“لا ملجأ من السجن الا اليه” بهذه العبارة اختصرت جنان قصتها، وجنان من البصرة في الـ 28 سنة وحاصلة على شهادة الإعدادية، أما عن التفاصيل فتقول جنان : “كنت في الثانية والعشرين عندما توفي والدي فتوجهت للعمل في مكتب للاستنساخ بدخل قليل لا يكفي لتوفير احتياجاتنا ، عندي اخت تكبرني بعامين ووالدتي قاسية معنا، كانت تطلب ان نأتي بالنقود واحتياجات البيت مهما كلّفنا الأمر، مما دفع بأختي الى بيع جسدها لكسب النقود، فتركت البيت، وعندما كنت أزورها في إحدى المرات لآخذ مصروف البيت داهمت الشرطة المكان، وألقي القبض علي مع اختي، وبسبب تواجدي في المكان حُكم علي بالحبس لستة اشهر”.
عندها تذكر أقرباء جنان أن لهم قريبة واتهموها بـ”تدنيس شرف العائلة”، وحتى أمها رفضت استقبالها بعد انتهاء مدة العقوبة بحجة الخوف من الأقارب. “لم اجد مكانا يأويني او عمل يعينني فكل من يعرف اني خارجة من السجن يرفض ان يشغلني عنده، او يحاول مساومتي على امور اخرى، فلم اجد امامي حلاً سوى العودة للسجن فهو على سوئه افضل من الضياع خارجه، فعمدت الى ارتكاب السرقة وحكم علي بالسجن لخمس سنوات ” تقول جنان.
من السجن وإليه..
تتشابه قصة نوال من الناصرية وهي حاصلة على الابتدائية و عمرها 32 عاما، مع قصة جنان والعديدات ممن خرجن من السجون العراقية، تروي لنا نوال “ماتت امي وأنا في الخامسة من عمري، وتزوج والدي امرأة ظالمة عذبتني ، عانيت الحرمان من الطعام والضرب والسباب الدائم، وحتى أبي كان يضربني بشكل عنيف، بعد ان تشتكيني زوجته مدعية اني ضربت أخوتي او قصرّت عن مساعدتها.
في ليلة شتاء باردة ضربني ابي ضربا مبرحا فقررت الهرب من البيت حين ينام الجميع، وكنت حينها في السادسة عشر من العمر، خرجت من البيت ومعي القليل من المال،توجهت الى السيارات الذاهبة نحو بغداد، في الطريق توقفت السيارة عند احدى نقاط التفتيش أمر العسكري بأمري بإنزالي من السيارة، صرت اتوسله ان يتركني اغادر وان لا يُعلم ابي، غير ان الضابط حاول طمئنتي فاتصلوا بالشرطة التي اعادتني الى البيت بعد ان اخذوا تعهدا من ابي ان لا يمسني بسوء، فبدأ فصل جديد من التعنيف لاني جلبت عارا للاسرة بمحاولتي للهرب ولكي يُستر هذا العار كان القرار بتزويجي لابن اخت زوجة ابي الذي كان مدمن خمر ويكبرني بعشرين عاما”.
توقفت نوال عن الكلام وطلبت ان تنسحب لدقائق ،وحين عادت تابعت
“قررت الهرب مجددا نحو البصرة قبل يوم من اتمام عقد الزواج، لكني هذه المرة خططت لسرقة الذهب الذي بحوزة زوجة ابي، غادرت عند الفجر وما إن وصلت البصرة تم القبض علي، اصرت زوجة ابي على اقامة دعوى السرقة فتم الحكم علي بالحبس لسنتين ، في السجن تعرفت الى امرأة كانت تدير شبكة للدعارة خارج السجن كانت ترعاني ، تقدم لي مزيدا من الطعام وتوفر ما احتاج اليه من ثياب وامور اخرى واعدة اياي انني سأجد من يستقبلني حين خروجي من السجن، وبعد انتهاء عقوبتي ذهبت الى عنوان اعطتني إياه، ،حيث وجدت امرأة تتاجر بالمخدرات فبدأت رحلتي مع الادمان حتى القي القبض علي مجدداً وحكمت بالسجن لخمس سنوات وقد عانيت كثيرا عند انقطاعي عن المخدرات حيث لم اتلقى اي علاج او مساعدة “.
ويتعارض ما تعرضت له جنان ونوال مع القوانين العراقية التي تنص في مادتها رقم 58 من قانون اصلاح النزلاء والمودعين رقم 14 لسنة 2018
اولا: تقوم كل من دائرتي الاصلاح العراقية واصلاح الاحداث بالتنسيق مع الجهات المعنية بتأمين الرعاية اللاحقة للنزلاء والمودعين لغرض تقديم المساعدة المناسبة لهم وتسهيل انتظامهم في مجالات العمل وبما يكفل دمجهم واستقرارهم في المجتمع .
وتنص الفقرة ثالثا من المادة ذاتها على:
ثالثا : على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية انشاء مركز ايوائي للرعاية اللاحقة للمودع الحدث والنزيلة والمودعة والموقوفة التي انهت محكوميتها او تم الافراج عنها يكفل ضمان سلامتها من العنف من قبل اسرتها او ذويها وحمايتها من الجنوح والعود لارتكاب الجريمة.
وتنص الفقرة خامسا من المادة 59 من ذات القانون على:
_التنسيق بين دائرتي اصلاح الكبار واصلاح الاحداث ومؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ اهداف الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم بتوفير التدريب والعمل المناسب لهم وتقديم الاعانات المالية والمأوى للمحتاجين منهم.
ورغم عدم توفر احصاءات رسمية حول عدد العائدات او نسبتهن الا ان المؤشرات الاجتماعية تشير الى ارتفاع نسبة الجرائم المرتكبة من قبل النساء يضاف اليها الاوضاع التي تعانيها تلك السجينات، وهذا يعني المزيد من العائدات لارتكاب الجريمة.
في هذا الصدد يقول رحيم العكَيلي وهو قاض متقاعد ورئيس هيئة النزاهة الاسبق في العراق “ليس لدي احصائية عن عدد العائدين او نسبتهم ولم تعلن الجهات الرسمية مثل تلك الاحصاءات وعلى الاغلب بانها غير مهتمة بجمع مثل تلك الاحصاءات والمؤشرات، هي ان توفرت عندها فانها تحرص على اخفائها عن الراي العام “.
واضاف العكَيلي “رغم وجود بعض المعالجات والتدابير التي نص عليها القانون لاصلاح السجينات واعادة ادماجهم في المجتمع وتجنب عودتهم لارتكاب جرائم الا انها قاصرة ومحدودة، والموجود منها بلا تطبيق عملي على ارض الواقع ..
وفوق هذا وذاك فان السجون والمواقف في العراق هي مصانع للمجرمين بسبب سوء اوضاعها وسوء معاملة السجناء فيها وعدم احترام كرامتهم الانسانية وطرق الاذلال والتعذيب والاهانة التي تمارس ضدهم بحيث تجعل منهم شديدي السخط والنقمة ضد المجتمع، مما يحفزهم لخرق القوانين وتبني الكراهية وارتكاب جرائم مماثلة او اخرى” .
ويرى القاضي السابق بأن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تكترث بالقوانين المتعلقة بالسجون واصلاح السجناء وليست بحريصة على مراقبة من يطبق تلك القوانين ” اما اوضاع السجون والمواقف واوضاع السجناء والموقوفين وحقوقهم الانسانية فانها اخر اهتماماتهم” بحسب تعبيره.
صرحت لنا السيدة ريزان شيخ دلير، (عضوة مجلس نواب سابقة عن التحالف الكردستاني وعضوة لجنة المرأة سابقا) عن دور الحكومة في هذا الامر قائلة ” ان دور الحكومة في توفير الحماية اللاحقة للسجينات كبير جدا خاصة ان وضع المرأة المرتكبة للجريمة يختلف عن وضع الرجل اذ ان اغلب النساء بمجرد ان تُحكم تُطلق وتنبذ من العائلة او القبيلة لذلك يجب توفير مكان او ملاجئ تأويها بعد انهاء محكوميتها وخاصة اللواتي حكمن بتهمة البغاء اذ ان اغلبها ليست برغبتهن وانما هو نتيجة للاتجار بالنساء واجسادهن او انهن ضحية وضع مالي صعب جدا ” واضافت “ان وجود اماكن للايواء وقانون لمناهضة العنف الاسري امران مهمان للحد من ارتكاب الجريمة داخل الاسرة” واشارت بقولها “هناك نواقص في القانون غير ان الخلل الاكبر هو في التطبيق قبل ان يكون في القانون”.
ولمعرفة ما اذا كانت هناك خططا تتعلق بحماية المفرج عنهن سألنا ميسون الساعدي مستشارة نائب رئيس مجلس النواب لشؤون المرأة، و قالت لنا ” ننتظر التصويت على لجنة المرأة والاسرة والطفولة النيابية كي نبدأ العمل على تشريع ما يخدم المرأة والطفل ” مضيفةً “حاليا لا توجد ميزانية خاصة لتوفير المأوى ننتظر وصول الموازنة العامة والعمل على اضافة فقرة في الموازنة بعنوان موازنة الجندر وممكن ايضا ان تكون ضمن قانون العنف الاسري في حال تشريعه”.
انتج المحتوى بدعم من التعاون الالماني