منار الزبيدي
تروي (ح,ح) ذات ال 17 عام قصتها بمرارة “في صبيحة يوم من الايام، صحوت من النوم لأجد اخي يكبل يداي وقدما ي، ثم اخذ يخلع ملابسي وانا على فراشي، فصرخت بكل صوتي وحاولت ان انقذ نفسي لكني لم استطع، فقد احكم تقييدي واعتدى علي من الدبر. يومها كان والداي خارج المنزل.”،
وتتابع ” في اليوم الموالي، اخبرت والدتي بما جرى لكنها لم تصدقني وواجهت اخي فأنكر فعلته ولم يكتفي بذلك، بل كرر العملية، مستغلا وجودي لوحدي في البيت ولكن هذه المرة جلب صديقيه وتمكنوا مني جنسيا. بعدها، تعرضت للاعتداء من قبل اخي الاخر واخذ الوضع يتكرر لمرات ليستخدمني اخواي في الاخير للسمسرة الجنسية وكسب المال.”
ارادت (ح.ح) ان تتخلص من سطوتهم، فهربت من المنزل وتوجهت الى مديرية مكافحة الاجرام لغرض تقديم شكوى بهما وبوالديها الذين تسترا عليهما. ولكن تم اخلاء سبيل الجميع بعد التحقيق. واودعت هي احدى دور الاحداث المخصصة للشابات.
حالة (ح،ح) ليست حالة منفردة في ظل الانفلات الامني وتفشي الانحلال الاخلاقي وانتشار المخدرات، في وقت تتكتم الجهات المعنية عن الادلاء باي تفاصيل حول مسألة زنا المحارم وغالبا مايفلت الجناة من العقاب مع صمت مطبق وتنصل الجهات الحكومية المعنية ومنظمات المجتمع المدني من مسؤوليتها.
الخوف من الفضيحة
تتعدد اسباب تفشي ظاهرة زنا المحارم وترتبط اساسا بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يكون لها تاثير على المنظومة الاخلاقية. ترى الباحثة الاجتماعية، هناء حسين ان انتشار هذه الظاهرة الاجتماعية خطير جدا وان ذلك يفسر بالتفكك الاسري والانحلال الاخلاقي للشباب وتعاطيهم المخدرات والمسكرات وعدم مراقبتهم من قبل الاهل. بالاضافة الى ذلك، فإن ضعف الاجراءات القانونية والخوف المجتمعي من العارتسبب في تفاقم زنا المحارم، “فكثيرمن الفتيات تعرضن لمثل هذه الحالات ولكن تم السكوت عنهن ولم يفصح عن الامر خوفا من شيء اسمه الفضيحة”.
وتضيف “ان المصيبة الاكبر هي تستر الاهل والافلات من العقاب وان اغلب الضحايا لا يصلن الى الجهات الامنية المسؤولة اما خوفا او بسبب الحبس القسري، فتترك الفتاة لقدرها المحتوم “.
من جهتها، تعتبر الناشطة في مجال حقوق المراة، دعاء عبد الامير “ان زنا المحارم يعتبر عنفا جنسيا ونفسيا صعبا للغاية في تشخيصه واعلانه ومعالجته”. وتساندها في نفس الرؤية صفد عبد العزيز، عضو شبكة مكافحة الاتجار بالمراة وممثلة جمعية حماية وتطوير اﻻسرة العراقية حيث ترى ان “هذه الظاهرة تدخل في خانة اضطهاد المرأة من قبل الرجل، سواءا كان من اﻻقارب او من اﻻغراب، داخل مجتمع يتسم بالذكورية ويغفر كل زﻻت الرجال”.
الافصاح اول خطوة نحو الحل
عدم تصديق الاهل للضحية او تسترهم على ما حصل لها، بالاضافة الى خوف البنت نفسها وخجلها من التصريح بما تعرضت له، يفاقم المشكلة كما ان له تاثيرات نفسية عديدة على هذه الاخيرة وجبت معالجتها.
يرى الباحث النفسي سعد عبد محمد أن المشاكل النفسية التي تصيب الضحية تتعاظم بسبب عدم قدرتها على البوح بهذا الأمر، فتكتم كل الأفكار والمشاعر بداخلها وتنكمش على نفسها، “ومن هنا يكون العلاج بإعطاءها الفرصة للحديث عن كل ما بداخلها مع طمأنتها أثناء استعادة تلك الخبرات الصادمة، ثم محاولة إعادة البناء النفسي لها من جديد بعد تجاوز هذه الأزمة”.
ويضيف “ان الافصاح هو أول وأهم خطوة في علاج ضحايا زنا المحارم لانه يتيح اتخاذ إجراءات لحماية الضحية على مستوى أسري وقانوني. رغم ذلك، فإن هناك صعوبات تحول دون حدوثه أو تؤخره، ومنها الخوف من العقاب أو الفضيحة، أو الإنكار على مستوى أفراد الأسرة، ولذلك يجب على المعالج النفسي في حال اللجوء إليه أن يفتح الطريق، وأن يساعد على هذه الخطوة”.
قانون موجود ولكن لا يطبق
لا يخلو القانون العراقي من اجراءات ردعية وعقابية ضد مرتكب زنا المحارم حيث يقول القاضي كاظم الزيدي “ان هذه الجريمة تصنف ضمن الجرائم الخطرة وعقوبتها الاعدام، وفقا لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 488 لسنة 2004، لكل من ارتكب فعل الاغتصاب لانثى وأدى الفعل الى ازالة بكارتها او الحمل او الوفاة وتكون من اقاربه الى الدرجة الثالثة”، مضيفا “ولكن عقوبة الاعدام تم تعليقها في هذه الجريمة من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة”.
ورغم وجود القانون فإن الضحايا غالبا ما يلتجئن الى رفع شكاوى اما خوفا من الفضيحة او لعدم المعرفة به. لذك وجب اتخاذ اجراءات من قبل الحكومة والمجتمع المدني لحمايتهن.
تعتبر هناء حسين ان القضية تحتاج الى حل جذري فوري وانه لابد للجهات المعنية ان تاخذ دورها وتعطي المشكلة حجمها الحقيقي وان تدرس ابعادها الاجتماعية الخطيرة، كما يجب عدم التستر على الجناة لان هذه الظاهرة ان شاعت في المجتمع افقدته تماسكه واستقراه وتعايشه السلمي. وتضيف “نحتاج جهود الجميع منظمات مجتمع مدني للتوعية والرصد وكذلك الى جهود عناصر الامن والجهات الصحية والوزارات المعنية.”
في حين ترى صفد عبد العزيز أنه يفترض ان تكون هذه القضية من اولويات منظمات المجتمع المدني للدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة بالتحديد، مبينة ان هناك عدة عوائق امام ذلك، منها ما يتصف به الموضوع من حساسية بما انه يمس البنية الاجتماعية واﻻعراف، بالاضافة الى عدم توفر العامل المادي اللازم للعمل عليه، لذلك تواجه هذه المنظمات مشكلة في عملها بهذا المجال.”
اجراءات وقائية
يبين الباحث النفسي سعد عبد محمد ان هناك جملة من الاجراءات الوقائية داخل الاسرة لمنع حدوث جريمة زنا المحارم منها الاستئذان قبل الدخول، ومراعاة الخصوصيات في الغرف المغلقة وتفريق الأولاد عن البنات في المضاجع. وعدم ظهور الأم أو البنات بملابس كاشفة أو خليعة تظهر مفاتن الجسد أمام المحارم الذكور، والعكس بعدم تبسط الذكور أمام محارمهم من الإناث. الى جانب ذلك، لابد من التزام قدر معقول من التعامل المحترم بعيدا عن الابتذال والتساهل بين أفراد الأسرة، وتجنب المداعبات الجسدية بين الذكور والإناث في العائلة التي قد تأخذ شكلا من أشكال المزاح، وعدم نوم الأبناء أو البنات في أحضان أمهاتهم أو آبائهن خاصة بعد البلوغ. و يضيف “ان العمل على إشباع احتياجات الأفراد داخل المجتمع بشكل عام يقلل من نسبة حدوث الجرائم الجنسية فيه”.
وتبقى هذه الجريمة عاملا مهددا لاستقرار المجتمع ما لم يتم الاعتراف بها والعمل على معالجتها، حتى تجد (ح.ح) ومثيلاتها من ينصفهن ولا يتفاقم عندهن الاحساس بان الجميع تخلوا عنهن.