قصص وتقارير

الصحة الجنسية للمراهقات..ضرورة لا يمكن السكوت عنها.

تمارة عماد

ما زالت القيم المجتمعية تفرض سلطتها على النساء إذ تؤدي العقلية الأبوية السائدة في المجتمع العراقي إلى. تصنيف المرأة في مدى قدرتها على الإنجاب، والزواج المبكر للطفلات، مرورًا بالحمل المتكرر في فترات.زمنية متقاربة، حيث يتسبب للنساء بآثار صحية سيئة وأمراض يصعب علاجها.

 من أهم القضايا التي ما زال المجتمع يرفض، ويتجنب الحديث عنها وكشف آثار مشكلاتها هي الصحة الجنسية والإنجابية للنساء، وتحديدًا الفتيات في سن البلوغ، إذ يعيش العراق كغيره من البلدان العربية من حساسية اتجاه الثقافة الجنسية، ويعتبرها من المحرمات مما قد يمنع الفتيات قبل وخلال مرحلة البلوغ، والنساء غير المتزوجات من الحصول على خدمات الصحة الجنسية، أو حتى اكتساب المعرفة والوعي بطرق صحيحة وآمنة، في كيفية التعامل مع الأمراض الجنسية والحصول على العلاج الصحيح.
مراجعتي طبيبة نسائية، كانت تعني فقدان شرف العائلة، سناء 36 عامًا من محافظة ديالى، متزوجة منذ سبع سنوات، لم تراجع طبيبة نسائية طوال حياتها إلا بعد زواجها بعام كامل، وذلك للكشف عن أسباب عدم حملها، تخبرنا سناء قصتها فتقول: “كنت أعاني خلال مراهقتي من ظهور الشعر الكثيف والخشن في مناطق متفرقة من جسدي، كانت آلام الدورة الشهرية بالنسبة إليّ، ألم لا يمكن أن يُحتمل كل شهر.
لم نكن وقتها نملك رفاهية الذهاب لطبيبة نسائية أو طلب المساعدة، بسبب خوف الأهل وحذرهم من كلام الناس، كما اعتقدت أن ما أمر به مرتبط بكوني امرأة، وإن هذا الألم المصاحب للدورة الشهرية طبيعي، بعد سن العشرين أصبحت الدورة الشهرية تنقطع لأشهر كنت أعيش أياماً من الخوف والقلق، وكأني ارتكبت جريمة لا أعرف ما هي فقط لأن ما كنت أعرفه عن انقطاع الدورة الشهرية للمرأة، عن احتمالية أن تكون حامل، هذا ما تعلمته من والدتي، وسمعته من نساء العائلة، ثم بعد أشهر كانت تعود الدورة الشهرية فيزول القلق، استمرت حالتي هذهِ دون أن أعلم أني مريضة وبحاجة للعلاج”.
تضيف سناء: “بعد عام كامل من زواجي وعند مراجعتي للطبيبة النسائية، حيث طلبت مني عدة فحوصات، وصورة للمبايض والرحم، تبين أني أعاني المبيض متعدد الكيسات، وإن حالتي متفاقمة بسبب عدم علاجها بوقت مبكر، أخبرتني الطبيبة المختصة، أن إمكانية حملي ضعيفة إلى حدٍ ما، وقد لا أتمكن من الحمل أصلا”.

الاخصائية النسائية في مستشفى الزهراء في محافظة ديالى -د.رواء عماد تخبرنا عن الأمراض النسائية التي تصيب الفتيات، وتقول: “هنالك أمراض نسائية تصيب الفتيات في مراحل البلوغ في حال لم تتم معالجتها فإنها قد تترك ضرراً على المدى الطويل، وتؤثر في نسبة الخصوبة لدى النساء وقدرتهن على الإنجاب في المستقبل، إذ من الضروري أن تمتلك الفتيات نوعاً من المعرفة والوعي حول طبيعة أجسادهن والتغيرات التي تطرأ عليه في مراحل عمرية مختلفة”.

وحول حالة سناء تقول د.رواء: “تكيس المبايض من الأمراض النسائية الشائعة لدى الفتيات، ويحصل لعدة أسباب بعضها وراثية أو بسبب خلل في الهرمونات وازدياد الهرمون الذكوري, تعاني خلاله الفتيات من زيادة الوزن، الاكتئاب، نمو الشعر الخشن في أماكن متفرقة من الجسم، وعدم انتظام الدورة الشهرية، لكن للأسف من ضمن عشرات الحالات التي مرت عليّ خلال عملي، أغلب المراجعات هن نساء متزوجات وكن يعانين تكيس المبايض منذ مرحلة البلوغ لكن لم تتم معالجته في وقت مبكر، مما سبب لهن صعوبة في الحمل أو عدم تمكنهن من الحمل في بعض الحالات المتقدمة من الإصابة بالتكيس”.
وتضيف د.رواء: “ترفض العديد من الأمهات أن يتم الكشف على بناتهن، أو إحضارهن لطبيبة نسائية مختصة، وتعزو ذلك إلى الصورة النمطية لدى العائلة والمجتمع، إذ ارتبطت زيارة الطبيبة النسائية حصرًا للمرأة المتزوجة، ويصعب أن تحصل عليه الفتيات بعمر صغير أو قبل الزواج، وهنالك قلة وعي لدى النسوة بصورة عامة حول أهمية إجراء فحص دوري ومراجعة الطبيبة النسائية، حيث يلجأ العديد منهن إلى استخدام الأعشاب والخلطات لعلاج ألم الدورة الشهرية, والالتهابات التي تصيب المهبل، ويمكن لهذه العلاجات غير الآمنة أن تزيد من خطر الإصابة بعدوى الرحم، بسبب تغيير موازنة البكتيريا المهبلية”.

 كنت أعاني الإسهال المستمر، وأوجاع في منطقة المثانة باستمرار لم أعرف سببها إلا بعد عشر سنوات من مرحلة البلوغ، تقول جمانة 25 عامًا من محافظة كركوك: “رافقني ألم الدورة الشهرية المستمر خمس سنوات منذ أن بلغت، أخبرت شقيقتي الكبرى أني أشعر بأوجاع مستمرة قبل الدورة الشهرية بوقت طويل وتستمر معي حتى بعد أيام الدورة، أخبرتني إنها قد تكون أوجاع قولون كانت تحضر لي أنواع مختلفة من الأدوية المسكنة لكن لم أشعر بأي تحسن”.
جمانة فقدت والدتها، وهي في عمر صغير، وتعيش وأختها الكبرى مع والدهما واجهت صعوبة وخجل وخوف في الطلب من والدها أن تذهب إلى طبيبة نسائية، تقول جمانة: “في عمر الـ18، أخبرت والدي إني احتاج أن أراجع طبيبة لأمر ضروري، اصطحبني للمستوصف، وكشفت علي طبيبة باطنية، أخبرتها إني أعاني من إسهال مستمر، وهنالك أوجاع ترافقني باستمرار، شخصت الطبيبة حالتي بأني أعاني من تحسس في المعدة نصحتني في الابتعاد عن منتجات الحليب، وأن الآلم ستزول بالتدريج”.

حالة جمانة لا تختلف كثيرًا عن حالة سناء، لم تكتشف جمانة إن مرضها كان “بطانة الرحم المهاجرة حيث تنمو الأنسجة المكونة لبطانة الرحم خارج منطقة الحوض مما يسبب آلاماً شديدة ومضاعفات أخرى (1)، تلقت جمانة التشخيص الصحيح لمرضها بعد زواجها بثلاث سنوات، على الرغم من أنها وخلال السنوات الأولى من زواجها راجعت العديد من الطبيبات المختصات، إلا إنهن وبحسب جمانة لم يشخصن مرضها بصورة صحيحة.
تضيف جمانة: “حملت لمرتين، وكانت لديّ ولادة مبكرة فقدت خلالها المولودين في الشهر الثالث والخامس من الحمل، ولم يعش أيًا منهما، أخبرتني طبية نسائية في المستشفى أن حالتي تحتاج إلى إجراء جراحة ناظورية للرحم، أتلقى علاجاً منذ عام تقريبًا، ولا أعرف هل سأتمكن من الحمل مستقبلًا أم لا، أجريت عملية جراحية الفترة الماضية تم خلالها استئصال جزء من أنسجة الرحم، ولو كنت تلقيت العلاج في مرحلة عمرية مبكرة ماكنت سأعيش هذه المعاناة التي قد تحرمني من الحمل إلى الأبد في حال استأصل الرحم بالكامل”.

المختصة في علم الاجتماع حوراء سعد حدثتنا عن مخاوف المجتمع حول مراجعة الفتيات قبل الزواج للطبيبة النسائية، وأهمية التربية الجنسية للأبناء، وتقول: “العديد من العائلات ما زالت لديها فكرة مغلوطة حول الصحة الجنسية واعتبار الحديث عنها من المحرمات، وأشارت إلى ضرورة تدريس التربية الجنسية للمراهقين لكيلا يكونون عرضة لمعلومات غير صحيحة من مصادر مضللة يصلون إليها عن طريق شبكة الأنترنت”.
وحول الثقافة الجنسية لدى الفتيات والنساء، تقول حوراء:” اجرينا استبيان وكانت عينة البحث عشوائية لنساء من كافة محافظات العراق ماعدا إقليم كردستان، 75% من النساء بعمر 18-25 كانت إجابتهن بنعم حول حصولهن على المعلومات حول الصحة الجنسية من خلال شبكة الإنترنت بينما 79% من نفس العينة لا تعتمد على إجراء فحص دوري عند الطبيبة النسائية، حيث كانت أكثر من نصف المشاركات في الاستبيان هن نساء غير متزوجات، وهذا يؤكد أن مراجعة الطبيبة النسائية للخضوع لفحص دوري قليلة جدًا، لذا من المهم أن يكون للوالدين دور في مساعدة الأبناء للحصول على الرعاية الصحية اللازمة ليس خلال مرحلة الطفولة فقط، بل خلال المراهقة والبلوغ والحديث معهم حول التغيرات الجسمية المصاحبة لهذه المرحلة”.

الدكتورة تغريد حمود استشاري الأمراض النسائية تتحدث عن المشكلات الخلقية التي تصيب الجهاز التناسلي للنساء، وتقول: “بسبب التأخر في المراجعة الطبية, والخوف من كلام الناس الذي لا يرحم ولا يستطيع أحد تخيله، حول التشكيك بشرف البنت وعائلتها، هنالك حالات كانسداد غشاء البكارة، وانسداد عنق الرحم، وتدمي الرحم ثنائي القرن، جميعها حالات تحتاج إلى إجراء التنظير الرحمي الدقيق، لكيلا ينتهي الحال بالعديد من الفتيات بقلع الرحم، أو إصابة المثانة والأمعاء”.

وتضيف د. تغريد: “يكون سؤال أهل المريضة الأول هل ستفقد ابنتهم غشاء البكارة، أؤكد لهم في كل مرّة أن العمليات تكون دقيقة ومعقدة بواسطة التنظير الرحمي الجراحي، لكننا نحرص دائمًا على صحة المريضة،ولا خوف على غشاء البكارة”.

من واقع تجربتها حرصت سناء أن تقدم النصيحة للنسوة من حولها, فيما يخص الحديث حول الصحة الجنسية مع بناتهن أمر لا يدعو للخجل والخوف على العكس قد يجنبهن خطر مشكلات مسكوت عنها بسبب الخجل كما حصل معها، تضيف سناء: “كلام النسوة وأسئلتهن التي تلاحقني عن أسباب تأخري في الحمل،كان جوابي لهن، بسبب الخوف على شرف العائلة في حال رؤيتي عند طبيبة نسائية رفضت عائلتي أن اخضع للفحص وأنا ما زلت فتاة باكراً، مما سبب لي حالة تسمى المبيض متعدد الكيسات، وإمكانية حملي ضعيفة، لذا من الضروري أن تراقبوا الفتيات من حولكن أن كانت لديهن أعراض تكيس المبايض، أو حالات تتطلب مراجعة الطبيبة النسائية، فلا تترددوا في مساعدتهن أفضل من تركها حتى الزواج مما قد يحرمهن من تحقيق حلم الأمومة إلى الأبد”.

كما هنالك توصيات صادرة عن”الشبكة العربية للمجتمع المدني النسوي”,في ورقة سياسة عامة منشورة على شبكة الإنترنت بعنوان”الصحة الجنسية والإنجابية في المنطقة العربية”.

-تمويل ودعم منظمات المجتمع المدني لتثقيف الفتيات والنساء والشباب والمجموعات المهمشة حول حقوقهم الجنسية وحشدهم للمطالبة بتلك الحقوق.

-إشراك الرجال والفتيان في مبادرات الصحة والحقوق الجنسية قصد تحويلهم إلى وكلاء ودعاة للتغيير.

-ادراج برامج شاملة للتثقيف الجنسي في المناهج الدراسية.

-تعزيز التعليم عالي الجودة والمتاح بشأن الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية نظرًا لتزايد المخاطر التي تتعرض لها الفتيات المراهقات- التعليم باستخدام التكنولوجبا الرقمية .

واخيراً, يتعين إشراك النساء و الفتيات بصورة فعالة في خطط التعافي ودراسة الصلات بين العنف القائم على النوع الاجتماعي والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية.

مصدر

انتجت المادة بدعم من التعاون الألماني.

زر الذهاب إلى الأعلى