قصص وتقارير

عراقيات “هالة العين الزرقاء ليست أسوأ ما يحدث”

بغداد – دعاء يوسف:

تعمل ضحى خالد بشكل رئيسي مع النساء المتعرضات للتعنيف، وفي أغلب الحالات، كما تقول، فإن الهالة الزرقاء التي تحيط عين إحدى النساء، أو الحمراء التي تحيط فمها، تحدث بيد أحد أفراد عائلتها الأقرب.

عملت ضحى قبل فترة على قضية “ناجية” تعرضت إلى الضرب المبرح من قبل والد بناتها الأربع، الذي يبدو أنه لم يكن يريد بنتا خامسة.

تقول ضحى التي تعمل مع (جمعية نساء بغداد) في حديث لموقع (ارفع صوتك) إن زوج المرأة ضربها بشدة بعد أن اكتشفت حملها بفتاة، وليس صبيا كما كان يتمنى.

لم ترَ تلك الفتاة النور أبدا، فضرب أبيها المبرح تسبب بإسقاطها وإجهاض أمها.

اعتداء جنسي أيضا

بشكل قد يكون مثيرا للدهشة، فإن قصص الهالات الملونة التي تملأ الوجوه، ليست القصص الأكثر حزنا هنا في (جمعية نساء بغداد) التي تعمل ضحى معها.

تشير ضحى إلى أن ما يتم الإعلان عنه من القضايا المأساوية التي تحدث في داخل الأسر العراقية لا يكاد يكون شيئا مقارنة مع المسكوت عنه، خوفاً من المجتمع الذي تحكمه العادات والتقاليد.

تروي ضحى، قصة لزوجة طلبت مساعدة الجمعية عقب “تعرضها إلى اعتداءات جنسية من قبل والد زوجها لأكثر من مرة”، تقول ضحى إن الزوجة “لم تبلغ أحدا آخر بذلك”.

زوجة أخرى تعرضت إلى “الاغتصاب” وهذه المرة من قبل “شقيق زوجها”، الذي “تسلل إلى غرفتها في غياب الزوج” كما تروي ضحى أيضا.

الزوجة قالت للجمعية إن شقيق زوجها هددها “بالقتل” في حالة كشفت عن فعلته لأحد.

“ليس بيدي شيء”، تنقل ضحى عن الزوجة قولها، “إذا تكلمت سيقتلونني وسيمحون كل أثر لي، لا أعرف أين أذهب”.

فتاة أخرى “تعاني الكوابيس” تقول إن عمها كان “يضايقها” جنسيا، ومثل سابقاتها، فهي “لا تستطيع التحدث لأي شخص عن الموضوع”.

“تأديب” الزوجة

تقول (جمعية نساء بغداد) إن 392 امرأة عراقية لجأت اليها طلبا للمساعدة خلال أعوام قليلة، ربع هؤلاء النساء تعرضن إلى التعنيف الجسدي، فيما تعرض 11.5 بالمئة منهن إلى “اعتداءات جنسية” من أقارب.

بشكل غير رسمي، قال أحد المسؤولين في وزارة التخطيط إن لديهم أرقاما تشير إلى تعرض أكثر من 36 بالمئة من النساء العراقيات المتزوجات إلى التعنيف.

هذه النسبة تعني أرقاما تصل إلى مئات الآلاف من النساء.

المدير الإعلامي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي يقول في حديث لموقع (ارفع صوتك) إن “بعض حالات العنف ضد النساء تسجل أحيانا البيانات تحت بنود ومسميات أخرى بحكم العادات والتقاليد العشائرية”.

وفي عام 2016، أظهرت إحصائية لمنظمة (هيومن رايتس ووتش) أن واحدة من كل خمس نساء عراقيات تتعرض للعنف الأسري البدني، بينما تقول بعثة الأمم المتحدة في العراق إن 60 في المئة من العراقيات تعرضن للعنف من قبل أزواجهن، خاصة في ظل تراجع أعداد المتعلمات منهن.

القانون العراقي منح الزوج، والأب، حق “تأديب” زوجته أو ابنته القاصر، كما تقول المستشارة القانونية أنوار علي في حديث لموقع (ارفع صوتك).

ووفق المادة 41 من القانون العراقي، “لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون”.

ويعتبر استعمالا للحق وفق القانون “تأديب الزوج لزوجته، وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً” كما يقول نص المادة.

البرلمان تحرك.. لكن في الاتجاه الخاطئ

مجلس النواب العراقي الذي يتكون ربعه من النساء، بحسب نظام (الكوتا) أو الحصة الانتخابية لم يتحرك لحمايتهن، وإنما حاول إقرار (تعديل قانون الأحوال الشخصية) لكي يتوافق أكثر مع “الخصوصية الإسلامية للعراق”، بحسب بعض الأحزاب الممثلة في المجلس.

القانون المقترح، والذي واجه اعتراضات كثيرة من قبل الناشطين العراقيين ومنظمات المجتمع المدني لم يقر في البرلمان بعد، لكن إقراره في أي لحظة أمر غير مستبعد.

وتقول عضوة لجنة المرأة والطفولة النيابية، البرلمانية انتصار الجبوري، في حديث لموقع (ارفع صوتك) “تطبيقا للاتفاقيات الدولية التي صادق العراق عليها، نحن ملزمون بتشريع قوانين حماية الأسرة والمرأة والطفولة”.

وبدلا من أن يتم التصويت على هذا القانون، أقرّ مجلس النواب مبدئيا التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية، الذي يعمل على تفكيك الأسرة وينتهك حق المرأة وضياع حقوقها وزواج القاصرات ويكرس العنف، ويسمح بتدخل جهات دينية سواء كانت سنية أو شيعية في استقلالية القضاء، بحسب النائبة.

وينص مشروع قانون حماية الأسرة على إنشاء محكمة تختص بالعنف الأسري، كما أنه يحوي العديد من العقوبات المضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وقانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983.

ويُخضع القانون المدانين بارتكاب جرائم العنف الأسري إلى برامج تأهيل خاصة، لكن أحدا منهم لن يخضع لها قريبا، على الأقل حتى إقرار القانون الذي لا يعرف له موعد حتى الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى