآمنة بمشاركة المنظمات النسوية الرصينة وليست كبعض الدور الحكومية التي استغلت النزيلات وعاملتهن بقسوة واستغلال واعتقد ان حادثة دار الاعظمية للمشردات خير دليل على كلامي.
و تتفق الناشطات النسويات على ان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 لم يتضمن نصوص شديدة ورادعة لمن يمارس العنف الجنسي المنزلي، وطالبن باستمرار حملات المدافعة والمناصرة المدنية لتشريع قانون مناهضة العنف الاسري لمساعدة الضحايا وخاصة الفتيات للنجاة بأرواحهن من مختلف انواع العنف الذي يتعرضن له داخل منازلهن، كما ان مشروع القانون يتضمن ركائز مهمة تتعلق بالوقاية والحماية والمعالجة مما يسهم كثيرا بحماية الناجيات من اشد انواع العنف “الجنسي” واعادة تأهيلهن وادماجهن في المجتمع.