لا تكتفي أم حميد بما تؤديه من عمل شاق بشكل يومي، لكنها تضيف لجهدها جهدا آخر بتربية أربعة أطفال هم أحفادها الذين تركتهم أمهم صغارا وغادرت الحياة بعد أن أصيبت بمرض عضال.
أم حميد التي بلغت في الاول من تموز الماضي الستين من العمر، تشعر بسعادة ورضا بهذا الدور المضاف لها وتقول ان “العمل الذي أؤديه شاق ومتعب جدا لكن ما ان اعود الى المنزل واجد الصغار بانتظاري انسى ساعات العمل الطويلة، آلام الجروح التي ينكأها الملح وابدأ يومي من جديد بتدبير شؤونهم”.
السيدة التي تسكن في منطقة الشريف اقصى غرب مدينة الناصرية تزاول منذ اكثر من عقد ونصف عملها في جمع الملح من ضفاف الانهار، او البرك أو نهايات المبازل المنتشرة في المناطق الزراعية.
تقول عن عملها: “نبدأ منذ اولى ساعات الصباح انا وتساعدني بعض نساء القرية، نقوم بجمع أكوام الملح بواسطة مجارف صغيرة، ثم نقوم بجمعه بواسطة أواني واسعة ونقوم بنقله ثانيةً الى النهر لغسله وتصفيته وتنقيته، ثم نقوم بوضعه على مرتفع او لوح خشبي ليتخلص من الرطوبة ويجف.
وتضيف:”نستمر بجمع هذه الاكوام في أماكن قريبة من القرية وبعد ذلك يأتي احد المتعهدين من المدينة لشراء هذه الأكوام بعد ان تعبأ بأكياس بلاستيكية”.
ام حميد تحصل على قرابة عشرة آلاف دينار عراقي في اليوم الواحد تقريبًا، وهو مبلغ تساعد به حميد الذي يعمل كعامل بناء في المدينة ويحصل على ضعف ما تحصل عليه ان حصل على فرصة عمل يومي.
رباب خلف سيدة أخرى تعمل في مجال جمع الملح وهي في نهاية العقد الرابع وما تقوم به من عمل يؤمن لها مصدر دخل شبه ثابت بعدما يئست من الحصول على فرصة في التسجيل ضمن برنامج حماية النساء الارامل والعازبات الحكومي.
تقول رباب لـ”نقاش” ان هذا العمل يؤمن لي قرابة (300) الف دينار او اقل بقليل شهريًا ان تواصلت بالعمل بشكل يومي، لكنه ينخفض بشكل كبير في بعض المواسم كفصل الصيف الذي نضطر فيه الى العودة مبكرا مع ارتفاع درجات الحرارة وسخونة الاجواء، لكن العمل يبدأ بالتحسن تدريجيا في فصلي الخريف والشتاء.
وعن عملية بيع ما تجمعه من الملح، تقول: “في العادة يستخدم الملح الذي نستخرجه لأغراض صناعية او اعمال ثانوية، ونادرًا ما يستخدم كملح طعام منزلي، ويباع عن طريق نساء أخريات يقمن ببيعه على شكل أكوام بأسعار زهيدة”.
زهرة چلاب سيدة أخرى تواظب على نقل ما تحصل عليه من ملح الى السوق المحلية، حيث تتعامل مع بعض باعة الاسماك منذ اكثر من عشرة أعوام.
وتقول ان “ما احصل عليه من هذه المهنة يؤمن لي ولعائلتي العيش بكرامة وانا سعيدة بهذا العمل كوني اتمتع بحرية تامة في العمل، لكن ما يعكر هذا هو الامراض الجلدية التي بدأت تظهر عليّ في المدة الأخيرة إذ نصحني الأطباء بالتوقف عن العمل، او على الاقل تجنب ملامسة الملح بشكل مباشر”.
وتضيف “بدأت استخدم القفازات، كما ان اولادي يقومون بمساعدتي لكني احرص على ابعادهم عن العمل واحرص على تركيزهم على دراستهم ليؤمنوا مستقبلاً أفضل من الواقع الذي نعيش فيه الآن”.
وعن عدد النساء اللواتي يزاولن هذه المهنة، تقول زهرة: العدد متغير فبعد نهاية الشتاء وبدأ التبخر يكثر عدد المشتغلين في هذه المهنة من الرجال والنساء، لكن العدد يبدأ بالانخفاض مع تصاعد درجات الحرارة.
وتمارس مجموعات اخرى من النساء هذه المهنة في مناطق شمال الناصرية، ويسمين محليًا بـ(الملاحات) ويقمن بجمع الاملاح المترسبة في البرك وقرب الانهار والمبادل ايضا، لكن هذا العدد انخفض كثيرا بسبب افتتاح الكثير من المعامل الصغيرة في المحافظة.
فاضل عبد هو صاحب معمل محلي يقول إن المنتج الذي يشتريه من النساء لا يصلح للاستخدام البشري، لكنه يقوم ببيعه كملح صناعي فقط.
وتعد مملحة الفاو في محافظة البصرة واحدة من اكبر الممالح في العراق، لكنها توقفت في الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الماضي، وكان العراقيون يستخدمون الملح المستخرج بهذه الطريقة في طبخ الطعام في تسعينات القرن الماضي بسبب الحصار الاقتصادي على البلاد ومحاولات النظام الحاكم آنذاك الاعتماد على المنتج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وفي نهاية الثمانيات أيضا افتتحت مملحة السماوة أيضا وهي تنتج كميات كبيرة من الملح الصناعي حاليا، كما اعلن مجلس محافظة البصرة عزمه على اعادة العمل بمملحة الفاو.
م/www.niqash.org