حذر نوري المالكي رئيس وزراء العراق قبل أيام من انهيار الاقتصاد العراقي ونظامه المالي، وبشر الشعب العراقي بعجز مقداره 35 مليار دولار لهذا العام، وهناك من يقول ان العجز المالي الحقيقي هو اكثر مما ذكر بكثير، حيث كشف عضو اللجنة المالية في البرلمان حسن البياتي عن رقم خمسين تريليون دينار، في بلد تعد ميزانيته لعام 2013 البالغة 118.6 مليار دولار واحدة من أعلى ميزانيات المنطقة! فلماذا يا ترى ينهار اقتصاد العراق الذي أراد له الغزاة ان يعود الى اقتصاد السوق والى أحضان صندوق النقد الدولي؟
كثير من الدول تواجه ميزانياتها المالية العجز، بسبب الخطط الانفجارية للبناء والاستثمار في الخدمات الأساسية كالسكن والكهرباء والطاقة والمستشفيات والجامعات والسياحة والتأمين الصحي والاجتماعي للشعب، وبناء الطرق والجسور والسكك الحديدية، وتحديث اسطول الطيران المدني.. الخ، مما يتطلب بالفعل صرف عدة مليارات في كل قطاع، وهذا ما نراه في دول عربية صغيرة حول العراق، تشتري سنويا وبالمليارات تكنولوجيا وطائرات ومعدات لتوسيع مشاريعها وتنميتها، مستثمرة فيها بما يخدم شعوبها قليلة العدد وميزانياتها، ويصيب العجز ايضا دولا غنية جدا ومتطورة صناعيا بسبب انخفاض الناتج الكلي للبلد، او بسبب استفحال الديون وعدم القدرة على التسديد، ولأسباب عديدة أخرى. لكن العجز المالي في العراق يدعو للعجب! وتبخر ملياراته تطرح تساؤلات لا أول لها ولا آخر، تبدأ من أسئلة المواطن العراقي المظلوم الذي ليس له الحق الا بقراءة الأرقام الخيالية لميزانيات بلده منذ عدة سنوات، بدون ان يحق له مجرد الحلم بعودة الكهرباء الى بيته، فما بالك بخطط انفجارية للتنمية الاقتصادية والبناء، فلا يحتاج المرء الى الاقتصاديين والى الخبراء ليرى ويلمس ان العراق لم يعرف خطة تنموية للاقتصاد العراقي، ولا خطط بناء ولا خططا انفجارية ولا رصدا لمشاريع ضخمه في الـتأمين الصحي او الاجتماعي، فلم نر لا تنمية ولا بناء ولا استثمار ولا تطويرا ولا اعادة تأهيل ولا دعم قطاع خاص ولا عام ولا مبادرات في أي ميدان يشي باهتمام حكومي، وان وجد منه، وهذا ما تكشفه التقارير، فالهدف منه السرقة والعمولات المنظمة في الدولة اصلا، ومن هنا التلكؤ والفشل في انجاز أي مشروع حتى لو كان صغيرا، بل ان العراقي وغيره يرى تدهورا صارخا ومؤسفا للشريان الأساسي- الأقتصاد- لبلد مثل العراق، الذي رغم ما جرى عليه من حروب وديون، بقي حتى 2003 قادرا على الأقل على توزيع البطاقة التموينية- طحينا وشايا وسكرا وزيتا وصابونا وارزا وبقوليات ومساحيق غسيل وحليب اطفال كل شهر وبانتظام – بشكل عادل ومقبول لأغلبية الناس التي تتحسر اليوم على نهب هذه البطاقة من الدولة وعمالها ونوابها وعلى قلة موادها ونوعيتها السيئة والتلاعب بها وسرقتها، والتي لم يبق منها الا مادة واحدة او أثنتين من أردأ انواع المواد، توزع كل ثلاثة اشهر؟ واذا كان هذا حال ادارة البطاقة التموينية فما بالك في ادارة اقتصاد العراق؟ وما هو الحال في القطاعات الأخرى؟
في العراق اليوم حوالي ستة آلاف مشروع متلكئ بسبب التزوير والرشاوى والاختلاس، وليس هناك هيئة رقابة مالية كما كان لدينا قبل الغزو، ولا تفرق الهيئات المستحدثة بين الأخطاء الفنية والفساد، ولم يعد للمهندس العراقي ذي الكفاءة أي قيمة لأنه مهمش تماما، وتنسحب هذه الحالة على اغلب القطاعات الصناعية في العراق. ويعيش ابناء الشعب العراقي ظواهر ارتفاع الأسعار والغلاء والبطالة والحرب على التجار بسبب عدم وجود الضوابط من قبل الدولة التي تترك للفوضى والقوة التحكم بطاقة المواطن الشرائية. اذ ان الزيادة التي حصلت في الرواتب في بداية الغزو ابتلعها التضخم، وتشكو العوائل العراقية من الغلاء ومن تبخر رواتبها سريعا التي تذهب الى ايجارات خرافية مقارنه بمتوسط الراتب في العراق والى جشع تجار يستغلون الفوضى وانعدام الرقابة على الأسعار لرفع أثمان المواد الغذائية وأسعار العقار وغيره، التي وصلت الى زيادة 1000′ بالنسبة للأخيرة .لكن ما رأي الاقتصاديين العراقيين بكل المشاكل التي تعصف باقتصاد العراق ونظامه المالي وبموقف الحكومة العراقية من اشكالياته؟
على شبكة الاقتصاديين العراقيين نقرأ عدة مواضيع تتناول أوجها مختلفة للاقتصاد العراقي والميزانية والصناعة الوطنية ودور رجال الأعمال في الاقتصاد وقضايا وآفاق في الإصلاح والتغيير وأخرى كثيرة تكرر ما انفضح من الفساد والرشاوى وإهمال الخدمات والصناعة والاقتصاد في العراق منذ ‘التحرير الهمجي الأطلسي وتدميره للدولة العراقية’، لكنها مواضيع توصيفية في الغالب تعيد نشر ما افتضح في الاعلام العراقي والعالمي، ومن أعضائها أشخاص هم أصلا أتوا مع الاحتلال وتسلموا مناصب وزارية، ومنهم من هو متهم بوضع اليد على أموال ومصارف. على هذا الموقع مثلا يؤكد الدكتور ماجد الصوري في مقالة له حول الفساد اصدار قوانين بين 2003-2005 تتعلق بتنظيم ادارة الدولة من النواحي الاقتصادية والعسكرية، مثل قانون الادارة المالية والدين العام وقانون البنك المركزي والمصارف وقوانين الموازنة التي تصدر سنويا، وتم توقيع عقود مع مؤسسات مصرفية دولية مثل صندوق النقد الدولي، ويقول الدكتور الصوري ان تطبيق هذه القوانين كان من شأنه تطوير العراق الى مستويات عالية في جميع النواحي، لكن بدل ذلك تم اتخاذ قرارات غير مدروسة في بناء الدولة غلبت عليها الحلول الارتجالية والمصالح الطائفية والاثنية والحزبية والفئويه والفردية، وتم تعيين اشخاص غير اكفاء في الوظائف، وهم غارقون في الفساد وأصبحت الوزارات قلاعا للطائفية والمحسوبية. مشيرا الى المليارات المختلسة التي قدرها ديوان الرقابة المالية بين 2005- 2008 بعشرات المليارات بين الرئاسة والدفاع والطاقة والكهرباء، وصولا الى عام 2013 واحتلال العراق المرتبة الأولى في الفساد بامتياز. وان ديوان الرقابة المالية أبدى ملاحظات على البناء والأعمار عام 2013 منها على سبيل المثل: المبالغة بوضع الكلفة التخمينية او عدم كفايتها لغرض التنفيذ، مما يعني عدم الدقة. توجيه دعوات الى شركات غير رصينة او وهمية، او شركات لم يتحقق من وجودها، اضافة الى صرف مبالغ او دخول بالتزام من دون مخصصات وبدون أنجاز الأعمال. عدم مراعاة الدقة في وضع التقديرات السنوية للموازنة…الخ.
لكن الكثير من الاقتصاديين لا يشيرون في مقالاتهم أبدا الى قوانين مجرم الحرب الأمريكي بول بريمر الذي سن كل القوانين المقترحة من المحافظين الجدد لتدمير الدولة العراقية وتحويلها الى خردة بكل مؤسساتها ومناحيها، لتصبح الولايات المتحدة هي المستفيد الأول. لكن الأهم في مقالات هؤلاء الاقتصاديين الذين يخجلون من مواجهة الحقائق الأساسية لما يجري في العراق مثلهم مثل السياسيين، يلف بعضهم ويدور لكي لا يخدش القائد العام للقوات المسلحة ولا يخسر منصبه ورواتبه. والأكيد هو ان المحتل لم يأت للبناء لا هو ولا حكوماته وان العراق يدار بشركات أجنبية جيئ بها لخصخصة كل ما فيه والحصول على أرباح هائلة غير مسموح بها للمواطن العراقي، الا من شارك بالجريمة وهذا ما لا يقوله أي من اقتصادي شبكة الاقتصاديين العراقيين لأسباب معروفة
الله الساتر