غير مصنف

غجريات الزهور بين رفض المجتمع والاهمال الحكومي

المنار نيوز/ نقلا عن عراقيات

“تسولت كثيرا واضطررت لبيع جسدي مرارا لأنني غجرية، مما جعلني اكره نفسي واكره أصلي وكل من حولي لانني منبوذة من قبل المجتمع الذي لم يرحمني  بل جعلني اشعر بانني اقل شأنا من الآخرين. كثيرا ما حاولت الحصول على فرصة عمل خارج قريتنا الا ان محاولاتي باءت بالفشل” تقول (م .ش) 45 عاما،  تعيش في قرية الزهور (تبعد 20 كم جنوبي شرقي محافظة الديوانية).

تروي (ز.ي) هي الاخرى معاناتها كفتاة غجرية: ” حياتنا معاناة بلا حدود: حرمان وفقر ومرض وجوع ونبذ من المجتمع لنا والتقليل من شأننا وليس هذا فقط بل حتى اننا حرمنا من حقنا في اللقب في اوراقنا الرسمية بل وتميزنا عن غيرنا بكتابة كلمة “استثناء “، كما لا يتم منح الغجر شهادة الجنسية العراقية وبذلك يحرم الكثير من ابنائنا من فرصة التعليم. والحكومة تستكثر علينا فتح مدرسة لنتعلم القراءة والكتابة فاصبحت الامية متفشية بيننا. ومؤكد ان أطفالنا سيكون مصيرهم كمصيرنا. بالنتيجة نحن محرومون أيضا من التوظيف، فأغلب الرجال في قريتنا هم بدون عمل بسبب طردهم وعدم تقبلهم من قبل المجتمع الذي ينظر الينا بنظرة دونية واحتقار فنضطر الى التسول في الطرقات وسط مطاردة العناصر الامنية. كما أن الكثير من نسائنا دفعتهن الحاجة الى ممارسة البغاء لتأمين لقمة العيش. اضف الى ذلك انعدام الرعاية الصحية للجميع وخاصة الحوامل وذوات الاحتياجات الخاصة وغياب الخدمات فلا ماء صالح للشرب ولا كهرباء”.

يعتبر الغجر مجموعة سكانية عراقية  تعود جذورها إلى شبه الجزيرة الهندية ودلتا السند. وهم يشكلون  أقلية عرقية في العراق كان عددهم في 2005 يبلغ 50 ألف نسم ، يسكنون في قرى وتجمعات بشرية عادة ما تكون منعزلة على أطراف المدن وهم منتشرون بين بغداد والبصرة ونينوى وبعض قرى سهول جنوب العراق في محافظتي المثنى والديوانية. يعيشون في ظروف معيشية صعبة بسبب اهمال الحكومة لهم وتقاعس منظمات المجتمع المدني عن مساعدتهم.

حلم بزواج قانوني وحياة كريمة

يعتبر الناشط في مجال حقوق الانسان، تحسين الزركاني أن “أكثر ما تعانيه الغجريات هو فقدان الأمن والخشية من أي طارئ أمني ينعكس على قراهن ويهدد تواجدهن في بيئة تفتقد الى أبسط مقومات الحياة، كما أن نظرة المجتمع الدونية لهّن تجبرهن على الصبر واحتمال العيش تحت ظل سقف مهترئ من سعف النخيل وأرض تغيب عنها الأفرشة التي تتنعم بها غيرهن من نساء المدينة”.

تقول ز.ي ” ان البعض من فتياتنا يحلمن بزواج قانوني ومن خارج رجال القرية ليعشن حياتهن الطبيعية ويتمكنن من تحسين نسلهن بلا ظلم او حرمان او طفولة مشردة. لكن للاسف هي احلام فقط، فبعضهن عدلن عن فكرة الزواج بسبب الوضع الماسوي للقرية، كما ان بعض الزيجات لا تسجل في المحكمة فتحرم الزوجة وأولادها من حقوقها القانونية، خاصة وأن أغلب النساء يجبرن على الزواج بهذه الطريقة،  فنحن نعيش منعزلين تماما تحت حصار قسري، حيث تم منعنا من الاختلاط بالمجتمع. وللاسف لا توجد هناك اي مساعي من قبل منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الانسان ولا حتى الجهات الحكومية المعنية  لمساعدتنا”.

اهمال الحكومة

يؤكد الزركاني، أن “لجوء الغجريات للتسول والبغاء، أمر حتمي ولا بديل عنه بعد أن أغفلت الحكومات والمجتمع سبل تأمين العيش الكريم لهن ولأبنائهن وان القصور المتعمد لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام سببه الخشية من رأي الشارع في التواصل مع الغجر.”

من جهته، يرى رئيس لجنة حقوق الانسان في مجلس محافظة الديوانية، حسن الجبوري في تصريح لاحدى وسائل الاعلام أن ” ما تعانيه الغجريات من فقر وبؤس، سببه تجاهل الحكومة العراقية لوضعهن وخرق الدستور الذي لم يفرق بين أحد من مواطنيه على اساس اللون او الجنس او العرق ..الخ ” مضيفا ” أن الحكومات تجاهلت هذه الشريحة التي تملك  حق العيش في العراق”.

بالنتيجة، قد تدفع الضغوط التي تتعرض لها الغجرية الى ارتكاب جرائم القتل او الانتحار بدافع الانتقام وكذلك  شيوع الفاحشة وضياع الانساب. هذا ما تشير له الباحثة الاجتماعية هناء حسين علي حيث تقول : “ان نظرة الاحتقار من قبل المجتمع للغجر وتجاهلهم من قبل الحكومة ممكن ان تجعل من قرى الغجر بيئة صالحة للجريمة والخطيئة”. لذلك “لا بد من تأمين العيش الكريم لهم كبقية الاقليات الاخرى ومنحهم حقوقهم كاملة في التعليم والعمل و السكن والرعاية الصحية والاجتماعية. وذلك من أجل اعادة دمجهم في المجتمع كمواطنين ذوي حقوق كاملة.  وكذلك على منظمات المجتمع المدني ان تتبنى قضيتهم وتدافع عنها متسلحة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تستطيع من خلالها اجبار الحكومة العراقية على التعاطي الجدي مع هذه المشكلة الانسانية”.

تقاعس المجتمع المدني

كما يعاب على الحكومة تخليها عن الغجر، يعاب ايضا على المجتمع المدني عدم الاهتمام الكافي بهم.

“الغجر بحاجة لبرنامج شامل يعمل على اعادة دمجهم اجتماعيا  فالاجراءات الامنية منعت العديد  من منظمات المجتمع المدني من مساعدتهم، بالاضافة الى انعدام العامل المادي الكافي لتقديم المساعدة الفعلية لهم لأن الجهات المانحة هي التي تحدد الفئة المستهدفة بالدعم” تبين فريال الكعبي، رئيسة منظمة أوان للتوعية وتنمية القدرات، مضيفة أن “نظرة المجتمع لهذه الشريحة تنعكس على اي جهة تحاول التقرب لها واﻻطﻻع على واقعها او المناداة بحقوقها. كما أنها شريحة غير مفتوحة  همها الوحيد هو كيفية البقاء على قيد الحياة”.

وترى الكعبي أن الغجر يحتاجون الى دعم حكومي كبير لتحسين واقعهم، مثل وزارة العمل والمراة وحقوق الانسان والصحة وشمولهم بمنح تشغيل العاطلين عن العمل وفرص التعيين ورواتب الرعاية الاجتماعية للنساء وكذلك الحال بالنسبة لمشاريع محو الامية والرعاية الصحية.

اما تحسين الزركاني فيرى أن “الحل يكمن في تنظيم زيارات دورية منتظمة للغجر من قبل باحثين اجتماعيين، ليعرفوا مشاكلهم ويسهلوا طرق دمجهم في المجتمع كمواطنين عاديين لا تلتصق بهم وصمة العار تحرمهم كل حقوقهم”.

المصدر 

زر الذهاب إلى الأعلى