عادت مريم مع طفلها الى بيت والديها مرغمة، اقتنع ذويها بعد ستة أشهر من بقاءها بينهم بأن زوجها لا يريدها. بعد ذلك، بدأت اجراءات الانفصال حيث تم كليف محام لذلك، وبدأت رحلة التعب بدأت في ذات الوقت من أمام محاكم مدينة كركوك حيث الروتين القاتل بين أروقة المحاكم وحقوق المرأة المهدورة في إجراءات مملة ومتعبة تدفع المرأة أحياناً الى التنازل عن حقوقها. كما بدأت بدأت رحلة الإهانة في ذات المكان حيث قال لها شقيقها، “شئنا أم أبينا، من اليوم فصاعداً يعتبرونك سيئة الخلق، هذا هو مجتمعنا يا اختي”، ذلك لأنها أصبحت مطلقة.
تزوجت مريم من رجل أعجبها، انما كانت تتواصل معه قبل الزواج في الفضاء الافتراضي في أغلب الأوقات، الفيسبوك تحديداً، لأن المساحة الاجتماعية والحياة اليومية لم تسمح لهما سوى لقاءات محدودة وفي نطاق معين. حين تقدم لها للمرة الأولى، رفضه أهلها لأنه لا يحمل أية شهادة دراسية ويعمل في الأفواج العسكرية، فيما مريم تحمل شهادة جامعية في الإدارة والإقتصاد. شيء واحد يجعله مرغوباً في عين عائلة مريم فيما بعد، وهو امتلاكه بيتاً كبيراً أشتراه له عائلته المتمكنة. جاء التحذير الأول من اخوتها، ناهيك برأي معارفها حول شخصه وعاداته اليومية، تحديداً السُكر الدائم. لكنه كما تتحدث مريم، أعجبها وأصرّت عليه، تواصلت معه على الفيس بوك، الأمر الذي شجعه على الإصرار أيضاً وتقدم مرات حتى رضخ أهلها ووافقوا على الزواج، بخاصة أن والده كان رجلا محمودا بين الناس. قال لها والدها المُتدين، “هناك أناس يكثرون في الشرب والسّكر قبل الزواج، انما يجدون الطريق الصحيح بعد الزواج”. شجعها هذا الكلام وتزوجته منه، زواجها رماها بين أورقة المحاكم والروتين القاتل حسب وصفها.
تزوجا وعاشا معا أيام جميلة حسب قولها، حب وغزل واهتمام وسفر وسهر وحفلات ومطاعم، انما تغيرت الأحوال بعد الحمل بطفل حيث عاد الزوج الى سهرات السُكر والعودة الى البيت في أوقات متأخرة في الليل، وهي في الشهر الرابع من حملها. “كنت حاملاً بابني حين لاحظت منه بعض الفتور ناهيك برجوعه مخمورا والتفوهه بالفاظ سيئة واختلاق الشجار والاهانات لأسباب تافهة”. لم ترد مريم العودة الى بيت أهلها، خاصة ان والدها لايطاق هو الاخر بسبب عصبيته وتشدده الديني. تحملت وانجبت ابنها على أمل اصلاح الأمور والعثور على عمل مناسب للزوج بعدما ترك السلك العسكري. باعت مقتنياتها الشخصية من الذهب والمجوهرات كي يستطيع زوجها بيع سيارة حديثة والعمل في منظمة غير حكومية حيث اشترطت سيارة حديثة للتعيين. لم يساعد كل ذلك على اصلاح العلاقة وجاء اليوم الذي لامفر منه وهو الانفصال. حملت ابنها واغراضها طالبة منه ايصالها الى بيت والديها. رحب زوجها بالموضوع وقال بصريح العبارة “انت امرأة حسنة، بينما انا سكير ومدمن ولن افيدك، اذهبي وتزوجي رجلا اخر لا اريد لابني ان يتربى مع رجل مثلي ولكن لاتحرميني منه”.
تقول مريم “العلاقات الزوجية تجربة تتحطم أحيانا على صخرة الأمل، للزواج وجوه كثيرة، لا يدركها سوى طرفي علاقة تستمر أحياناً، أو تفتح أمامها أبواب المحاكم ومكاتب المحامين والروتين. يضيف الهموم والخوف من مستقبل مجهول لا تتمناه المرأة في مجتمع يلقى اللوم وحمل الطلاق على ظهر المطلقة، بينما يعفي الزوج من المسؤولية وكأنه ليس طرفا من العلاقة أساساً. فالمطلقة حسب النظرة السائدة هي المتمردة، وتعود أسباب الفشل لها، كان لابد أن تصبر أكثر، وتتحمل أكثر، وتصمت أكثر، وتُوسع مدى طاقاتها لامتصاص الإهانة والتعنيف أكثر وأكثر”. لم تعش مريم الشعور بالظلم جراء انتهاك الحقوق التي تقتضيها الشراكة الزوجية فحسب، بل عاشت أيضاً تلك التي تفرضها إجراءات الطلاق والمثول أمام القضاة لمرات ومرات، وهي “نوع آخر من العنف بحق المرأة ولا تختلفمن العنف المنزلي” كما تقول.
ترجع المحامية والناشطة المدنية شوخان حَمَرَش، تعمل في مجال قضايا المرأة منذ سنوات عديدة واطلعت على المئات من ملفات الطلاق، أسباب الروتين الى حصر العصمة وحق الطلاق في يد الرجل. وتقول بهذا الخصوص، “عندما تطلب المرأة الطلاق يجب أن تثبت أسباب طلبها من خلال حضورالشهود وأدلة قوية، ويختلف الأمر حسب نوع الطلاق، يماطل القاضي في اتخاذ القرار وانهاء الملف، ويحاول بذلك منح فرصة للزوجين للعودة عن قرارهم والصلح”. النقطة الثانية حسب قول المحامية هي عدم توفر الشهود أو الأدلة، ذلك ان الكثير من النساء اللواتي يطلبن الطلاق يعانين من رفض الاشخاص القريبين منهن المثول أمام الحاكم والادلاء بشهادتهم في القضية. وهناك قضايا يتم تأجيلها لشهور طويلة بسبب عدم قدرة الشهود على شرح المشكلة بشكل مقنع وعدم اعتراف الحاكم بشهاداتهم. وتشير الناشطة الى ان وجود عدد كبير جدا من دعاوي الطلاق وقلة القضاة في المحاكم أيضا سبب في تأخر البت في القضايا، هذا فضلاً عن روتينات أقامة الدعوة والحصول على موعد، وعدم التزام المحامين أو القضاة بالحضور وتأجيل الدعاوي بسبب أي نقص في الملف أيضا يؤجل القضايا لشهور عديدة .
وتقول شوخان في سياق الحديث عن الإجراءات القانونية ومعرفة الكثير من النساء بحقوقهن، “ان الكثير من النساء لا يلجأن الى المحاكم، لانهن يجهلن الكثير من المعلومات حول حق الطلب بالطلاق ويخشين أحيانا من عدم الحصول على حقوقهن اذا بادرن بطلب الطلاق، وعندما نقنعهن بأنهن يملكن الحق وسيحصلن على حقوقهن، يصطدمن بالطريق الطويل و روتينات المحاكم. وقد يتنازلن عن حقوقهن، ويعدن الى حياة لا يطيقنها، انما فقط لتلافي كل هذه المشاكل والصعوبات وايضا التكاليف الباهضة للمحامين”. وفيما تواجه المرأة كل هذه الإجراءات، يملك الرجل كل الحق في تطليق زوجته بجلسة واحدة وحتى بدون رضا أو علم زوجته، تضيف شوخان.
تشير العضو السابق في مجلس النواب ريزان دلير، الى أن أكثر القضاة والباحثين الاجتماعيين في المحاكم والتي عملت معهم شخصيا لسنوات يقفون غالباً الى جانب الرجل ويماطلون ويطيلون الجلسات بحجة محاولة الصلح بين الزوجين. وتقول ريزان، “الطلاق في مجتمعنا بيد الرجل، مع العلم أن المرأة يمكنها أن تطلب أثناء عقد القران ان تكون العصمة والطلاق بيدها أيضا، ولكن للأسف ليس هناك توعية وأدراك لهذه الأمور لدى أغلب السيدات، وأحضار الشهود للادلاء بشهادتهم لصالح المرأة هو بحد ذاته أمر صعب جدا”. تكمن المشكلة برأيها بغياب الشهود عن خفايا مريرة في المنزل حيث يعيش الزوجان في خلافات ومشكلات دائمة، انما لا يعرف أحد تفاصيل تلك الخلافات سواهما، لا يعلم بها أحد. وأشارت البرلمانية الى ان الحالة المادية للمرأة التي تطلب الطلاق سبب اخر من أسباب استمرار معاناة المرأة وعدم اللجوء الى المحاكم من أجل الطلاق أو الخلع، سوء المعيشة والفقروالحاجة لا يسمح لها باتخاذ القرار اللازم.
ولفتت ريزان دلير الى أن ظهور وباء كورونا أيضا أثر على سير كل المعاملات والحياة اليومية ومنها حضور الحكام والمحامين وتغيب بعضهم بصورة مستمرة عن الجلسات، وهكذا نجد المرأة هي الضحية دوما. وتشير البرلمانية السابقة الى معاناة أخرى تلاحق المرأة بعد الطلاق، وهي نظرة المجتمع السلبية، حيث تُعاقبها على ذنب لم ترتكبه ويُحكم عليها بالسجن الأبدي، انها نظرة قاسية بلا رحمة ولا عطف ولا هوادة، يمنع عليها الخروج والاختلاط، لانها تصبح محط أطماع الرجال وتتخوف من وجودها بيئتها الاجتماعية، الأمر الذي يفرز آثار اجتماعية عليها. “كلنا نعلم أن انفصال الزوجين يولد انعكاسات اجتماعية وذاتية وتربوية سلبيىة، خاصة في حال وجود الأطفال، أنه من أقسى التجارب التي تخوضها المرأة في حياتها، ولكن في الوقت ذاته لا نستطيع ان نعيش حياة وندفن أنفسنا أحياء في سبيل أرضاء الغير”.
هنا، يبقى دور الأهل وأهميته في مساندة المرأة المطلقة والوقوف بجانبها معنويا وماديا، وأيضا أحتوائها نفسيا، فهي تستطيع أن تلملم جراحها وترتب أوراقها، وعلينا جميعا أن ننظر لها بأحترام ولا نذكرها بماضي هي تريد الخلاص منه فالدعم النفسي والمجتمعي هو أول ما تبحث عنه المطلقة بعد فشل حياتها الزوجية. وأن الطلاق في الاسلام وان كان أبغض الحلال ولكنه أحل شرعا وقانونا بين رجل وأمرأة لاتفاهم ولاتوافق بينهما. ويستطيع كل منهم أن يبدأ في مكان وظروف جديدة حياة اخرى أفضل .
انتاج:انترنيوز