تحسين الزركاني
لم تستسلم سهير كاظم إدريس،(43 سنة)، للفقر واليأس والإحباط، وهي التي ترملت في عز شبابها بعد وفاة زوجها مخلفاً لها ثلاثة أطفال دون مأوى أو معيل، فعمدت إلى استثمار طاقاتها وموهبتها بالرسم والتشكيل، لتبرهن لنفسها قبل الآخرين أن لا يأس مع الحياة، متطلعة إلى يوم تجد فيه من يتبنى موهبتها ويدعمها.
وتقول سهير، في حديث إلى (المدى برس)، إن “حلمي وأمنيتي منذ صغري بأن أصبح فنانة تشكيلية معروفة من خلال لوحاتي وأعمالي الفنية، التي ضاعت وسط مصاعب الحياة، خاصة بعد الزواج والرزق بثلاثة أطفال، حتى شاءت الأقدار أن تسلبني زوجي، وتتركني أرملة بلا ناصر أو معين”.
وتضيف الفنانة، أن “مرضاً مفاجئاً أصاب زوجي في محافظة واسط، قبل خمس سنوات، ما أدى إلى وفاته، ليتركني وحيدة من دون أهل أو معيل، ما اضطرني إلى الانتقال لقضاء الحمزة الشرقي، (30 كم جنوب مدينة الديوانية)، لأسكن في ضريح الإمام، وأعيش مع أطفالي على صدقات الناس من طعام وملابس، ثلاث سنوات”، وتبين أن “أحد سدنة الإمام الحمزة، عرض تزويجي من إنسان يعرفه، ليسترني ويتكفل بمعيشتي وأطفالي، فوافقت على طلبه بعد أن سألت الناس عن الخطيب، وتزوجنا وانتقلت للعيش معه رفقة أطفالي”.
وتوضح إدريس، أن “مرضاً أصاب زوجي بعد مدة وتكاثرت عليه العلل، من سكر وضغط وغيرها، لكن ذلك لم يمنعه من الصمود والعمل على تأمين متطلباتنا، التي عودت نفسي على أن تكون بسيطة للغاية، إذ يكفيني ظل رجل حنون يهتم بي وأطفالي”، وتشير إلى أن “الحسرة والمرارة كانت تزداد في أيام محرم وصفر، حين أشعر بعجزي عن خدمة الزائرين القادمين من محافظات الجنوب والوسط لأداء مراسيم زيارة عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين”،
وتتابع ادريس “فكرت خلال تلك الأيام بتجربة الرسم علّني أنعش أحلامي وما خزنته في ذاكرتي منذ الصغر، حيث بدأت بلوحة الميمون على جدار منزلي في حي الصفيح، وكان هنالك يومها مجلس عزاء في الحي المجاور، وكان الحاضرون يستغربون من مشاهدتهم لامرأة بعباءتها ترسم على الجدار”.
وتذكر الفنانة التشكيلية، أن “الجميع بدأ يشجعني ويشد من أزري، ومنهم من تبرع بالمال، فقررت المضي بالأمر والعمل على تطويره، واتصلت بزوجي وأخبرته أن مفاجأة تنتظره عند عودته من العمل، وحين وصل وشاهد ما صنعت بالجدار، إنبهر وسألني عن المواد التي احتاجها لمواصلة الرسم ليشتريها لي”، وتلفت إلى أن “غلاء أسعار فرش الرسم اضطرني إلى تصنيعها بنفسي من أقلام الماجيك، التي كنت أخرج الاسفنجة التي بداخلها، واشرحها بالسكين حتى تصبح كالفرشاة، وأربطها بعد ذلك على أقلام الشجر، في حين حولت علبة بلاستيكية ابتعتها من محل لتصليح المواد المنزلية، لتكون حاوية أخلط فيها الألوان”.
وتتابع سهير، أن “معلمات المدارس المجاورة، طلبن مني المشاركة في معارض المدرسة، لكني وجدت حلاً أفضل من ذلك تمثل ببيع لوحاتي وأعمالي الفنية للتلاميذ بسعر 1500 دينار، لأشتري بها الألوان والورق، وأتمكن من تأمين مصروفي وأطفالي لأساعد زوجي وأخفف عنه”.
وتستطرد أن “الجيران لاسيما صديقتي أم حسين، أخذوا يطلبون مني الإعلان عن نفسي والتعريف بموهبتي، عبر وسائل الإعلام، عسى أن يسمع أحد المعنيين أو المهتمين بذلك، ويساعدني لأفتح مرسماً صغيراً، أنتج فيه أعمال السيراميك والرسم على الزجاج، لأبرهن لمن حاصرهن الفقر أن الحياة تنطوي على فرص كثيرة إذا ما عرفوا كيفية استثمارها اعتماداً على مواهبهم”.
وتمضي الفنانة التشكيلية، قائلة إن “أفكاراً فنية كثيرة تدور في رأسي، إذ خرجت قبل أيام منتصف الليل بحثاً عن حصى، لأنجز به عملاً جديداً باستخدام مادة الاسمنت الفني (البورك)، هو عبارة عن نسر طائر، لكن غياب المال أخر تنفيذه لحين التمكن من بيع عدد من الأعمال الأخرى”.
وتدعو الفنانة سهير، المعنيين إلى “دعم المرأة بالفعل وليس الشعارات الجوفاء”، وتطالب المسؤولين بضرورة “التقرب من قواعدهم الشعبية للوقوف على مشاكلهم واحتياجاتهم والإسهام بتلبيتها”.
وكانت نقابة الفنانين العراقيين، عدت، في (الـ14 من كانون الثاني 2015 الجاري)، أن غياب التمويل عن النقابات والاتحادات سيؤثر كثيراً في مشاريعها وأنشطتها، مبينة أنها بحثت مع الرئاسات الثلاث والوزراء المعنيين البدائل المتاحة لتستمر رسالة الفنان في “صنع الحياة ونشر الوعي والثقافة لبناء الإنسان، في حين أكد فرعها في الديوانية، أن ذلك “لن يقف عثرة” أمام إصرار منتسبيها على مواصلة نشاطهم، وعزمهم تفعيل التكافل الاجتماعي لدعم بعضهم، واستمرار حراكهم الإبداعي برغم “تهميشهم” من الحكومات المحلية بالمحافظة.
وكان فنانو الديوانية، انتقدوا في (الـ12 من تشرين الثاني 2014 المنصرم)، ما عدّوه “تجاهل” الحكومة المحلية بنود الدستور التي نصت على دعم الفعاليات الثقافية والفنية والأدبية، واتهموها بتعمد “تهميش” الحراك الثقافي والفني الإبداعي الذي تحقق في المحافظة خلال السنوات الماضية عن “سابق إصرار وترصد”، في حين نفت إدارة المحافظة ذلك مؤكدة أن عدم إقرار الموازنة والعجز المالي الذي تعانيه حالا من دون تقديم الدعم للفعاليات الفنية وغيرها.
وكان المشاركون العراقيون والعرب في مهرجان ربيع المسرح العراقي الثاني، في الديوانية، (180 كم جنوب العاصمة بغداد)، دعوا في (الـ17 من نيسان 2013)، إلى الارتقاء بالبنى الفنية التحتية في المحافظة ومعالمها بما يتلاءم وثقلها الثقافي والحضاري، وتخصيص ميزانية خاصة للمهرجان، وطالب باستحداث ورش عمل للكتابة المسرحية والتمثيل والإخراج لخلق جيل جديد ضماناً لتواصل الخبرات ورفع مستوى الجهد الإعلامي في تغطية دورات المهرجان.