أخبار ومقالات

في العراق، نساءٌ يجبَرن على التشرّد.

عيسى العطواني

تقترب شيماء صلاح(17)عام من سيارةٍ فارهة متوقفةٍ في تقاطع الجمعية وسط مدينة الحلة، في محافظة بابل  لتطلب المال من سائقها الذي نفث دخان سيجارته في وجهها بدلًا من أن يعطيها المال، تتركه وتذهب إلى سيارة أخرى كان يستقلها شابان حصلت منهما على ورقة نقدية ترافقها كلماتٍ مصحوبة بابتسامة ونظرات غريبة.
مضى  أكثر من عام و هي تقضي نهارها فيذات التقاطع، تستجدي المال من المارة وسائقي السيارات، يكرمها بعضهم بالمال والطعام، وتتعرض للتحرشِ من البغض الآخر،و في نهاية اليوم  تذهب إلى مكانٍ مجهول للمبيت فيه.

الهروب بحثاً عن الحرية.

ليست شيماء الوحيدة التي عانت من التشرد بل عاشت،صبا كاظمذات المعاناة لكن تحت ظروف تختلف نوعا، فقد كانت تعمل في صالون حلاقة للسيدات  وبعد الانتهاء من العمل تسمح لها صاحبة الصالون المبيت  فيه بعد أن تغلق أبوابه ليلًا ، فلا يوجد أي مكان يمكنه ان يأوي صبا لانهاكانت مشردة بعد أن هربت من دار إيواء المشردات بحثًا عن الحرية كما قالت, وتكمل :كان عمري أربعة عشر عام عندما توفي والدي وتخلت عني أميبعد ان تزوجتبشخص آخر، سلمت نفسي إلى أحد مراكز الشرطة، و قام ضابط الشرطة بتحويل أوراقي إلى المحكمة وبعدها تم تسفيري إلى دار المشردات.

تروي صبا معاناتها مع الشرطة، فقد كانت تتعرض للتحرش من قبل أحد العناصر الامنية الذي كان يرافقها طيلة فترة نقلها من المركز إلى المحكمة وبالعكس، وبسبب خوفها لم تخبر القاضي بذلك، وبقرار القاضي تم تحويلها إلى مستشفى حكومي لإجراءات فحوصات عديدة منها فحص العذرية، وبعد أن بينت الفحوصات سلامتها من كل الأمراض وأنها لا تزال باكر أصدر القاضي قرارا يقضي بإيداعها في دار تأهيل الأحداث الإناث في بغداد.

لم تنته معاناتها التي بدأت في حياتها مبكرا واكتملت في دار الاحداث, لعل أبرز ذكرياتها تتعلق بصديقتها زينب، التي لم تحتمل فكرة البقاء في الدار ومعانتها فقررت ان تنهي حياتها .

المشردة ليست مجرمة

تقول علياء الأنصاري رئيسة منظمة بنت الرافدين:أن الفتيات والفتيان المشردين نتيجة لفقدان العائلة أو الهربِ منها بعد تعرضهم للعنف الأسري أو ظروف أخرى، تتم معاملتهم معاملة الجانح من قبل الجهات الحكومية، والجانح هو الشخص الذي ارتكب جنحة أو جريمة، وفي الحقيقة أن المشردين ليسوا مجرمين بالضرورة.

دار واحدة واجراءات بوليسية
الناشط المدني والباحث في شؤون المرأة والطفل في العراق ياس العرداوي، الذي عمل سابقا في ملف  إيواء المشردين والمشردات، يؤكد وجود دار ايواء واحدةً فقط لإيواءِ المشردين، الذكور واخرى للإناث في  العاصمة بغداد، ولا توجدُ دار حكومية لإيواء المشردين في محافظة أخرى,كما ان  إجراءات التسفير إلى المحاكم تسري على الذكور والإناث بشكل بوليسي وفي سيارات الشرطة ومراكز الشرطة، وما أن تصل المشردة إلى القاضي يتم تحويلها إلى المؤسسات الصحية من أجل إجراءات عدة فحوصات قد تأخذ مدة إنجازها أيام عديدة، غالباً ما تقضيها المشردة في مراكز الشرطة، وبعد اصدار القرار يتم تسليمها إلى دار رعاية المشردات الذي يمنعها من الخروج إلا بأمر قضائي.

ويرى العرداوي ان قانون الأحداث العراقي جيد لكنه يخلط بالتعامل بين الأحداث الجانحين من جهة، والأطفال والمراهقين المشردين الذي لم يرتكبوا جنحة أو جناية من جهة أخرى، مشيرا الى ان زج  المشرد أو المشردة بسلسلة إجراءات بوليسية تشبه إجراءات التعامل مع المجرمين مشكلة حقيقية للمشردين سيما الإناث منهم ولها اثار نفسية وصحية وخيمة.

حلول لابد منها

تؤكد الانصاري على ضرورة تعديل قانونِ رعاية الأحداث المرقم 76 لسنة 1983 من قبل مجلس النواب ليشمل تعليمات خاصة بالتعامل مع المشردين والمشردات بما يضمن رعايتهم الكاملة وحفظ كرامتهم من قبل دور الدولة وضمان مستقبلهم وعدم منعهم من الخروج أو التعامل معهم كخطر على المجتمع، لأنهم جزء منه كما أن الإجراءات المعقدة مع المشردات دفعت الكثير منهن لاختيار الشارع بدلاً من اللجوء الى دور الدولة، الأمر الذي يعرضهن الى مخاطر كبيرة ومتعددة.

فيما طالبالعرداوي الحكومة العراقية باستحداث دورٍ حكومية في جميع محافظات العراق لرعاية المشردين والمشردات بإشراف مختصين لإعادة تأهيلهم للاندماج مع المجتمع بشكل طبيعي، وتحسين الاجراءات بما يضمن عدم معاملتهم كمجرمين لأنهم ضحايا .

زر الذهاب إلى الأعلى