حيث العيش في العراق،فان محكومية المرأة السجينة لاتنتهي بانقضاء مدتها القانونية. فبعد أسوار السجن، تبدأ مرحلة أشد قسوة: مرحلة النبذ المجتمعي، والتمييز الأسري، والحرمان من أبسط حقوق الحياة الكريمة، ورغم أنها “حرّة” من الناحية القانونية، إلا أن كثيرات من السجينات السابقات يُسجَنّ مرة أخرى في عزلة اجتماعية طويلة الأمد، ويُعاملن كمجرمات مدى الحياة.
يُقال إن العدالة تأخذ مجراها، وأن من يخطئ، يُعاقب بمدة محددة ثم يُمنح فرصة جديدة و لكن بالنسبة للنساء السجينات لا تنتهي العقوبة عند خروجهن من زنزانة السجن، بل تبدأ حياة أخرى تُمارَس عليهن أحكامٌ غير منصوص عليها في القانون، لكنها أشد فتكًا، فالكثير من النساء اللواتي قضين فترات في السجن يجدن أنفسهن بعد الإفراج عنهن مطرودات من بيوتهن، مرفوضات من المجتمع،حتى ان بعض الأسر تتبرأ من بناتهن السجينات فور صدور الحكم، وترفض استقبالهُن حتى بعد انتهاء المحكومية، خشية “العار” أو بسبب وصمة مجتمعية لا ترحم، أما الجيران وأصحاب العمل، فـ”يهمسون” بأسمائهن، يرفضون التعامل معهن.
وصمة لا تُمحى
أُدينت نجوى محمد(38)عاماً في قضية سرقة، وقضيت مدة عقوبتها في السجن، لكن بعد خروجها من السجن لم تجد من يتقبلها. تقول “رفض أهلي استقبالي، ولم يمنحني احد فرصة للعمل، فقط لأنني كنت سجينة.”
نجوى،واحدة من مئات ال واحدة من مئات النساء اللواتي يواجهن عزلة اجتماعية ورفضًا أسريًا ومهنيًا بعد الإفراج عنهن و في كثير من الحالات، لا يميز المجتمع بين “المتهمة” و”المدانة” و”الناجية” يكفي أن تكون المرأة قد دخلت السجن حتى تُدرَج ضمن خانة “غير المرغوب بهن”، سواء كانت ضحية أو مرتكبة لجريمة.
العديد من الاسر تخلت عن بناتهن بعد الحكم عليهن، فهم يعتبرون السجن “فضيحة” لا يمكن ان تنسى مهما مر عليها الزمن
وتمنع النساء من دخول منازلهن أو العودة لحياتهن الطبيعية، ويُحرمن من الحضانة، والعمل، والتعليم، و الدعم الاسري والنفسي،و لا يتوقف الامر عند حدود الاسرة فـالوصمة المجتمعية تمتد إلى كل مكان من حولها حيث تُعامل المرأة الخارجة من السجن كالعار الدائم.
حماية شبه معدومة
رغم أن القانون العراقي لا يفرض أي قيود على النساء بعد انقضاء محكوميتهن، إلا أن غياب التشريعات التي تحمي السجينات السابقات من التمييز يجعلهن فريسة سهلة للرفض المجتمعي و لا توجد سياسات حكومية لإعادة دمجهن أو تأهيلهن نفسيًا ومهنيًا كما ان السجون نفسها لا تقدّم برامج فعّالة لإعداد النساء للحياة بعد الإفراج،وتشير الحقوقية ميساء علي إلى أن العديد من السجينات السابقات يضطررن للعودة إلى بيئات خطرة أو الانخراط في علاقات استغلالية أو أعمال غير قانونية أو ان تعيش معاناة الفقر والبؤس الى ان تموت.
خطر محدق وحلول لابد منها .
تؤكد الحقوقية ميساء علي، أن استمرار تجاهل هذه الفئة من النساء قد يؤدي إلى دوامة إعادة التورط بالجريمة نتيجة الإقصاء والفقر او تفاقم الأزمات النفسية التي قد تقود إلى الانتحار أو الانهيار التام وقد تكون النتيجة تكرار العنف البنيوي ضد النساء دون مساءلة حقيقية بحجة التخلص منها للخلاص من وصمة العار التي تلاحقها.
وتشير علي الى ضرورة وجود تشريع وطني يحمي السجينات السابقات من التمييز والإقصاء والعمل على إنشاء مراكز لإعادة التأهيل والدعم النفسي والاجتماعي والمهني وان تقوم المنظمات النسوية المحلية بحملات توعية مجتمعية لكسر وصمة السجن التي تلاحق النساء، ولابد من مساعي حقيقية لتمكين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني من بناء برامج احتواء فعّالة ولايمكن المضي بالحلول الواقعية دون إشراك رجال الدين والقادة المجتمعيين في دعم إعادة الإدماج، بدلًا من تكريس العزل والصورة النمطية، فلا يمكن للسجن والقيد المجتمعي ان يبقى سوراً يحاصر المرأة التي خاضت تجربة السجن، وتحرم من فرصة حياة ثانية فإذا كانت العدالة قد أصدرت حكمها ومرّ وقت العقوبة، فيجب ان تحصل على العدالة بعد ذلك فلا يمكن ان تبقى مدانة إلى الأبد”.
في السجون، يُقال إن العدالة تأخذ مجراها، وأن من يخطئ، يُعاقب بمدة محددة ثم يُمنح فرصة جديدة. لكن بالنسبة للنساء السجينات في العراق، لا تنتهي العقوبة عند خروجهن من الزنزانة، بل تبدأ حياة أخرى أكثر قسوة… حياة “السجن المجتمعي” المفتوح، حيث تُمارَس عليهن أحكامٌ غير منصوص عليها في القانون، لكنها أشد فتكًا.
⸻
ما بعد القضبان… عزلة وإدانة أبدية
كثير من النساء اللواتي قضين فترات في السجن – سواء بسبب جرائم جنائية، أو قضايا تتعلق بالشرف، أو حتى كضحايا لمنظومة ذكورية وقضائية غير عادلة – يجدن أنفسهن بعد الإفراج عنهن مطرودات من بيوتهن، مرفوضات من المجتمع، ومحرومات من العمل والتعليم وحتى الحياة الطبيعية.
بعض الأسر تتبرأ من بناتهن السجينات فور صدور الحكم، وترفض استقبالهُن حتى بعد انتهاء المحكومية، خشية “العار” أو بسبب وصمة مجتمعية لا ترحم.
أما الجيران وأصحاب العمل، فـ”يهمسون” بأسمائهن، يرفضون التعامل معهن، أو يضعوهن تحت المراقبة كأنهن قنابل موقوتة.