منار الزبيدي
تعرضت شيماء قبل أن تبلغ عامها العشرين بأيام للتحرش الجنسي من قبل والدها وأخبرت والدتها بذلك لكن الاخيرة لم تقم بفعل أي شيء، ولم تحمي ابنتها التي اضطرت الى الهروب من المنزل بعد تعرضها للضرب الشديد من قبل والدها بحجة عدم إعداد الطعام، لكن الحقيقة أنه فعل ذلك لإجبارها على الخضوع “لرغباته الجنسية الشاذة”، كما ذكرت شيماء.
عند غروب الشمس وانشغال الأسرة، وضعت الشابة عباءتها على رأسها وخرجت من منزل أسرتها وهي لا تعرف إلى أين تذهب، حاول بعض الشباب التقرب منها إلا أنها في كل مرة كانت تزجرهم وتحاول رميهم بالحجارة لدرجة أن الجميع اعتقد بأنها مجنونة. “كنت أتعمد التظاهر بأني مجنونة لحماية نفسي من طمع الناس”. وتضيف ” كانت تلك الليلة من أطول وأسوء الليالي في حياتي” انتظرت طويلا خلف صناديق محل لبيع المواد الغذائية حتى أشرقت الشمس وفتح صاحب المحل بابه. ذهبت إليه وسألته إذا كان بإمكانه مساعدتي فأرشدني إلى مقر إحدى منظمات المجتمع المدني الخاصة بالنساء واقترح عليا أيضا إمكانية الذهاب الى أضرحة الائمة في النجف وكربلاء، لكنه نصحني بعدم الذهاب الى “الشرطة”.
لم أكن أملك المال للذهاب إلى أي مكان خارج المنطقة التي كنت أسكن فيها في أحد الأحياء الشعبية في محافظة بابل. فقررت الذهاب إلى المنظمة التي أرشدني إليها صاحب المحل رغم بعد المسافة، قّدم لي هذا الأخير بعض الطعام وطلبت منه أن يعطيني كمامة لأتخفى عن الناس. عندما وصلت إلى المنظمة التي يعرفها الناس هناك باسم “الجمعية الخيرية”، التقيت بموظفة الاستعلامات وطلبت منها المساعدة، لكنها رفضت قائلة: “تريدين توريطنا”. أمام إصرارها على موقفها، فقدت توازني ورحت أصرخ. أحسست أن كل قواي سُلبت مني ولم أعد قادرة على الوقوف على قدمي، ثم شعرت بيد تمسح دموعي وتطبطب على كتفي لقد كانت موظفة الاستعلامات التي حدثتني بهدوء هذه المرة قائلة: “سنجد حلا لا تقلقي”. اتصلت بمديرة المنظمة التي جاءت بعد دقائق وسمعتهما تتحدثان عن إبلاغ الشرطة رجوتهما أن لا تفعلا ذلك لأن أعوان الأمن سيعيدونني إلى أهلي وسيكون الموت مصيري، عندها قامت مديرة المنظمة بإعطائي بعض الإرشادات والمال وأخبرتني أن هذا كل ما يمكن أن تقدمه لي وأنه لا يمكنني البقاء في المنظمة لأن “القانون لا يسمح بذلك” ونصحتني بالذهاب الى البصرة حيث توجد بعض الدور الايوائية للمعنفات متخفية عن الحكومة أو إلى اقليم كوردستان حيث تتوفر دور إيواء تستقبل المعنفات.
ذهبت شيماء إلى البصرة وبصعوبة بالغة عثرت على الشخص المسؤول عن إحدى دور الإيواء المتخفية التي تديرها منظمة عراقية . بعد أن تأكد المسؤول من قصتها سمح لها بالسكن في تلك الدار. كانت صغيرة وقديمة وتقع في منطقة شبه شعبية بعيدة نوعا ما عن التجمعات السكانية، وهي تضم عددا من النساء من محافظات متنوعة هاربات من القتل والملاحقة العشائرية. تلتزم النزيلات في هذه الدار بجملة من القواعد أبرزها عدم الخروج والتواصل مع أحد حتى أقرب الناس. ورغم هذه الإجراءات الصارمة، فإن الخوف والكوابيس لم تفارق شيماء التي كانت تتوقع في أية لحظة اقتحام الدار لقتلها من قبل عشيرتها.
شيماء هي واحدة من بين الآلاف من النساء المعنفات في العراق اللواتي اضطررن للهروب من عائلاتهن والإلتجاء إلى دور إيواء مخفية خوفا على حياتهن. دور تشتغل بدون غطاء حكومي وتقوم بتقديم المساعدة للمعنفات، في غياب أي قانون يشرّع نشاطها.
الإنتحار في غياب حلول بديلة
لئن حظيت شيماء بفرصة إيجاد دار لإيوائها، فإن هذا ليس حال جميع المعنفات اللواتي قد يجرهن اليأس من إيجاد ملجأ يحميهن إلى إنهاء حياتهن. هذا حال نوارة ذات ال(17) عاماَ، فبعد أن حاولت أسرتها إجبارها على العودة إلى منزل زوجها الذي تزوجته مُكرهة وعاشت معه أصعب أيام حياتها تذوقت فيها كل أصناف الذل والاعتداءات الجسدية والجنسية المتكررة حتى فقدت جنينها وهو بعمر الثلاثة أشهر، لم يكن أمامها سوى “الانتحار”، كما تقول شقيقتها التي اتهمت زوج نوارة ووالدها بأنهما كانا وراء ذلك. “أختي قُتلت مرتين: الأولى بتزويجها وهي قاصر بالإكراه والثانية عندما أُجبرت على العودة إلى زوجها”. لجأت نوارة قبل انتحارها إلى بيت شقيقتها المتزوجة التي تقول: “كانت نوارة تتوسل إلى أهلها ألا يعيدوها لبيت زوجها وأن يسمحوا لها بالبقاء عندي لكنهم أصروا على أخذها بالقوة”. وتضيف “كانت تخشى الذهاب إلى الشرطة ولم تجد أي مكان يحميها، ثم استسلمت وقطعت شرايينها”.
ظهرت مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي العديد من النساء من خلال مقاطع فيديو يُطالبن رئيس الحكومة بحمايتهن من العنف، بينهن زوجات ضباط في وزارة الداخلية، وذكرن عديد قصص العنف، منها قصة نور الهدى خليل محمد (35) عاما التي توفيت في 25 كانون الأول/ديسمبر 2021 بعد أن تعرضت للتعنيف الشديد من قبل زوجها الذي يعمل ضابطا في وزارة الداخلية، حسب تصريحات أسرتها.
عشرات الضحايا فقدن حياتهن بسبب تعرضهن للعنف على يد أحد أفراد الاسرة أو قررن إنهاء حياتهن بسبب العنف المسلط عليهن وأخريات أُجبرن على العيش في بيئة مليئة بالعنف والبؤس بسبب عدم وجود المأوى الآمن.
سجلت محاكم العراق خلال العام 2019 (12) ألف حالة عنف ضد النساء. وفي عام 2020، سُجّلت أكثر من (5) آلاف جريمة عنف أسري ارتكبت ضد النساء، لكن هذه الأرقام لا تعكس الوضع الحقيقي لما يحصل في الواقع من اعتداءات على النساء، لأن “الأدوات التي تستخدمها الحكومة لرصد حالات العنف وتوثيقها ماتزال ضعيفة، اضافة الى انعدام ثقة المواطن بالجهات الحكومية لمعالجة هذه القضايا أو تقديم الحماية”، حسب عضو مفوضية حقوق الانسان العراقية، علي البياتي
الشرطة المجتمعية تعيد المعنفات إلى جلاديهن
لا ينكر مدير الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية، العميد غالب العطية تزايد عدد الفتيات الهاربات من أسرهن بسبب العنف الأسري في الآونة الاخيرة، بعضهن لجأن إلى الشرطة والأخريات تم العثور عليهن في أماكن مشبوهة أو تائهات في الشوارع ليلاً. وبحسب العطية، فقد تمت إعادة (114) فتاة هاربة الى أسرتها خلال العام 2020 و(74) فتاة خلال العام 2021 أغلبهن صغيرات في السن، تتراوح أعمارهن بين 15و17 سنة وأحيانا بين 12 و13 سنة. وبيّن أن أهم أسباب هروبهن تعود إلى العنف الاسري بالدرجة الأولى والابتزاز الإلكتروني والإغواء من قبل الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالدرجة الثانية. “هن يهربن عادة خوفا من القتل على يد أسرهن”.
ويعتبر العطية أن إعادة الفتيات لأسرهن هو الحل “الأنسب” الذي يتماشى مع الوضع المحافظ للمجتمع العراقي، واصفا عودتهن”بالطوعية”. وأشار إلى وجود فريق متابعة من الشرطة المجتمعية يقوم بالمتابعات اللاحقة بعد إعادة الفتاة إلى أسرتها و”تستمر المتابعة لفترة طويلة لحين الاطمئنان على وضعها وضمان عدم تعرضها لأي عنف”، مضيفا: “لم تُقتل أي فتاة هاربة قمنا بإعادتها”.
تُتابع الناشطة الحقوقية دعاء عبد، ما تنشره الصفحة الرسمية للشرطة المجتمعية فيما يتعلق بالعثور على فتيات هاربات من أسرهن بسبب “العنف” وتسليمها لهن لذويهن مقابل تعهدات رسمية بعدم التعرض لهن أو تعنيفهن. وتعتبر هذا التصرف “معالجة ترقيعية” لا تفي بالغرض، بل إنها قد تعرض حياة المعنفة” للخطر” خاصة وأن أغلب المعنفات الهاربات صغيرات السن ولا يمكن الوثوق بأسرهن مقابل تعهدات ورقية، “ذلك لن يحمي الصغيرات، بل سيضاعف سطوة أسرهن التي هربن منها طلبا لملجأ آمن يلذن به”. وتضيف “لو كانت هناك دور آمنة لاحتضان هؤلاء الفتيات، لما اضطرت الشرطة المجتمعية الى إعادتهن إلى أسرهن والمخاطرة بحياتهن”.
من جهتها تروي لنا تارا، التي ترصد حالات العنف الأسري لفائدة إحدى الجمعيات الحقوقية، قصة إحدى الفتيات التي هربت من أسرتها في محافظة صلاح الدين بسبب تعنيفها المستمر لها ولجأت إلى الشرطة المجتمعية التي قامت بإعادتها إلى عائلتها مقابل تعهد ومتابعة. لكن الفتاة أصبحت تُعاني بعد ذلك من عنف أسري مضاعف، “بل تم تهديدها بالقتل في حال تفوهت بكلمة واحدة للشرطة المجتمعية”. اضطرت الفتاة للتظاهر بأنها بخير في كل زيارة “روتينية” لفريق الشرطة المجتمعية، ولكنها تمكنت من إبلاغ الراصدة تارا بما تتعرض له من تعنيف وطلبت منها تهريبها من المنزل، وذلك عن طريق هاتف زوجة أخيها الذي استخدمته بدون علمها بعد أن تم حرمانها من هاتفها.
وتواجه الشرطة المجتمعية إشكالية كبيرة في إيجاد أماكن تودع فيها الفتيات والنساء اللواتي تعثر عليهن في منتصف الليل. ولذلك تلجأ أحيانا إلى حلول قد تكون “غير قانونية” منها إيداعهن في دور بعض الضابطات لحين إكمال الإجراءات الرسمية، كما يُفسّر ذلك مدير الشرطة المجتمعية. في هذا الصدد، توضّح رنا محمد ابراهيم، باحثة اجتماعية في مديرية الشرطة المجتمعية أنه في بعض الأحيان يتم إيداع بعض الفتيات الهاربات لدى بعض الضابطات في مقر الشرطة المجتمعية في الكرخ ببغداد ولكنها تصف الأمر “بالمعاناة” فالامر ليس سهلا بل “يتطلب من الضابطة الحفاظ على الهاربة ومتابعتها ومراقبتها وحمايتها”. وهنا تروي معاناة زميلتها الضابطة التي استلمت احدى الهاربات وبقيت طوال تلك الليلة تراقبها خشية هروبها أو اقدامها على ايذاء نفسها.
وجّهنا السؤال لبعض الضابطات حول هذه النقطة، لكن أغلبهن أكدن رفضهن لاستلام الفتيات الهاربات وأخذهن إلى منازلهن ولو بشكل مؤقت تجنبا لتحمل مسؤوليتهن وحماية أنفسهن وأسرهن، خاصة وأن أغلب الهاربات يعانين من أوضاع نفسية صعبة، مما يجعل من المحتمل اقبالهن على الانتحار أو الهروب مجددا.
القانون لا يسمح بخلق دور لإيواء المعنفات
في غياب دور تأوي المعنفات، يتم وضع الضحايا من النساء أحيانا في دور رعاية المسنين بشكل مؤقت عندما تعجز الجهات الأمنية عن تأمين مأوى آمن لهن. وأحيانا أخرى، تودع الضحايا في المراقد الدينية أو في “السجون” لحمايتهن والحفاظ على حياتهن. كل تلك الأماكن وإن اعتبرتها الحكومة آمنة، فهي لا توفر أية رعاية نفسية أو صحية للناجيات ولكنها تبقى “أنجع الحلول الحكومية للتعامل مع هكذا حالات،كما تقول فريال الكعبي رئيسة منظمة أوان للتوعية وتنمية القدرات.
يشير البياتي إلى أن الطبيعة المركزية للقوانين العراقية لا تسمح للمنظمات غير الحكومية بفتح دور لإيواء المعنفات أو إدارتها، رغم أن المنظمات تقوم بجزء كبير من هذه المهام، “لكن للأسف لا يوجد تشريع يحمي المنظمات ويسمح لها بفتح مثل هذه الدور”.
في هذا الصدد، يقول الخبير القانوني، محمد جمعة بأنه لا يوجد نص قانوني صريح يمنع المنظمات غير الحكومية من فتح دور لايواء المعنفات، لكن في نفس الوقت، إذا أرادت المنظمات القيام بذلك فعليها الحصول على رخصة من مرجعها القانوني وهو دائرة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء ولكن هذه الدائرة لا تمنحها الرخصة “بذريعة حماية الأسرة من التفكك، وهو مسوغ تستند إليه السلطات لمنع فتح الدور”، لذلك تمتنع المنظمات غير الحكومية عن ذلك “أولا خشية من المسائلة القانونية من قبل الجهات الرسمية وثانيا خوفا من الهجوم العشائري والقبلي على مقراتها بسبب ايواء احدى المعنفات”. ويضيف الخبير القانوني أن هناك نساء تعرضن للاتهام بالخطف لمجرد قيامهن بايواء صديقاتهن الناجيات من العنف الأسري بعد أن قدمت أسر الضحايا شكوى ضدهن أمام مركز الشرطة، ولم يتخلصن من التهمة إلا بعد جهد ومشقة. أما فيما يخص فتح دور إيواء حكومية للمعنفات، فيقول محمد جمعة أنه يحتاج الى تشريع قانون خاص بذلك.
جائحة كورونا تزيد الأمر سوءا
جاء فيروس كورونا ليزيد أوضاع النساء المعنفات سوءا، فخلال فترة انتشار فيروس كورونا في العراق خاصة أثناء ذروة “الحجر الصحي” (شهر مارس وأبريل)، فقد ارتفع مؤشر ممارسة العنف ضد النساء وزادت معه حاجتهن إلى دور الإيواء. ولكن للأسف بقيت أغلبية المعنفات حبيسات منازلهن وتعرضن لمختلف أنواع العنف أبرزها الجسدي والنفسي،وفقاً لما ذكرته الناشطة فريال الكعبي.
في الثالث من حزيران/يونيو للعام 2020، أصدرت دائرة تمكين المرأة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تقريرا خاصًّا بقياس أثر الأزمة الوبائية الراهنة على زيادة حوادث العنف المبنية على النوع الإجتماعي في العراق، وذلك بمشاركة صندوق الأمم المتحدة للسكان ال Unfpa. وصنّفَ التقرير العنفَ القائم على النوع الإجتماعي إلى أربعة أشكال، وهي حوادث العنف المنزلي، والاغتصاب، والتحرُّش الجنسي للقاصرين، والانتحار المُرتبط بإيذاء الزوج. وخلصَ إلى زيادة وتيرة حالات العنف المنزلي خلال فترة جائحة كورونا التي بلغت 75% من حالات الشكوى ضد العنف. تم أيضا التبليغ على 123 محاولة انتحار متعلقة بحالات عنف قائم على النوع الإجتماعي. وأشار التقرير كذلك إلى أن 43% من العينة التي تم استجوابها في إطار هذا التقرير يرون أن هناك نقصا على مستوى توفير الملاذ الآمن لضحايا العنف القائم على النوع الإجتماعي.
منظمات نسوية في مواجهة القانون
رغم غياب قانون يُشرّع لخلق دور إيواء من قبل منظمات المجتمع المدني، فإن بعضهن قمن بذلك، مما عرضهن للمسائلة القانونية.
واجهت منظمة حرية المرأة العراقية في أواخر العام 2019 “إلغاء تسجيلها الرسمي”بتهمة إيواء نساء هاربات من قضايا الشرف، وقامت المنظمة بفتح (6) دور سرية لإيواء النساء المعنفات والأطفال في (4)مدن عراقية وهي تأوي حاليا (38) امرأة معنفة و(20) طفلا، وتمكنت المنظمة على مدى (18) سنة من إيواء ما يزيد على (1150) امرأة بعضهن كن معرضات للقتل غسلا للعار والبعض الآخر هاربات من العنف والاتجار بهن وأخريات ضحايا زواج القاصرات.
وتقدم المنظمة من خلال تلك الدور وفقا لما بينته جنات الغزي عضو المنظمة، مكانا آمنا للضحايا وخدمات صحية وتعليمية وتوعية قانونية وبرامج دعم نفسي واجتماعي، إضافة إلى الأنشطة الترفيهية والمستلزمات الشخصية. وتضيف “هذه الدور تحكمها قواعد مهمة، إذ يكون من الضروري سحب الهاتف من الضحايا لمدة تتراوح بين 3-6 أشهر تخضع خلالها الناجية إلى العلاج والدعم النفسي بعيدا عن المؤثرات الخارجية، كما تستوجب الاقامة في دور الإيواء أيضا الحفاظ على سرية موقع الدار وسرية الحالات الموجودة من الناجيات وعدم تسريب أية معلومات”.
من جهتها تتسائل رئيسة المنظمة، ينار محمد: “نحن منظمة نسائية نهدف لتقديم كل أنواع الدعم للنساء فكيف نبقى مكتوفات الايدي أمام نساء ناجيات من العنف وبحاجة الى المساعدة وتوفير مسكن آمن وطعام وشراب؟كيف تقبل الحكومة بأن تتعرض النساء الى الاستغلال والتحرش والاعتداء والقتل في الشوارع وتعترض على توفير مكان مجاني يكفل لهن المسكن الآمن؟”
وعن تفاصيل الدعوى القضائية التي أقيمت ضد المنظمة، تقول ينار حسن محمد، أنها تلقت استدعاءا للحضور الى محكمة استئناف الرصافة من خلال ورقة تبليغ صادرة بتاريخ 12 كانون الثاني 2020، وكانت الشكوى مقدمة من سكرتارية مجلس الوزراء وتطلب حل المنظمة لأنها تأوي النساء الهاربات من قضايا الشرف. كانت الجهة المشتكية هي الامين العام لمجلس الوزراء الذي يمثله محاميان من الاحزاب الاسلامية الحاكمة وكانا يقومان بإضافة تهم جديدة في كل جلسة، إلى أن تولدت ضد المنظمة قائمة مطولة من التهم. تعتبر ينار أن منظمتها ومنذ العام 2003 تأوي أي امرأة تلجأ إليها هاربة من أي نوع من أنواع العنف دون أي استثناء “على عكس الحكومة التي تقف مع العشائر في التفريط بحياة النساء تحت مسميات “الشرف”.
كوردستان تُشرّع وبغداد تمتنع
نجح برلمان كوردستان بتشريع قانون مناهضة العنف الأسري رقم (8 )لسنة 2011 رغم وجود بعض الاعتراضات من بعض الأحزاب لكنها لم تكن أقوى من إرادة تشريع القانون كما قالت عضو مجلس مفوضية حقوق الانسان في الاقليم، بسمة محمد مصطفى. وتضمن القانون رقم (8)الكثير من الحقوق والضمانات لحماية الأسرة بشكل عام والمرأة بشكل خاص وأهمها توفير دور لايواء لضحايا العنف الأسري، إذ يوجد في الاقليم (3) دور حكومية رئيسية في أربيل والسليمانية ودهوك، وهناك أيضا عدد من الدور التي تديرها منظمات نسوية غير حكومية مدعومة ماليا من منظمات دولية، مثل منظمة اسودا واتحاد نساء كوردستان في السليمانية ويوجد منها أيضا في أربيل ودهوك. وأسهمت هذه الدور في توفير الحماية والرعاية للنساء المعنفات، اذا بامكان أية معنفة الاتصال المباشر بالجهات المعنية وفق القانون، لتأتي إلى نجدتها فرقة مختصة تابعة لوزارة الداخلية مديرية مناهضة العنف الاسري وتأخذها لدار الإيواء حتى تحصل على الحماية ولا تعود إلى منزلها، إلا في حال تم حل المشكلة فعليا ،كما أكدت ذلك عضو المفوضية.
على عكس الإقليم، لم يتم تمرير قانون العنف الأسري في البرلمان العراقي بحجة الحفاظ على وحدة الأسرة وتماسكها من تأثير القوانين الغربية وعدم فسح المجال أمام النساء لترك أسرهن وعدم جواز منحهن حرية الخروج من منازلهن والمبيت خارجها وغيرها من المبررات التي صرح بها نواب في البرلمان العراقي السابق عبر وسائل الاعلام منهم النائب عمار طعمة عن حزب الفضيلة الاسلامي والذي عرف بموقفه الرافض المتشدد لقانون الحماية من العنف الأسري. بالنتيجة، مازال القانون يراوح مكانه في أدراج مجلس النواب منذ العام 2014.
تشير أمل كباشي، رئيسة شبكة النساء العراقيات الى أن عدم تشريع قانون الحماية من العنف الأسري رغم العمل المتواصل خلال دورتين نيابية وجهود المنظمات غير الحكومية يرجع الى عدة أسباب أبرزها “عدم فهم معنى العنف الأسري وتأثيره على الأسرة من قبل النواب وهيمنة العقلية الذكورية والسيطرة الأبوية على مجريات القيادة داخل مجلس النواب وضعف لجنة المرأة النيابية وعدم قدرتها على الدفع باتجاه تشريعه”.وتتهم كباشي الاحزاب والكتل السياسية ذات الخلفيات الاسلامية بمعارضة تشريع القانون خوفا على زعزعة السلطة الابوية في نطاق الاسرة رغم أن مشروع القانون يقدم آليات حماية لجميع أفراد الأسرة الذين يواجهون عنفا أسريا داخل العائلة، كما أن مشروع القانون منح الحق في فتح دور الإيواء للجهات غير الحكومية.
من جهتها، تشير الناشطة ضحى الشمري إلى أن الرافضين لتشريع قانون العنف الأسري وانشاء دور إيواء يعتقدون أنها تتعارض مع ثوابت الاسلام، متناسين الجانب الخطير لغياب هذه الدور و تأثيرها على حياة المرأة وكرامتها. “فهل يرضى الإسلام باستغلال النساء في بيوت الدعارة أو اذلالهن في الشوارع أو انتحارهن أو قتلهن؟”
ملاحظة:أسماء الضحايا في التحقيق “مستعارة”حفاظا على حياتهن ومراعاة لطلبهن.
المصدر:مكانتي