قصص وتقارير

تشريع قانون مناهضة العنف الأسري ضرورة لحماية المرأة

هند صباح خلف

اصبح العنف ضد النساءمشكلة كبيرة و مستمرة تتنقل عبر الأجيال لدرجة ان بعض النساء اعتبرن تسلط الرجل حق من حقوقه و يجب القبول بذلك بدون أي نقاش، وبسبب ضعفالضمانات القانونية وطبيعة المجتمع الذكوري و التأثير الكبير للعادات والتقاليد تعرضت العديد من  النساء الى انتهاكات مستمرة ادت الى تفاقم المشاكل الاجتماعية وزيادة نسبة الجرائم المرتكبة ضد النساء،كما تؤثر العوامل الاقتصادية والسياسية بشكل كبير ومباشر على زيادة معدلات العنف الاسري الموجه ضد النساء بشكل خاص.

و تؤكد التدريسية  في مركز دراسات المرأة جامعة بغداد الدكتورة اسماء جميل, أن عدد حالات الطلاق في العراق خلال الشهر الاخير من العام  2022 بلغت (173،5 )  حالة طلاق ،و اشارت الى ان الإحصائيات المعلنة عن العنف الأسري لا تمثل سوى قمة جبل الجليد، بسبب عزوف الضحايا عن الإبلاغ عن الاعتداءات التي يتعرضون لها، خوفا من التقاليد الاجتماعية وعقاب الأهل و قد تم تسجيل( 3 )آلاف و(637) حالة اعتداء من قبل  الأزواج على زوجاتهم من مجموع( 5 ) آلاف و173  حالة عنف أسري سُجلت في العاصمة بغداد وبقية محافظات البلاد.

ورغم حملات المدافعة والمناصرة التي اطلقتها المنظمات النسائية والناشطات المدنيات من اجل تشريع قانون مناهضة العنف الاسري الا ان جميع المحاولات لم تحقق الهدف بسبب رفض بعض السياسيين  ورجال الدين تشريع القانون لانهم يعتقدون مخطئين  ان القانون سيؤدي الى استقواء المرأة على الرجل،متجاهلين خطورته على الاسرة والمجتمع, كما تقول الناشطة ميسون البدري.

آثار نفسية واجتماعية

تشير الباحثة الاجتماعية انتظار حاتم الى ان النساء ضحايا العنف بأشكاله معرضات للإصابة بأزمات نفسية منها الشعور بالإحباط والحزن الدائم واليأس من الحياة وعدم الثقة بالذات والآخرين وهذه ازمات نفسية يمكن ان تتطور بشكل خطير، وإذا لم تعالج بشكل صائب سيكون مصير الضحية الانتحار او الاصابة بأمراض صحية او نفسية خطيرة تؤثر بشكل مباشر على الناجية ومحيطها.

كما يؤدي العنف الاسري الموجه ضد المرأة الى تفكك اسري وهدم للعلاقات الاجتماعية على صعيد الاسرة, كما ان ضعف المعالجات الحكومية في توفير دور الايواء الامنة ومركز التأهيل النفسي والاجتماعي يزيد الامر سوءً.

زيجات تولد العنف

يعتبر زواج بنت العم لإبن العم،من ابرز انواع الزيجات المحكومة بالعرف العشائري و الذي مازال سائدا في مجتمعنا العراقي عند بعض العائلات، فالكثير من الفتيات والنساء تزوجن من ابناء عمومتهن اجبارا من قبل اسرهن الا أن اغلب تلك الزيجات لم تستمر طويلاً لأسباب عديدة، لذلك ترى ناشطات نسويات ان العرف العشائري يثقل كاهل النساء كثيرا ويتحكم بمصيرهن كما ان تأثيره يتعدى المشاكل الزوجية العادية ليشكل ابرز اسباب العنف الاسري المرتكب ضد النساء اضافة الى انه يعرقل وبشكل كبير وصول النساء الى حقوقهن في التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والعمل وغيرهامن الحقوق الاخرى.

اجراءات تفاقم المشكلة

الخبير القانوني محمد جمعة يرى إن النظام القانوني الحالي  في العراق يفتقر الى الضمانات الكافية للضحية ضد معنفها فيما لو قررت الشكوى، حيث يتطلب أن تتوجه الضحية بنفسها لمحكمة التحقيق ثم الى مركز الشرطة لتقديم الشكوى وتدوين اقوالها مع توفر الشهود، ليتم اتخاذ الإجراء القانوني  علما ان اسرع اجراء قانوني يمكن اتخاذه من ساعة الشكوى لغاية ساعة اتخاذ الإجراء قد يستغرق يومين في افضل او اسوء الأحوال  وفي هذين اليومين لايوجد اي مكان تلجئ اليه الضحية .

واشار جمعة الى مشكلة اخرى تضاعف حجم المعاناة على الضحية وهي ان الاغلب منهن يجهلن حقوقهن القانونية و اجراءات تقديم الشكاوى كما ان الكثير منهن لا يستطعن الخروج من المنزل لتقديم الشكوى خاصة وان النظام القانوني المعمول به حاليا لايشجع على تقديم البلاغات ويشدد  النظام على أن تقوم الضحية بتقديم  الشكوى بنفسها، وهذا ما يجعل  الضحية تصل الى حالة يأس من القانون الذي يُعتبر بالنسبة لها الخَيار الأخير.

جريمة وفق القانون

يجرم قانون العقوبات العراقي رقم(111) لسنة  1969 المعدل النافذ ، الاعتداء المتعمد على الاخرين  باي شكل كان، يوضح الخبير القانوني احمد فاضل :ان المادة (43) من قانون العقوبات العراقي في فقرته الأولى تنص على المعاقبة بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على 100 الف دينار على كل من اعتدى عمداً على آخر بالجرح أو الضرب أو بالعنف أو بارتكاب أي فعل آخر، فيما تنص في فقرتها الثانية بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة 300 الف.

معالجة بديلة

لمعالجة المشاكل الاجتماعية وابرزها مشكلة العنف الاسري افتتحت وزارة الداخليةالى جانب مراكز حماية الاسرة , أقسام الشرطة المجتمعية في بغداد والمحافظات يعمل فيها كوادر مدربة بينها عناصر نسائية, وهو يعتبر اجراء جيد لمعالجة حالات العنف الاسري المتفاقمة.

وبين وسام مزهر الساعدي الموظف في قسم الشرطة المجتمعيةان ابرز انواع العنف الذي تتعرض له النساء هو العنف الجسدي وهذا ما لمسناه من خلال عملنا ,وتقوم كوادرنابتخفيف العبء عن الناجيات من العنف وتقديم الدعم المعنوي والنفسي.

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الشرطة المجتمعية الا ان صلاحياتها وفق القانون محدودة كما انها بحاجة الى كوادر اضافية ومراكز استماع متكاملة.

التوعية والمعالجة القانونية

يبقى غياب الحماية القانونية سببا رئيسيا من أسباب العنف ضد المرأة, حيث ان نقص المعالجة التشريعية من خلال تشريع القوانين الضرورية مثل قانون مناهضة العنف الاسري،وعدم اصلاح بعض نصوصها خاصة المتعلقة بحماية المرأة داخل نطاق الأسرة يفاقم من حالات العنف الاسري و يشكل عنفاً تمييزاً واضحا ودافعا لارتكاب الجرائم كما يرى الخبير القانوني محمد جمعة.

من جانبها اكدت الناشطة في مجال حقوق الإنسان هناء ادور الى ضرورة ان تقوم مؤسسات الدولة المعنية بتشكيلمحاكم متخصصة للنظر في قضايا الاسرة، مثلما اصدر مجلس القضاء الاعلى البيان رقم ( 9) في ‏‏10/1/2021 المتضمن تشكيل محكمة متخصصة بالنظر في قضايا العنف الاسري ومحكمة جنح للنظر في قضايا العنف الاسري اضافة الى اعمالها،يكون مقرها في مركز كل منطقة استئنافية وذلك استنادا لأحكام المادة (35/ ثانيا ) من قانون التنظيم القضائي رقم ‏‏160 لسنة 1979 والمادة (3 /  تاسعا ) من قانون مجلس القضاء الاعلى رقم ‏‏45 لسنة 2017،واشارت ادور الى اهمية تمكين القضاة والمحققين في مجال قضايا الاسرة.

فيما توصي الباحثة في مجال حقوق المرأة فريال الكعبي بضرورة اطلاق برامج التوعية  الاعلامية والمجتمعية حول اسباب و مخاطر العنف الاسري, مع استمرار حملات المدافعة والمناصرة للضغط على مجلس النواب من اجل تشريع قانون العنف الاسري, كما شددت الكعبي على اهمية توفير دور ايواء نموذجية ومراكز تأهيل مهنية اضافة الى استخدام الية الابلاغ الالكتروني وتبسيط اجراءات الشكاوى, وتوسيع صلاحيات الشرطة المجتمعية التي تقوم بدور فعال وكبير في معالجة حالات العنف الاسري في عموم العراق.

 

زر الذهاب إلى الأعلى