المنار نيوز /بغداد /لمياء العامر
شهادات ووقائع مختلفة حول انفجار الكرادة،الذي اسقط مئات القتلى من مدنيين كان ذنبهم الوحيد أنهم أرادوا الاستعداد للاحتفال بقدوم عيد الفطر.
فقبيل عيد الفطر بثلاثة أيام ، ابى الارهابيون إلا أن يحولوا العيد إلى مأتم، ونظموا لسلسلة تفجيرات منطقة الكرادة، والتي تضم مجمعا شعبيا للعطور والالبسة وغيرها من مستلزمات كانت نتنظر الشاري لتلوين العيد بالوان أجمل، في عراق لا يعرف منذ سنوات إلا ألوان الرعب والدم
جولة اجريتها في مكان الانفجار، أعادت إلى الذاكرة، بعد وقت من الكارثة، صورا كأنها للتو تمر امام الأعين.
رائحة الموت تحيط يكل شيء في الكرادة، التي ما زالت بعض الاشلاء والقطع البشرية تتناثر في ارجائها، اضافة الى الرائحة التي تغلغلت في كل ركن.
في كل مكان أشلاء لم تنقل بعد، تحقيقات قائمة، وأسر لا تزال حتى اليوم تواري اقاربها في الثرى
مؤامرة أو عمل ارهابي…
روايات عدد من الشهود ومن المسعفين تشير إلى ان اختيار منفذي هذا الاعتداء للوقت والزمان المحددين يميل إلى تفسير هذه العملية بأنها دبرت باياد اجنبية تسعى لقتل اكبر عدد ممكن من العراقيين ، فضلا عن تدمير البنية الاقتصادية لتجار منطقة الكرادة ، خاصة وان تلك الأهداف تحققت بشكل كامل، وهذا ما اثبتته الدلائل التي أشار اليها أهالي المنطقة.
“بعد حصول الانفجار بدقائق، خرجت ثلاث سيارات اسعاف فيها رجال ملثمين، اخذوا عددا من الجرحى والمسعفين معهم ونقلوهم الى جهة مجهولة لم تعرف حتى الان .. من بينهم شاب من أهالي المنطقة كان قد اتصل بعائلته واخبرهم انه في سيارة اسعاف ينقل المصابين ومن ثم يعود الى البيت ولكن بعد وقت قصير اغلق هاتفه الجوال ولم يعرف مصيره حتى الان” كلمات شاب، هو شاهد عيان من مكان الكارثة، انضم إلى فرق إنقاذ تشكل من شباب الكرادة بعد وقوع التفجيرات، تزرع بعض الشك في ما إذا كانت التفجيرات مجرد عمل ارهابي لا أكثر.
وأضاف الشاب خلال حديثه معنا” ان عدد الناجين في مجمع الليث ثلاثة فقط وباقي المواطنين لم يستطيعوا الوصول الى السطح العلوي للبناية بسبب شدة الحرائق التي امتازت عن غيرها من الحرائق بان النار المشتعلة ” تلحق حرارة دم جسم الانسان أينما ذهب “.
وتابع قائلا وعيناه تستعيدان صور المأساة: ” وجدنا عددا من الجثث وعليها اثار طلاقات نارية وكانت اغلب الإصابات في الرأس والصدر، كما وجدنا أسلحة في احدى الغرف “.. مشيرا الى انه شخصيا عثر على جثتين قضيتا رميا بالرصاص قبل تعرضها الى الحرق بينما عثر الاخرون من فرق الإنقاذ على ست جثث مصابة بطلق ناري، وانه تمت مصادرة السلاح الذي عثر عليه في احدى غرف المبنى من قبل القوات الأمنية العراقية
هل هي مؤامرة منسقة ومدبرة؟ ومن الشريك فيها؟
يعتقد عدد من الشهود الذين تكلمت معهم ان حارس المجمع له يد في تنظيم هذا العمل، حيث أكد أحد الشهود أن “الحارس غادر المجمع قبل وقوع الانفجار بوقت قصير”
بينما تحدث اخر قائلا: ” الحريق نشب بعد اشتعال مواد كانت مخبأة قبل حدوث الانفجار تملأ المخزن السفلي حيث وجدت فيه بقايا مواد حارقة تم وضعها في المجمع ويشتبه انها وضعت بالاتفاق مع حارس البناية الذي لم يعثر على جثته حتى الان”.
أما حسن، شاب آخر من أهالي الكرادة، شاهد على الكارثة وما بعدها من عمليات جمع الاشلاء وإزالة آثار الدمار، فقد خطيبته في هذه الكارثة، فيرى أن الجريمة مدبرة وليست عمليات ارهابية “عفوية” يعيشها العراق في الفترة الأخيرة قائلا:” شاهدنا شخصا مسلحا اعلى سطح البناية يرفع العلم العراقي القديم ( الصدامي ) فوق بناية مجمع هادي سنتر وذلك بعد نشوب الحريق مباشرة، ويؤكد هذا الكلام الصور التي تم نشرها في صفحات التواصل الاجتماعي، الفيس بوك، وهو يحمل كاميرا تصوير ما دفعنا الى الاعتقاد ان العملية الاجرامية دبرت “باياد بعثية”
وبعد فترة صمت قصيرة، كما لو ان حسن استعاد خلالها صورة المكان، وصورة المأساة،إذ استطرد قائلا:”.. بامكانكم مشاهدة الثقوب التي أحدثت بعمود الكهرباء القريب من مجمع هادي سنتر. فالمسلحون، من سطحي مجمعي الليث والهادي، أطلقوا الرصاص الى الأسفل بصورة متعاكسة “.
يميل، زيد الجنابي، صاحب أحد محال المجمع، للاعتقاد بأن ما حدث عملية مدبرة مخطط لها، منذ ما قبل التفجيرات إلى ما بعدها
يقول زيد:” في الشارع المجاور لمجمع هادي سنتر وبالقرب من مخزن دجاج الفارس ، وقفت ثلاث سيارات اسعاف، اختطفت الشباب بذريعة ايصالهم الى المستشفى ، فهناك ما يقارب 105 اشخاص خطفوا وتم رمي هوياتهم في الشارع واقتيادهم الى جهة مجهولة، وكان الخاطفون يحملون هويات وزارة الصحة ”
يضيف حسن إلى كلمات زيد:” الغريب اني لاحظت سيارات الإسعاف قبل وقوع الحادث ومن ثم اخذت الجرحى ، ووجد 12 شخصا [من المختطفين] امس مقتولين في الطب العدلي ويجهل مصير الباقين “.
غضب واتهام…
عدد من أهالي الكرادة، يرمون بغضبهم على عاتق الحكومة التي اعتبروها مقصرة بل وفي بعض الأحيان “متواطئة”.
يقول زيد الجنابي، احد أهالي الكرادة والذي فقد جميع أصدقائه من أصحاب المحال التجارية في مجمع الليث ، بحرقة ودموع ، “في الساعة الثانية عشرة والثلث كان الشارع مغلقا تماما، ونقطة التفتيش الأمنية القريبة من مستشفى الراهبات مغلقة بسبب كثرة المواطنين المتبضعين لاستقبال عيد الفطر المبارك، ولكن تم فتح الشارع في الساعة الثانية عشرة والنصف ودخلت سيارة اجرة نوع سايبا وأخرى هونداي ستاركس وبعدها سيارة بيجو، واول سيارة انفجرت هي الـ “ستاركس” ثم السايبا.”
واتهم الجنابي جهات حكومية بالتواطؤ، مستدركا ” سندخل الى الخضراء ونلغي البرلمان والحكومة ولا نريد هؤلاء الشرذمة ، كما نطالب بإعدام القتلة والمجرمين في موقع الحادث “.
بينما شكا عباس ،شاهد عيان، يعمل في انتشال الاشلاء المبعثرة بين الرماد الذي خلفه الحريق في مجمع هادي سنتر، من الإهمال الحكومي للضحايا وعدم وجود مشاركة للفرق الصحية والدفاع المدني و”هم يتواجدون بسياراتهم بالقرب من مكان الانفجار فقط لتراهم كاميرات الاعلام ولم يحركوا ساكنا فيما بعد وتركوا الشباب يبحثون بمفردهم وبوسائل بسيطة جدا كالكفوف العادية وبعض الكمامات الطبية”.
“ويضيف نحن نعمل لمدة ثلاثة أيام في المجمع، بدون ان يزورنا أي من المسؤولين سواء من الحكومة او البرلمان او المؤسسات الطبية والأمنية” هذا ما قاله عباس ليعبر عن غيظه”
صرخات كثيرة تعالت عقب الكارثة على رد الفعل الحكومي الذي بحسب عدد من شهود العيان ومن سكان المنطقة والمتضررين، أهمل الكثير من التفاصيل والدلائل التي كان بامكانها فتح ملف كبيروتدويل القضية ، بدلا من اعتبار المسألة تفجير ارهابي “داعشي”
يقول حسن:” غموض كبير يكتنف الموضوع، يبدأ بوصول فريق جنائي واحد لاخذ العينات ، عثر على مواد كيميائية من مادة خانقة ومادة حارقة تثبت ان الكثير من الأشخاص ماتوا بسبب الاختناق وليس الحريق،..بالإضافة الى عدم اسهام كوادر الصحة والدفاع المدني مطلقا بعمليات الإنقاذ ”
وكان تقرير أولي صادر عن لجنة الأمن والدفاع النيابية، أكد بانه “تم تفتيش العجلة المفخخة القادمة من ديالى بواسطة الكلاب البوليسية من دون الكشف عن المتفجرات”.
واقع عراقي، وصورة عراقية، من بغداد، من البصرة، من الموصل ومن الفلوجة.. تفجيرات وارهاب وحالة خوف جعلت حياة كل شاب وكل طفلة وكل رجل وكل امراة عراقية، صنوا للموت.
إلا أن هذا الواقع، جعل الشعب العراقي يتشبث أكثر بالحياة، ليكون أمام خيار واحد: هو الجندي، والمسعف، والطبيب، والدفاع المدني، والاطفائي..والضحية
يقول سائق سيارة اسعاف مرابطة بمكان الحادث: ” شباب الكرادة يعملون ويستخرجون الجثث والاشلاء، عملنا يقتصر على المرابطة بالقرب من مكان الحادث لنقل أي مصاب الى المستشفى، وهناك سيارات اسعاف خاصة لنقل الجثث والاشلاء .. عمليات الإنقاذ والبحث هي مهمة الدفاع المدني”
وبعد توجهنا الى سيارات الدفاع المدني المتوقفة هناك وسؤالنا احد العاملين فيها عن سبب توقفهم وترك الشباب يعملون بمفردهم ، قال ” المسؤول الأمني امرنا بالوقوف هنا فقط وعدم مساعدة أهالي المنطقة في استخراج الاشلاء ولا نستطيع مخالفة الأوامر “.