وفي ظل قيود المجتمع العراقي، ونظرته لدور المرأة في الحياة العامة، وغياب التوازن بين الرجال والنساء في المناصب العليا، والإدارات الحسّاسة، فإن وجود 9 نساء يتولين مناصب كبيرة تؤثر في قرار محافظة حلبجة الناشئة، يمثل نقطة مضيئة في محطات نضال المرأة لاستحصال حقوقها، كما يدفع نحو تطبيق النموذج، في مختلف مناطق البلاد.
وعلى رأس إدارة الحكم في حلبجة، تتولى نوخشة ناصح منصب قائمقام المدينة منذ عام 2016، وتولت شاناز نقشبندي، منصب المتحدث باسم الصحة، وكويستان شيخ أكرم، رئيسة للبلدية، فيما تتولى كولستان محمد، منصب مديرة مكتب حقوق الإنسان.
كما تولت سوزان حمه شريف منصب قاضي محكمة التحقيق، ودينا أحمد مسؤولية لجنة التنسيق مع الحكومة العراقية، وخيلان عبد الرحمن، مسؤولية إدارة البلديات والإسكان، ودلنيا كاكيي، مديرة للبيطرة في المحافظة.
مواصفات محددة
وتقول رئيسة جامعة حلبجة، وإحدى النساء البارزات في المدينة، مهاباد كامل إن “تجربة حلبجة دليل على أن النساء قادرات على إدارة المناصب بشكل جيد ومتميز، فالإدارة تحتاج إلى إتقان فن الإدارة، إضافة للخبرات المطلوبة في شغل المناصب الإدارية، حيث يتطلب الأمر الجدية، والإخلاص، وعدم الأنانية”.
وتضيف مهاباد، في حديث للجزيرة نت، أن “تلك التجربة تمثل رسالة لنساء العراق، والشرق الأوسط، مفادها أن النساء قادرات على إدارة كل المناصب الحكومية والإدارية”، وتؤكد أن “المرأة في محافظة حلبجة، وفي مدينة هورامان بشكل عام، ترشحت للمجالس النيابية، منذ القرن الثالث” الميلادي.
السر في ذلك، يكمن أن “نساء المنطقة لهن مشاركة فعالة مستمرة ويومية مع الرجال في كل الأمور المنزلية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، منذ القدم، لذلك من البديهي رؤية المرأة تتبوأ المناصب في حلبجة، بل سطرت المرأة قصصا كثيرة عن وقوفها جنبا إلى جنب مع الرجل في شتى الظروف والمواقف”، وفق مهاباد كامل.
وتروي المدوّنات التاريخية قصصا كثيرة، عن تولي نساء مناصب مهمة في هذه المدينة، ذات الطبيعة الخلابة، والموقع الجغرافي المهم، ففي الأعوام (1909 ـ 1915) تولت عديلة خانم، منصب قائمقامية مدينة حلبجة، وهي من أوائل النساء الكرديات في التأريخ الحديث تتسلم هذا المنصب، ولُقبت بملكة شهرزور غير المتوّجة.
من جهته، تحدث محافظ حلبجة آزاد توفيق عن آلية اختيار النساء للمناصب العليا، فيما حدد عدة معايير تحكم هذا الاختيار.
وقال توفيق للجزيرة نت إن “آلية تنصيب هؤلاء النسوة اللاتي يشغلن عددا من المناصب في المحافظة، تنقسم ما بين الدعم السياسي لهن، وكفاءة تلك النساء لتسنم المنصب، حيث إن الخصخصة الحزبية تنقسم بين عدة أحزاب في كردستان، فللاتحاد الوطني الكردستاني مناصب إدارية تتبع حضوره السياسي في برلمان كردستان، وكذلك الحزب الديمقراطي والأحزاب الإسلامية، وغيرها من الأحزاب”.
وأضاف أن “هؤلاء النسوة اللاتي يشغلن المناصب الإدارية في المحافظة تسنمن تلك المناصب بترشيح ودعم حزبي إضافة لكفاءتهن وإمكانيتهن لإدارة تلك المناصب”.
فجوة هائلة
الفجوة بين النساء والرجال في المناصب الإدارية العليا في الوزارات العراقية كبيرة جدا، فحتى فكرة ترؤس أكاديمية لإحدى الجامعات تواجه الكثير من المشككين والمعترضين في السر والعلن، فيما تكشف بيانات حكومية أن نسبة تمثيل النساء في موقع مدير عام بوزارة التعليم العالي العراقية هي صفر%.
وتظهر بيانات صادرة من وزارة التخطيط العراقية لسنة 2018، على سبيل المثال، وجود امرأة واحدة في منصب مدير عام، مقابل كل 9 رجال، والنسبة ذاتها تتكرر لمنصب معاون مدير عام، وفق ما نقلت منظمة إنترنيوز في تقرير صحفي.
وتقول مختصات إن سبب عدم وصول المرأة إلى المناصب الإدارية العليا يرتبط بطبيعة المجتمع العراقي، ونظرته لدور المرأة بشكل أساسي، وينعكس ذلك بإحداث تباين وفروق بين النساء والرجال في التأهيل والتعليم.
وترى الناشطة ومديرة منظمة سازان للمرأة وحقوق الإنسان روناك علي أن “المرأة هي مرآة المجتمع، فهي القادرة على التصدر والظهور في جميع المحافل، وتجربة حلبجة في فسح المجال للمرأة تمثل خطوة لافتة في إدارة المدينة، وقد لاقت استحسان المواطنين”.
وتؤكد للجزيرة نت أن تغييرات جذرية حدثت عندما تسلمت النساء تلك المناصب، فمثلاً انخفضت مؤشرات الفساد، وبدأ الروتين التقليدي ينعدم في الدوائر، وهذا يعود إلى روح المرأة المثابرة ونفسيتها المرحة.
وتشير إلى أن “هذا دليل على قدرة المرأة جسديا وفكريا لشغل المناصب، على عكس ما يتحدث به المجتمع الذكوري، ومن هنا تبدأ الآمال بالتوسع حيث قد نشهد مستقبلا أن تشغل المرأة العراقية منصب رئيس الجمهورية والوزراء”.
وبحسب روناك علي، فإن ما تعرضت له المدينة، من مآسٍ وحروب، على مدار العقود الماضية، خاصة خلال فترة الثمانينيات، عندما قتل الآلاف، بسبب القصف الكيماوي في عهد نظام صدام حسين، جعل نساءه لا يخشين تولي زمام المبادرة، والقيادة، وتحمل المسؤليات، وأزاح عنهن الانكفاء، ومنحهن القوة في الاندفاع نحو الخطوط الأمامية لمواجهة الحياة.
اختيار دقيق
ويرى الأكاديمي والباحث في الشؤون الإسلامية سالار تاوكوزي أن حلبجة اعتادت خلال القرون الماضية، تصدر المرأة في المحافل وإدارة المناصب، وهناك عشرات الأمثلة على ذلك، لكن خلال فترة الثمانينيات، غلب الطابع الديني على المدينة، حيث أسهم الفهم الخاطئ لتعاليم الدين، والظروف الصعبة، في إبعاد النساء عن المناصب العليا، لكن سرعان ما عاد ذلك، إلى طبيعته، مع تغير الأوضاع.
وأضاف تاوكوزي، في حديث للجزيرة نت، أن “النساء اللاتي تسلمن المناصب في حلبجة حاليا، أمثال القائمقام نوخشة ناصح، وغيرها من الإداريات، اختُرن بشكل دقيق، لإعطاء وجه جديد لمحافظة حلبجة، وقد أثبتت التجارب أن الدوائر التي تقودها النساء ناجحة، والدلائل، كثيرة على ذلك”. وعبر عن أمله بأن “تعم هذه الظاهرة عموم مدن كردستان العراق وسائر المدن العراقية”.