منار الزبيدي/نقاش
حقق علي العمية (43عاما) شهرة واسعة بعدما اتجه إلى مزاولة مهنة بعيدة كل البعد عن عمل أسلافه في حياكة العباءات الرجالية بالنجف، حيث اشتهر بدفن الموتى وإقامة القبور بطرق مبتكرة.
بدأ علي العمية (ويعود لقبه العائلي لجدته الضريرة) العمل بحفر القبور في سن مبكرة عندما كان يرافق أخوته الذين يتلون القرآن على أرواح الموتى، وفي سن (13) عمل مساعدا لحفاري القبور بعدما ترك المدرسة إثر تعنيفه من قبل معلم الرسم كما يقول.
العمية استثمر صيت إسلافه الذين اشتهروا بحياكة العباءات الرجالية الفاخرة في تشييد سمعته ويقول لـ”نقاش” حول ذلك “كان أمراء الكويت والسعودية يشترون العباءات التي يصنعها أجدادي في منطقة الحويش, فيما كان أبي من ملالي المنابر الحسينية, هذا الصيت العائلي شكل لي نقاط قوة في شق طريقي والتفوق على المنافسين”.
وبعد أن رسخت شهرته صب اهتمامه على تعمير القبور وتزيينها بأشكال هندسية حديثة أو كما يسميها “قصة البقلاوة” وهو نوع من الحلويات.
خلال لقائي به رن هاتفه للمرة الحادية والعشرين فاعتذر قائلا بفخر لم يتكلف إخفاءه أنهم (جمهوره) “في المكتب ينتظرني الكثيرون، فهناك من يريد التقاط الصور معي وآخرون يريدون دفن موتاهم”.
في مستهل مشواره لم يكن طريق العمية سهلا إذ واجه النبذ من عائلات الدفانين العريقة
يقول “كانت منافسة غير شريفة من الدفانين الذي شنوا حملة لتسقيطي بهدف إبعادي عن مجال عملهم”.
لكنه لم يستسلم “حزنت كثيرا من تصرفهم ثم فكرت كيف أعود بقوة معتمدا على أمجاد أسلافي وان أتفوق على خصومي وأذلهم”.
في خطوته الأولى طبع عشرة آلاف كارت تحمل صورته ورقم هاتفه للتعريف بنفسه فكانت استجابة الناس محدودة. ويتابع “لجأت لبعض المعارف ممن يملكون خبرة في الفيسبوك وطلبت منهم ان ينشروا صوري والقبور الجميلة التي اصنعها واخذ البعض ينشر بدافع الدعم أو مستهزئا، ولم يكن لدي خيار سواهم في تحقيق الشهرة، لم أكن أملك المال لشراء هاتف ذكي ولا أجيد القراءة والكتابة”.
لكنه حصل على دفن وتعمير ستة قبور. أشترى هاتفا وطلب من الشباب المتواجدين في مقهى الدفانين مساعدته على إنشاء حساب على الفيسبوك باسم (الدفان علي العمية ) ومع سخرية الجميع فأنه استقبل في الساعة الأولى أكثر من خمسين طلب صداقة، وقف في تلك اللحظة وقال للجميع “ستتمنون التقاط صورة معي في المستقبل”.
استغل العمية صفحات التواصل الاجتماعي في التعريف بنفسه حيث يقول “أرسلت صور القبور الجميلة إلى أشخاص لا اعرفهم. اختلف رد فعلهم فالبعض منهم واجهني بالسب والشتم، لكنني شرحت لهم أني أروج لمهنتي لا أكثر فأصبحوا أصدقائي, تواصلت مع شيوخ العشائر من محافظات الجنوب والوسط وبغداد ومدن أخرى, تعرفت على شباب كثيرين فأغلب جمهوري وزبائني هم من الشباب، وكان شباب الكرادة في بغداد أكثر الناس تجاوبا معي”.
بعد توسع عمله وتزايد أعداد المعجبين والأصدقاء والمنافسين احتاج لصفحات تواصل أخرى فأنشأ ثلاثا، المشهورة منها بلغ عدد معجبيها (268,74) يديرها مهندس عراقي يقيم في ماليزيا، بينما يدير الاثنتين الأخريين صديقان من السماوة والناصرية، ويأخذون على عاتقهم الرد على الرسائل ونشر الصور والتنسيق مع الزبائن.
عدنان الشيخ عبد الجعيفري الذي يمتهن الدفن منذ (45) عاما ويعتبر نفسه من سلالة حفاري القبور الأصليين، يرفض أن يكون علي العمية دفانا حقيقيا ويقول “هذا شخص يبحث عن الشهرة والمال، لان الدفن له شروطه ومنها حسن الخلق والمروءة والالتزام بالمسائل الشرعية، بينما هو يحاول إيذاءنا بأرزاقنا من خلال التلاعب بالأسعار”.
ويضيف لنقاش “تبلغ أسعار القبور (350 -400) ألف دينار، حيث تزدهر أعمالنا في هذه السنوات، لكننا في المقابل نقدم الكثير من العون للفقراء والشهداء ، فنكتفي أحيانا بـمبلغ (200) ألف دينار، وأحيانا يكون الدفن مجانا, علما أن الدفان ينال مئة ألف دينار فقط ويذهب الباقي إلى الضريبة والإيجار السنوي لمكاتبنا وأجور الكهرباء”.
وتقسم أراضي المقبرة إلى نوعين، بحسب الجعيفري، فبعضها ملك للبلدية اشتراها الدفانون بأسعار عالية، أما القسم الآخر فهي تابعة للدولة تجاوز عليها بعض الدفانين وتاجروا بها وأثروا بسببها.
بينما يزعم العمية أن منافسيه يحاولون تشويه صورته لأنه يقدم لزبائنه قبورا بأسعار مناسبة لا تزيد على (250) ألف دينار واستخدام مواد جيدة في تعميرها، موضحا “استخدم المرمر التركي و الطابوق الجديد وأتعامل مع امهر الخطاطين ليكون اسم المتوفى جميلا ذا تصميم هندسي راقٍ، إضافة إلى أن أخي وهو شيخ دين يصلي على الميت، ويتولى إجراءات الدفن فنحن نتعامل مع الميت برفق ونعمّق له القبر بين (3-4) امتار فقبورنا تشبه “قصّات البقلاوة” و قد ابتكرت هذا الشغل الجميل بنفسي”.
لدى العمية معجبون في كل مكان يذهب إليه كما يقول” حتى في مغاسل الموتى وعندما أصلي بالجامع أو في مرقد الإمام علي عليه السلام يطلب مني الزوار التقاط الصور”.
ويدعي أن لديه الكثير من المعجبات “هناك شخصيات نسوية في ماليزيا وأميركا وتركيا بثثن مقاطع فديو وهن يرددن “منو يدفنكم .؟ العمية ولكني لم انشر تلك المقاطع لأننا في مجتمع محافظ وقد يستخدمها خصومي ضدي، إنا مستعد لان اخسر كل شيء إلا جمهوري”.
يقول امان فؤاد الخزعلي (23عاما) خريج كلية القانون – أن العمية أستغل اهتمام الناس بالأشياء الغريبة والجديدة فروج على صفحاته منشورات مضحكة وغير واقعية أحيانا عن دفن الموتى استقطبت الاهتمام.
ويضيف لـ”نقاش” أنه “ذكي في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي ولديه موقع أخباري معروف بـ”العمية نيوز” يبث عليه أخبار الدفن وألوان القبور وأسعارها ومقاطع الفديو ، كما لديه حسّ فني واذكر مرة انه هيأ مجموعة قبور ذات لون وشكل واحد لأخوة استشهدوا خلال الحرب ضد داعش “.
أشترى العمية سيارة وأفتتح مكتبا لإدارة عمله، كما أرتفع سقف طموحه كثيرا “يلزمني أربع سنوات لأحكم سيطرتي على جميع الدفانين وتكون مقبرة النجف بقبضتي”.
وهو يتولى تدريب أولاده على تعلم (المهنة) احدهم يعلمه حفر القبور والآخر تلاوة القرآن “اشتريت له عباءة وعمامة” يضيف بحماس كبير.
وبعدما بات العمية محط إقبال الشخصيات السياسية والأمنية والوجهاء إضافة لعامة الناس في العراق ودول الجوار، يطمح أن يكون الأول عالميا في دفن الأموات.
وحاز علي العمية على آلاف المعجبين من داخل العراق وخارجه عبر صفحات التواصل الاجتماعي وهو يملك موقعا إخباريا وكادرا محترفا يدير عمله وله منافسين وخصوما، لكنه ليس فنانا أو سياسيا بل دفانا في مقبرة النجف.