بعيون غائرة وملامح حزينة تحدثنا العشرينية سمية عن قصة زواجها كفصلية منذ قرابة الثلاث سنوات, حيث تعيش في ناحية ريفية بعيدة عن مركز محافظة البصرة, أقدم شقيقها على إنها حياة شخصين بحادث أطلاق نارعمد هو وأشخاص آخرين على أثر خلاف على قطعة أرض ثم لاذ بالفرار, دفعت خلالها سمية ثمنًا باهظا. أخذت كزوجة فصلية بعمر الـ18 عامًأ, من شخص يعاني(أعاقة ذهنية), تقول سمية” قبل أن ارضخ لقانون العشيرة وأذهب كفصلية, كنت أعمل على تعلم صناعة الصابون من المواد الطبيعية في المنزل وبيعه للنساء في القرية,
بعد الحادث الذي ارتكبه شقيقي حضر رجال من العشيرة, أخبروا والدتي أن عشيرتنا لن تتمكن من دفع مبلغ 65مليون دينار عراقي, لعائلة المقتول كديه, وعوضًا عن ذلك طلبوا نساء من عشيرتنا لتكون فصلية”
تضيف” فكرت وقتها في الهروب, لكن لم أعرف أين يمكن أن أذهب, خصوصًا وأنا أسمع قصص لنساء هربن من أهلهن ثم عٌدن مجبرات, بعضهن فقدن حياتهن بجرائم غسل العار كما كنت أسمع, شعرت بالخوف من المجهول ثم أستسلمت للواقع المرير كان كابوسا مع رجل مارس معي جميع أنواع الإذلال والعنف النفسي والجسدي, اذكر أن والدته شغلت القرآن الكريم بصوت مرتفع في الليلة الاولى للزواج, وكانت حاضرة معنا في الغرفة, لتقوم بتوجيهه عما يجب فعله معي, كنت أرى رجلا غير قادر على الكلام كان يضحك ويصرخ, وكاد أن يضرب والدته, وتفاصيل أخرى لن أتمكن من أخباركم بها, لكنها كانت بمثابة جريمة أرتكبوها بحقي, لم أكن فقط زوجة فصلية تعامل كخادمة وتنفذ الأوامر, كنت مجبرة على التواصل مع شخص يعاني من أمراض جسدية وعقلية, كان يجبرني ان أنام على البلاط من دون قطعة ملابس بينما يقوم هو بالنظر والضحك بصوت مرتفع, في مرة سكب فوقي ماء بارد وأنا نائمة, ومرة أخرى كتم أنفاسي في الوسادة كدت أفقد الحياة خلالها وتملصت من بين يديه بأعجوبة”.
بالرغم من مرور السنوات وتغير حال المجتمعات والقوانين التي تجرم الزواج من غير رضا الطرفين أو بالأكراه عالج القانون العراقي حالات الأعراف المتأصلة لما لها من عواقب أجتماعية حيث نصت المادة(9) الفقرة(1) من قانون الأحوال الشخصية العراقي لسنة 1959 “لا يحق لأي من الأقارب او الاغيار اكراه اي شخص ذكرا كان ام انثى على الزواج دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالاكراه باطلا اذا لم يتم الدخول كما لا يحق اي من الاقارب او الاغيار منع من كان اهلا للزواج بوجب احكام هذا القانون من الزواج”
وبحسب القاضي (سعد طاهر) محكمة الأحوال الشخصية في بغداد “أن القانون العراقي منذ العام 1959 أعتبر من يخالف أحكام المادة (9) الفقرة(2) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات, وبالغرامة, أو بإحدى العقوبتين اذا كان من اقرباء الدرجة الأولى, أما اذا كان المخالف من غير هؤلاء تكون العقوبة مدة لا تزيد عن عشر سنوات ولا تقل عن ثلاث سنوات, وشهدت محاكم الأحوال الشخصية العديد من الأحكام وفق هذه المادة خصوصًا لمن يلجأ للقانون ولا يسمح لأعراف قديمة أن تحكم حياته وحياة المقربين منه”.
ويضيف “القانون العراقي أوقف العمل وفق أحكام المادة (9) نتيجة كثرة حالات التي يسود فيها العرف العشائري عدل مجلس القضاء الأعلى القانون للعام 1959, واستبدله بقانون مكافحة الأرهاب رقم (13) لسنة 2005المادة (2) الفقرة(1)العنف او التهديد الذي يهدف الى القاء الرعب بين الناس او تعرض حياتهم وحرياتهم وامنهم للخطر وتعريض اموالهم وممتلكاتهم للتلف ايا كانت بواعثه واغراضه يقع تنفيذا لمشروع ارهابي منظم فردي او جماعي, وفق أحكم هذه المادة تكون التهديدات والنزاعات العشائرية عملًا أرهابي يحاسب عليه القانون بعقوبات مشددة تصل إلى السجن لـ15 عام”.
مؤكدًا “أن سريان القانون وتطبيقه خلال عقود مضت منذ العام1960,ساهم بأندثار العادات القبلية والعشائرية, وكان رادع قوي يصعب تجازوه”.
لكن عادت بعض التقاليد المندثرة بالظهور منذ العام 2003 ,خصوصًأ في المدن الواقعة جنوب العراق, وأصبح قانون العشيرة هو السائد كما كان في الماضي متبعًا أعراف جائرة بحق النساء, يدفعن خلالها حياتهن فاتورة لجرائم أرتكبها الرجال.
بحسب الدكتور خالد العرداوي في بحثه المنشور لدى مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعةكربلاء بعنوان”القديم المستمر في ثقافتنا السائدة” أن الكثير من المشاكل التي يعيشها المجتمع العراقي المعاصر, بسبب عادات وتقاليد الأسلاف وما لها من تأثير سلبي جسيم على الأسر وأنماط الحكم والإدارة بسبب هيمنة تلك العادات والتقاليد وتتجلى بقضية السلطة ولا يمكن حل المشكلات والقضايا دون الرجوع للماضي وماعاشه القدماء وسيطرة نمط العبودية والأستسلام لسلطة الأب , وشيخ الطائفة, شيخ العشيرة, ويصف العرداوي تلك العادات المتأصلة في المجتمع أنها قوة غير عاقلة متجسدة في السلوك الفردي الاجتماعي , وتنتج فوضى تزيد من أنقسام المجتمع, ناجمة عن الاستعداد النفسي للتمرد مقابل تمدد لأحكام مؤسسات الأسلا ف التي تحاول أن تجدد نفسها وتفرض سلطتها.
وتظهر نتائج البحث دور منظمات المجتمع المدني بالرغم من إنها بدأت منذ العام 2003لكن يتوقع الباحث إنها ستحدث تأثيرًا إيجابي للمجتمع العراقي على المدى البيعد.
عاشت سمية مايقارب الخمسة أشهر لا تعرف كيف تتواصل مع عائلتها, إلى أن تمكنت والدتها من خلال بعض النسوة الأقارب لبيت عائلة الزوج أن تزودها بهاتف لتتمكن من التواصل معهم عندما تكون بمفردها, تقول والدة سمية ” أنقطعت أخبار ابنتي بعد أن اخذوها كزوجة فصلية خصوصا وأنها تسكن في ناحية بعيدة عنا, وكنت أفكر بطرق أستطيع من خلالها أن أعرف كيف تعيش, لكن أصابتني صدمة جن جنوني معها عندما عرفت أن الزوج رجل يعاني من اضطرابات عقلية وأبنتي تعيش تحت جحيم وعذاب نفسي”.
وتضيف والدة سمية ” كوننا عائلة ميسورة الحال, حيث فقدت زوجي منذ عشرة أعوام بسبب الأصابة بمرض السرطان, وأصبحت أنا المعيلة للعائلة,ولم تكن عشيرتنا من العشائر التي تتمكن من تسديد الديه لعائلة المقتولين, هرب شقيق سمية بعد الحادثة لمحافظة أخرى وانقطعت أخباره, وتركني أنا وأخواته نواجه المصيبة التي حلت فوق رؤوسنا, لم يكن هنالك من الجأ إليه, ساعدتني أحدى الشابات التي كانت تكمل تعليمها في مركز المحافظة من الحصول على رقم هاتف الشرطة المجتمعية اخبرتني أنها جهة حكومية تساعد النساء اللواتي يتعرضن لأذى, تواصلت معهم لأنقاذ أبنتي سمية مما تعيشه, واخبروني أن المجني عليها وهي أبنتي يجب أن تقدم بلاغ رسمي لديهم عن حالة العنف الأسري التي تتعرض له, لكي يتمكنوا من مساعدتها, وكان ذلك مستحيل كونها لا تتمكن من الخروج بمفردها ومركز المحافظة بعيد عن مكان سكنها”.
عن هذه النقطة تشرح الملازم في الشرطة المجتمعية (مريم محمود):”أن بعض البلاغات التي ترد عن طريق الهاتف, لا يمكن الأخذ بها, لذا يتطلب حضور الضحية وتسجيل بلاغ رسمي خصوصًا القضايا التي لا تكون أبتزاز إلكتروني, كالعنف الأسري من قبل الزوج أو الاهل تحتاج إلى توثيق, ثم يتم تشكيل فريق عمل من قبل شعبة الشؤون النسوية في الشرطة المجتمعية, لزيارة مكان سكن الضحية والوقوف على حقيقة الأمر, أما الحالات التي تتحول إلى قضية رأي عام وتكون موثقة كتصوير فيديو أو مناشدة نتوجه مباشرة للكشف عنها ومعرفة حيثيات الواقعة”.
وللتصدي لأنتشار الأعراف القبلية كزواج الفصلية وإرغام الفتيات عليه تقوم الشرطة المجمتعية بحملات توعوية تتضمن جلسات نقاشية وتوعوية, بمساهمة شعبة شؤون العشائر, في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى، وبحسب محمود فإن عدة عشائروقعت وثيقة “ترفض فيها الظواهر التي تسيء لدورهم”.
بحسب الحقوقية (الهام الياسري) أن” عرف العشيرة في العراق مازال يعتبرالمرأة سلعة يمكن مقايضتها والتحكم بها في زواج الفصلية لحل النزاعات بين العشائر, وتعزو السبب لتكاثر العادات والأعراف البالية التي مازالت موجودة حتى اليوم هو غياب التطبيق الحكومي للقانون ليكون رادع لمرتكبي هذه الجرائم”.
وتؤكد أن “اللجان في البرلمان العراقي كلجنة المرأة , واللجنة القانونية المعنية بتعديل وتشريع القوانين, للأسف تتغاضى عن طرح القضايا الحساسة المعنية بالجندر والأنتهاكات الحاصلة ضد النساء, والدليل أن “قانون العنف الأسري” منذ دورتين في البرلمان ويتم ترحيله للدورات القادمة دون طرحه للتصويت”.
وبانتظار ذلك تعاني المئات كسمية التي تركت دراستها قبل الإعدادية, ثم كانت فصلية لرجل بالأكراه وغير كامل الأهلية,لم تتحرر منه إلا بوفاته متأثرًا بمضاعفات فايروس كورونا منذ عام تقريبًا, تقول” تم تحريري من قبل عائلة الزوج بعد وفاته كوني لم أنجب طفلًا منه, عدت للعيش مع والدتي واخوتي, ومن خلال الفتاة التي سبق وان ساعدت والدتي للاتصال بالشرطة المجتمعية, تمكنت من التواصل مع منظمة تهتم بالنساء اللواتي تعرضن للعنف الأسري وتقدم لهن المساعدة”
تعمل سمية حاليًا على تعلم الخياطة بمساعدة منظمة مجتمع مدني معنية بالمرأة في محافظة البصرة, تقديم الدعم للنساء للبدأ بمشاريع صغيرة.
انتج المحتوى بدعم من التعاون الالماني.