قصص وتقارير

عراقيات في ميادين المظاهرات

بشهادة تشرين الاول والثاني 2019/منار الزبيدي

كانت المرة الأولى التي أخالف فيها أوامر والديَّ، فلم أستطع مقاومة مشاعري عندما شاهدت زميلاتي في المدرسة يجمعن التبرعات ويتأهبن للمشاركة في المظاهرات؛ عندها شعرت بالخجل من نفسي، وقررت الالتحاق بهن مهما كانت النتيجة، “وما هي إلا دقائق حتى تجمعنا عند بوابة المدرسة وانطلقنا نرفرف بالأعلام العراقية نحو ساحة الساعة وسط الديوانية (جنوبي العراق).
بمجرد وصولنا هناك وجدت أفواجًا من النساء، بينهن طالبات المدارس، وبدأنا نهتف بصوت عالٍ “بالروح بالدم نفديك يا عراق”.

“في تلك اللحظة تملكني شعور غريب مليء بالقوة والرضا حتى تخيلت نفسي قائدًا في ساحة الميدان، لدرجة أن ضميري لم يعد يؤنبني لمخالفة توجيهات والديَّ. هذا ما قالته الطالبة شيماء خالد (17 عاما).

أما سناء علي (39 عاما) فالأمر بالنسبة لها يختلف عن غيرها من النساء؛ فهي تعيش مع زوجها وأسرته المحافظة جدا، التي ترفض خروج النساء إلا لظروف محددة.

لاحظت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة النساء في المظاهرات، وتحفزت للانضمام، لكنها كانت تخشى معارضة زوجها وأسرته. وبعد تردد أخبرت زوجها برغبتها، وفوجئت برده ليس بالموافقة فقط، بل بانضمامه هو كذلك للمظاهرات، وطلب إعداد العشاء لأربعمئة متظاهر”.

لم يكن أمام سناء سوى ساعات محددة لتنجز وجبة الطعام وتخرج مع زوجها، وتقول “الجهد والمال لا يساويان شيئا أمام المشاركة في هذا العرس الوطني”.

مشاركة ضعيفة
في بداية مظاهرات مطلع الشهر الماضي لم تكن مشاركة النساء في مدينة الديوانية وعدد من المحافظات ملحوظة، ربما بسبب مظاهر العنف التي شابت الأيام الأولى للاحتجاجات.

لكن المشاركة الواسعة للمرأة بلغت ذروتها في مظاهرات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما زالت مستمرة، لتشكل فارقا كبيرا بالنسبة للعراقيات في بغداد والمحافظات.

مظاهرات الديوانية
تقول عضو تحالف قرار 1325 ورئيسة منظمة “أوان” فريال الكعبي إنها المرة الأولى التي تشاهد فيها مئات النساء يشاركن بحماس في المظاهرات الشعبية.

وأضافت أن طالبات المدارس والكليات تسيدن أجواء المظاهرة، إلى جانب فئات نسوية أخرى متعددة ومتنوعة شملت جميع القطاعات، أما مشاركة ربات البيوت والصغيرات والمسنات فقد كانت لافتة.

وعن نسبة مشاركة النساء في المظاهرات، بيّنت الكعبي أنها تقدرها بـ40% من إجمالي عدد المشاركين في مظاهرات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مبادرات متنوعة
لم يكن دور المرأة العراقية في ساحة المظاهرات منحسرًا في الحضور والتفاعل، بل تعدى ذلك إلى مبادرات مهمة ومتنوعة، أسهمت في تعزيز المظاهرات في بغداد والمحافظات.

فقد تطوع فريق نسوي لجمع التبرعات من أجل توفير الماء والطعام للمتظاهرين، في حين وفر فريق آخر الأدوية وإسعاف الجرحى.

وعلى الجانب الآخر، انشغل عدد من النساء بحملات التنظيف وشراء الأغطية والملابس والكمامات، ولم تخلوا المبادرة من لمسة النساء الفنية في تلوين الشوارع والأرصفة والتبرع بالدم والأموال والمصوغات الذهبية.

عراقيات للتغيير
نساء أخريات في الديوانية أطلقن مبادرة مميزة هدفها تعزيز الأمن والسلم الأهلي والتضامن مع المتظاهرين وتحفيز استمرار مشاركة النساء في المظاهرات،
وأصدرت النساء بيانا عبرن فيه عن سلمية المظاهرات واستمرار مساندة المتظاهرين ودعمهم.

ودعت المبادرة إلى الإصلاح ومكافحة الفساد ونبذ العنف والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، كما أوضحت الكعبي.

اندماج مجتمعي
لم تنته مشاركة المرأة عند حد معين؛ فقد أخذت بمبادرة التحشيد من أجل تحقيق دور أوسع للنساء في حركة الاحتجاجات الشعبية، وتقديم الدعم المعنوي للمتظاهرين والوقوف إلى جانبهم.

تقول منسقة شبكة النساء العراقيات أمل كباشي “لقد شهدت ساحة التحرير وساحات الاحتجاج الشعبي في المحافظات اندماجا مجتمعيا وتداخلا ملحميا وطنيا بين فئات المجتمع”.

وسجلت النساء العراقيات دورًا كبيرًا في تعزيز المظاهرات من خلال تنظيم الوقفات التضامنية والاحتجاجية في ساحة التحرير، بالإضافة إلى تشكيل لجان جمع التبرعات لتوفير الدعم اللوجستي المتنوع للمتظاهرين، خاصة معدات منع الاختناق بالغاز المدمع.

وأشادت كباشي بالمظاهر الحضارية والاحترام الذي ساد المظاهرات، وخلوها من الحالات السلبية، الأمر الذي فسح المجال واسعًا لزيادة فاعلية النساء ومضاعفة مشاركتهن ووجودهن.

مخاطر وتحديات
ولم يخل الأمر من وجود تحديات متنوعة طالت عددا من النساء المشاركات في المظاهرات، ومصدرها جهات معروفة تقف ضد المظاهرات الشعبية، حسب ما رجحت الناشطة عفراء زين.

ولعل الضغوط المجتمعية والأسرية من أبرز التحديات التي واجهتها النساء، حيث حالت دون مشاركتهن في المظاهرات.

وأشارت زين إلى تعرض بعض الناشطات إلى حملة إشاعات ملفقة وتهم متنوعة، أبرزها العمل لصالح أجندات أجنبية لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.

في مطلع الشهر الماضي، الذي شهد بداية الاحتجاجات الشعبية، قُتلت الناشطة المدنية سارة طالب مع زوجها على يد مسلحين مجهولين في محافظة البصرة، و”انتهت القضية لتسند إلى مجهول، وهو معلوم لدى الجهات الأمنية بلا شك”، حسب زين.

وهناك عدد من الناشطات والصحفيات والمدونات أجبرن على التوقف عن نشاطهن والتواري عن الأنظار فترة مؤقتة، بعد تعرضهن لتهديدات.

ونشطت عبر فيسبوك مؤخرًا صفحات وحسابات وهمية تناولت منشورات تسيء للنساء المتظاهرات بالسب والشتم، وفقا لزين.

م/الجزيرة نت

ص/تحسين الزركاني

زر الذهاب إلى الأعلى